العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ

القطط السمان

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

لا شك في أن الفساد المالي والإداري هما السبب في تكرس حالات الفقر في مجتمعاتنا العربية، فالوزير عندما يسرق مالا هو بذلك يسهم في اخلال الموازنة العامة وكثير هم الذين تضخمت أموالهم على حساب الناس... بيوت، فلل، عقارات، أسهم في المصارف، شركات متنوعة «طالعة ماكلة، نازلة ماكلة»... وكل ذلك طبعا يكون على حساب فقر الناس وجوعهم. عندما تغيب الرقابة، عندما يتلهى المجتمع في قضايا وهمية غبية تضيع أموالهم بليل فلا يصبحون إلا على أصفار. في عالمنا العربي كثير من الوزراء دخلوا الوزارات وهم فقراء، بعضهم كان مطالبا باستحقاقات مالية وقروض وشيكات وبقدرة قادر وإذا بهم يتحولون إلى «مليارديريّة»... شركات وعمارات وأبّهة. فعندما يغيب مبدأ «من أين لك هذا» يصبح كل شيء قابلا للتضخم بما في ذلك جيوب المسئولين. قد يحدث ذلك غربيا ولكن الفارق بين العرب والغرب أن هناك قانونا ومراقبة ونوابا شرسين وعند العرب يغيب القانون فهو في إجازة والنواب عادة ما يكونون «ميكروفونيين» إلا من رحم ربك، أما الوزير فقد كتب الله عليه أن يعيش آمنا وناعما.

طبعا صور الفساد كثيرة ولكن لابد أن يأتي يوم فتتكسر بقية القوارير فتفصح عما بداخلها أن كانت - طيلة هذه السنين - عسلا أم خلا.

الفرق ما بين العرب والآخرين أن المفسدين في بلاد غير العرب يودعون السجون وفي دول العرب في غالبيتها اما يرقون أو يحالون على التقاعد، فقد كشفت احدى الفضائح في سنغافورة تورط عدة شركات متعددة الجنسية مع مسئول كبير في هيئة الخدمات العامة، إذ تمت رشوة المسئول من أجل كشف معلومات سرية عن العطاءات، بعد ذلك أودع المسئول السجن وحكم عليه بـ 14 عاما. المصدر: فايننشال تايمز 15 فبراير/ شباط 1996م.

- في ملاوي اكتشف مدققو الحسابات أن صندوق الصحافة الحكومية قد دفع ملايين الدولارات مقابل مواد قرطاسية لم يتم شراؤها أبدا. المصدر: نشرة الشفافية العالمية ديسمبر/ كانون الأول 1995م.

- في كينيا خسرت الحكومة 1,5 مليون دولار في عمليات احتيال غير قانونية لشراء أدوية من قبل وزارة الصحة. المصدر: نشرة الشفافية العالمية يونيو/ حزيران 1996.

أما قضية الفساد في الاسمنت فحدّث بلا حرج، فقد قامت الحكومة العسكرية في نيجيريا العام 1975 بطلب كميات من الاسمنت توازي ثلثي ما تطلبه قارة إفريقيا وتزيد عن القدرة الانتاجية لأوروبا الغربية والاتحاد السوفياتي معا كما تجاوزت الأسعار التي وضعت لهذه الكميات أسعار السوق بهامش كبير، والسبب افساح المجال للرشا والدفع. طبعا حالات الفساد متنوعة، فالكثير من مشروعات الإنشاء قد تمت اساءة تقديرها ورفع تسعيرها - كما حدث في إيطاليا - ولم تكن لها أية فائدة اقتصادية سوى في حدود قدرتها على افراز الرشا والمكاسب الشخصية، وكل ذلك طبعا ينعكس على الفقراء وعلى المواطنين الغلابة. إذن المال السايب يعلم على السرقة.

صور من الفساد:

- احتكار سوق الإعلانات لدى وزراء واستغلال النفوذ والمنصب في ذلك.

- ظاهرة دفع الشركات للرشا، فالشركة التي تدفع أكبر رشوة هي التي ستحصل على أكثر المكاسب، وموازنة الحكومة فقط هي التي ستعاني من الخسائر من التلاعب.

- في الأرجنتين تبين أن عددا من موظفي الحكومة الذين قاموا بالإشراف على فتح مناقصات خصخصة الطرق السريعة كانوا يعملون ضمن كادر الشركة التي حصلت على الامتياز.

هناك كلمة جميلة لمفكر غربي متابع لقضايا الفساد ينبغي التمعن فيها جيدا، يقول: «الفساد الذي يضرب في طبقات الموظفين العليا يمكن أن يؤدي إلى تشوهات خطيرة في طريقة عمل المجتمع والدولة. فالدولة تدفع الكثير مقابل تدابير ضخمة ولا تحصل إلا على القليل من الخصخصة ومن عوائد الامتيازات». ويقول أيضا «إن الحكومة تطلق الكثير من المشروعات الخاطئة وتنفق أكثر مما يلزم حتى على المشروعات الجيدة».

طبعا الفساد يكون على حساب البنى التحتية للمجتمع ويؤدي إلى نقص في الخدمات وإلى انتشار الفقر. فالدول التي تطمح في خلق مجتمع يقوم على الأمن والاستقرار يجب أن تسعى إلى الحد من المفسدين وأن تعمل على تأهيل المجتمع معيشيا واقتصاديا وسياسيا لأن حيتان المال السمان يأكلون مالهم ومال غيرهم. فقديما قيل إن الطماع أعطي نصف الدنيا فسأل: النصف الآخر إلى من؟ العدالة الاجتماعية لا يمكن أن تتحقق بالوعود والكلام الجميل في الصحف، فالكلام المنمق لا يسد رمقا ولا يملأ جوف جائع. بالأمس الوزير اللبناني سرق الأبقار، وقضاة في دولة عربية يتاجرون في المخدرات، وتاجر مصري باع الناس 7 ملايين دجاجة فاسدة، ومسئولون في الجزائر باعوا الناس في شهر رمضان لحم الحمير فأكلوه ساعة الافطار. ويبقى السؤال ماذا بقي يا سادة لم تفعلوه؟

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً