على رغم انشغال الصحف العبرية، بـ «صاروخ حزب الله» الذي أصاب جرافة إسرائيلية اخترقت الأراضي اللبنانية، واصل المعلقون الإسرائيليون، رصد ردود مسئوليها على مبادرة الرئيس السوري بشار الأسد عن استئناف المفاوضات مع «إسرائيل» خصوصا ان رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون حذر أخيرا النواب الإسرائيليين من أن إجراء محادثات مع دمشق يعني في نهاية الأمر إعادة هضبة الجولان السورية المحتلة إلى دمشق، وقال مصدر برلماني إسرائيلي ان شارون أكد أمام لجنة الشئون الخارجية والدفاع في الكنيست «يجب أن نعرف أن مفاوضات مع سورية ستقود «إسرائيل» في نهاية الأمر إلى التخلي عن هضبة الجولان». وإذ لم يوضح شارون فكرته، رأى نواب في تكتل «ليكود» في تصريحات للإذاعة الإسرائيلية انه يستبعد بهذه الطريقة استئناف المحادثات قريبا مع دمشق. فيما صرح زعيم المعارضة العمالية شمعون بيريز للإذاعة الإسرائيلية: «في الظاهر، يتحدث شارون عن نهاية التفاوض مع سورية لمنع البدء به». ولوحظ ان الصحف الإسرائيلية قللت من أهمية رد «حزب الله» على الخروقات الإسرائيلية للسيادة اللبنانية، لأن «إسرائيل» لن تسمح للحادث بأن يؤدي إلى تدهور في المنطقة الحدودية مع ترجيحها بأن يستخدم شارون الحادثة، متوقعة أن يستمر الأخير خلال الأيام المقبلة في الإعلان عن ان الصاروخ الذي أطلقه «حزب الله» يعبر عن نوايا سورية المظلمة! واللافت أيضا شيوع مقولة شارون بأن «الجولان لن يعود» ولو جاء الأسد إلى القدس. فقد كتب موشيه آرينز (وزير الدفاع الإسرائيلي السابق) في «هآرتس» مقالة لافتة عن العرض السوري لاستئناف المفاوضات، حدد خلالها الشروط الإسرائيلية لمعاودة المفاوضات مع سورية أو فلنقل لعقد اتفاق مع السوريين. مؤكدا استعداد بلاده للتفاوض مع سورية من أجل توقيع اتفاق سلام، ولكنه شدد على ضرورة أن ينسى السوريون موضوع الجولان!
وكتب عاموس هاريل في «هآرتس» مقالة على هامش حادثة مقتل جندي إسرائيلي وجرح آخر بعد استهداف «حزب الله» لجرافة إسرائيلية بصاروخ يوجه عن بعد. وأوضح هاريل، ان صدى الصاروخ الذي أطلق باتجاه الجرافة وصل إلى طهران ودمشق، على حد تعبيره. وأضاف انه في الوقت الذي تعمل دمشق وطهران «شفيعتا» الحزب كما وصفهما هاريل، على التكيف مع جارهم الجديد في العراق، يبدو ان «حزب الله» يقاتل من أجل بقائه - في إشارة من هاريل إلى ان استمرار «حزب الله» في الساحة متصل بالعمليات العسكرية ضد «إسرائيل» - ولفت هاريل، إلى ان «إسرائيل»، ستركز في الفترة المقبلة على الحديث عن العلاقة الوثيقة التي تربط بين سورية و«حزب الله»، لاسيما في ضوء انسحاب الجيش الإسرائيلي العام 2000 إلى الحدود المعترف بها دوليا واحترامه الكامل للسيادة اللبنانية على حد زعمه. وفي هذا الإطار يتابع هاريل، ان ارييل شارون، سيستمر خلال الأيام المقبلة في الإعلان عن ان الصاروخ الذي أطلقه «حزب الله» يعبر عن نوايا سورية المظلمة. غير ان هاريل، اعتبر ان السوريين لم يكونوا مهتمين بمسألة أو (وراء) التصعيد مع «إسرائيل»، إلا انهم لم يبذلوا أي مجهود من أجل ضمان الهدوء على الحدود الشمالية للدولة العبرية. أما في ما يتعلق بالرد الإسرائيلي فقد رجح هاريل، ألا تسمح «إسرائيل»، للحادث بأن يؤدي إلى تدهور في المنطقة الحدودية، لأن الدولة العبرية سبق وتفادت التصعيد عدة مرات، آخرها عندما أطلق «حزب الله» صاروخا مضادا للطائرات أدى إلى مقتل طفل إسرائيلي في مستوطنة شلومي.
وكتب موشيه آرينز (وزير الدفاع الإسرائيلي السابق) في «هآرتس» مقالة لافتة عن العرض السوري لاستئناف المفاوضات، حدد خلالها الشروط الإسرائيلية لمعاودة المفاوضات مع سورية أو فلنقل لعقد اتفاق مع السوريين. واستهل آرينز، مقالته بالإشارة إلى ان القاعدة المقبولة في السلوك الدولي، تقضي بأن الأمة التي تشن عدوانا على جيرانها لا يجب أن تكافأ بعد هزيمتها بإعادة الأراضي التي خسرتها نتيجة ذلك العدوان. وأعطى الوزير الإسرائيلي السابق، مثال ألمانيا، التي لم تطالب باستعادة بولندا التي خسرتها في الحرب العالمية الثانية كما قدم مثال اليابان التي لم تطالب باسترجاع كوريا ومنشوريا. غير انه لاحظ انه في حال «إسرائيل» وجيرانها العرب، يبدو الأمر مختلفا تماما. فمصر التي هاجمت «إسرائيل» أربع مرات وتعرضت للهزيمة في كل مرة، أصرت على استعادة سيناء التي خسرتها خلال تلك الحروب. وسورية، اليوم يضيف آرينز، تتبع خطى مصر، وتطالب باستعادة هضبة الجولان، التي فقدت السيطرة عليها بعد الحروب التي خسرتها أمام الدولة العبرية. وتساءل في السياق نفسه، لماذا وافقت سورية، على عدم استعادة ميناء اسكندرون من تركيا؟ (من غير أن يوضح آرينز كيف تنازلت دمشق ومتى عن لواء الإسكندرون؟ اللهم إلا إذا اعتبر ان مجرد زيارة الرئيس السوري لأنقرة كافية لإنهاء هذا الملف السوري التركي) مجيبا على سؤاله بالقول إنه يبدو ان «إسرائيل»، هي الحلقة الأضعف والسهلة المنال في الشرق الأوسط. وتوجه آرينز، في ختام مقالته إلى السوريين، مؤكدا استعداد بلاده للتفاوض مع سورية من أجل توقيع اتفاق سلام. ولكنه شدد على ضرورة أن ينسى السوريون موضوع الجولان! وإلا فليستعدوا للمحاسبة على كل الأضرار الاقتصادية التي ألحقوها بـ «إسرائيل» خلال الأعوام الـ 56 الماضية. وختم بالقول: إنه في حال فهم السوريون ذلك فإن «إسرائيل» ستكون سعيدة بالجلوس إلى طاولة المفاوضات مع سورية.
وأوردت دبكا فايل (إسرائيلي) من على موقعها على الإنترنت نقلا عن مصادرها في واشنطن، ان إدارة بوش، مرتبكة جدا بسبب مواقف دمشق غير الثابتة وردود فعل «إسرائيل» غير المؤكدة حيال استئناف مفاوضات السلام بين البلدين. ومن هنا، تضيف المصادر عينها، قرر البيت الأبيض أن يهدئ الأمور خلال الأسبوعين المقبلين تمهيدا لزيارة السفير الأميركي السابق في «إسرائيل» وسورية - بحسب دبكا فايل - إدوارد دجيرجيان، إلى دمشق وتل أبيب. ورجحت المصادر أن يقوم موفد الرئيس الأميركي إلى العراق جيمس بيكر، بزيارة مماثلة. وأوضحت دبكا فايل، ان دجرجيان، سيحاول الحصول على مواقف صريحة وواضحة من الزعماء السوريين والإسرائيليين بشأن استئناف مفاوضات السلام. كما انه سيسعى إلى استيضاح شروطهم المسبقة للمباشرة بتلك المفاوضات ومدى رغبتهم بإجراء لقاءات مشتركة. وفي المقابل، لفتت دبكا فايل، إلى ان زيارة دجرجيان، لدمشق، ستركز أيضا على مساءلة سورية، عن تورطها في «حرب العصابات» في العراق وعن تخزين أسلحة الدمار الشامل العراقية على أراضيها، إضافة إلى الوجود السوري في لبنان، ودعم سورية لـ «حزب الله».
من جهة أخرى، رجح يوئيل ماركوس في «هآرتس» أن تكون أيام رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون، معدودة في منصبه لاسيما إذا قرر مستشاره السابق ديفيد سبكتور، أن يكشف عن كل ما يعرفه عن تهم الفساد الموجهة إلى شارون. ومن هنا اعتبر ماركوس، ان الوقت الآن مناسب جدا ليباشر رئيس الوزراء الإسرائيلي بتنفيذ خطته الأحادية لفك الارتباط مع الفلسطينيين لأنه من الأفضل أن تذكر الأجيال القادمة شارون، انه كان رجل الأمن والسلام وليس رئيس الوزراء الذي تعرض للمحاكمة. على صعيد آخر، اعتبر ماركوس، ان سبب الانتقاد الذي تعرضت له الاستخبارات العسكرية بعد التقارير التي صدرت عنها والتي أشارت إلى جدية نوايا الأسد لاستئناف المفاوضات، يعود إلى ان تلك التقارير لم تكن تنسجم مع اهتمامات رئيس الوزراء الإسرائيلي في تلك الفترة. مذكرا ان هذا الأمر يتكرر في «إسرائيل» منذ الفشل الاستخباراتي قبل «حرب الغفران» وحتى اليوم. وختم بالقول: إنه يجدر بمخابرات الجيش الإسرائيلي أن تستمر في الكشف عن الحقيقة كما هي، مشددا على ان اليوم الذي ستنسجم فيه التقارير الاستخباراتية العسكرية مع ما ترغب الحكومة الإسرائيلية في سماعه سيكون يوما حزينا في تاريخ «إسرائيل».
وكان ألوف بن في «هآرتس» كتب مقالة عن فشل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في استقراء أو توقع اقتراح الرئيس السوري بشار الأسد لاستئناف المفاوضات قبل أن يحصل. ولفت بن، إلى ان تحقيقات جرت داخل المؤسسة الاستخباراتية الإسرائيلية أظهرت ان ما من وكالة استخبارات إسرائيلية استطاعت أن تكشف عن احتمال حصول تغيير في المقاربة السورية للسلام مع «إسرائيل». وأكد ان تقييما صحيحا للخطوات والمواقف السورية بعد حرب العراق، كان من شأنه أن يضع صانعي القرار في «إسرائيل»، في حال تأهب تحسبا لموقف سوري مفاجئ، بدلا من الانشغال في إطلاق الردود المرتبكة والتشكيك في نوايا الرئيس السوري الحقيقية. غير ان الحقيقة يشدد بن، هي ان وكالات الاستخبارات الإسرائيلية القادرة على التنصت على مكالمات الأسد الهاتفية والحصول على «عينات من بول الرئيس السوري» على حد تعبيره، لم تستطع أن تبذل جهدا إضافيا في تحليل أية خطوة محتملة يتخذها السوريون. متسائلا لماذا لم تتوقع هذه الوكالات أن تقرع سورية الباب الدبلوماسي؟ وأوضح المعلق السياسي في الصحيفة العبرية، ان المؤسسة الاستخباراتية والطبقة السياسية في «إسرائيل» وقعت - كما في العام 1973 - ضحية مفهوم «التقليل من قيمة العدو». مشيرا إلى ان الدولة العبرية تعتبر الرئيس السوري رجل سياسة شاب ولم يبلغ بعد سن الرشد كما ان الحكومة الإسرائيلية كانت مشغولة في الفترة الأخيرة بنشر بروباغندا تهدف إلى إقناع الأميركيين بوضع سورية على لائحة دول «محور الشر». وختم بالقول: إنه من المفترض أن يشمل عمل المؤسسة الاستخباراتية التنبيه بوجود فرص للسلام وليس فقط التحذير من خطر نشوب حرب
العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ