العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ

بين الكفاح من أجل الاعتراف و«حق التضحية بالآخر!»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

التقيته بعد غياب عدة أشهر قضاها بين بغداد والنجف وكربلاء ونيويورك وواشنطن وهو يبحث عن «حق الاعتراف بالآخر». فقال لي: «لقد اكتشفت بعد هذه الرحلة الطويلة بأن الأميركيين والديمقراطية الفردية التي ينادون بها ويُروجون لها بل ويريدون تعميمها - وان بالقوة - على العالم كله أفضل بكثير ليس فقط من أنظمة التسلط الشرقية بل ومن الديمقراطية المجتمعية أو الاجتماعية الأوروبية مجتمعة لاسيما الفرنسية منها!».

وبعد حوار مطول مشدود بيني وبينه وبعد أخذ وعطاء وشد وجذب لخص لي انتخابه الآنف الذكر بالقول: «إنهم عنوان الثروة وسيادتها مقابل عنوان السلطة وجبروتها» لذلك فهم أهون على الشعوب والأمم - والأهم - على الأفراد من غيرهم ممن يريدون الاستحواذ على الفرد بشكل أبدي لصالح العقل الجمعي مرة ولصالح الوطن أحيانا ولصالح الدين أخرى ولصالح جبروت السلطة في كل الأحيان!

بقدر ما هو عزيز عليّ هذا الصديق ما يجعلني ألا أذكر اسمه هنا حفاظا على حقه في الدفاع عن نفسه وهو الغائب في هذه الحوارية، بقدر ما هي عزيزة عليّ مقولة «الكفاح من أجل الاعتراف» التي أعتقد بأن الأميركيين والمقصود هنا «مذهب الأميركيين» من حيث تمثيلهم لمبدأ أو أصل الثروة التي يمثلونها في هذه الحوارية، إنما يدوسونها بأقدامهم مع فجر كل يوم جديد على رغم كل مظاهر التغني بالديمقراطية وحق الشعوب في تقرير مصيرها!

يقول جورج بوش في كتابه عن حياة محمد 1831م: «ما لم يتم تدمير امبراطورية السارزن (المسلمين) فلن يتمجد الرب بعودة اليهود إلى وطن آبائهم وأجدادهم».

ويقول السيناتور ألبرت بيفردج 1900م: «إن الله اصطفى الأمة الأميركية من بين كل الأمم والشعوب وفضلها عليهم وجعلها شعبه المختار وذلك من أجل قيادة العالم وتخليصه من شروره».

ويقول السيناتور هارت نبتون في خطابه أمام مجلس الشيوخ في العام 1846م: «إن قدر أميركا هو الغزو والتوسع. إنها مثل عصا هارون التي صارت أفعى وابتلعت كل الحبال. هكذا ستغزو أميركا الاراضي وتضمها إليها أرضا بعد أرض. ذلك هو قدر المتجلي. أعطها الوقت وستجدها تبتلع في كل بضع سنوات مغازات بوسع ممالك أوروبا. ذلك هو معدل توسعها».

بالمقابل تقول امرأة من شعب هيداستا من أمم الهنود الحمر التي أبادتهم قوافل «الحجاج» الانجلو ساكسون الأميركيين في العام 1895 ما يأتي:

«في بعض الأماسي اجلس أمام نهرنا نهر الميزوري العظيم، الشمس تغيب والغسق يذوب في المياه وتلوح لي في تلك الظلال قريتنا الهندية... وفي هدير النهر اسمع جلبة المقاتلين تموج مع قهقهات الصغار والكبار لكنني أحلم! نعم. إنها ليست إلا أحلام امرأة عجوز، فأنا لا أرى إلا أشباحا، ولا أسمع إلا هدير المياه... ثم تنفجر الدموع في عيني، لأنني أعرف أن رجالنا ذُبحوا وأن حياتنا الهندية انتهت... إلى الأبد».

يقول الكاتب السوري والباحث في شئون القارة الأميركية على مدى عقود، منير العكش في كتابه «أميركا والابادات الجماعية» الصادر عن دار رياض الريس ملخِّصا أبحاثه المعمقة بهذا الشأن ما يأتي:

«كانت تلك الإبادة الأكبر والأطول في التاريخ الإنساني والخطوة الأولى على الطريق إلى هيروشيما وفيتنام. انهم كما يقول الحاخام المؤرخ لي ليفنغر أكثر يهودية من اليهود لأنهم يعتبرون أنفسهم يهود الروح الذين عهد الله إليهم ما عهد إلى يهود اللحم والدم قبل أن يُفسدوا ويتخلوا عن أحلام مملكتهم الموعودة. وأن يهودية هؤلاء الحجاج هي التي أرست الثوابت الخمسة التي رافقت التاريخ الأميركي في كل محطاته من يليهوث إلى جيكور:

- المعنى الإسرائيلي لأميركا.

- عقيدة الاختيار الإلهي والتفوق العرقي والثقافي.

- الدور الخلاصي للعالم.

- قدرية التوسع اللانهائي.

- حق التضحية بالآخر».

وأنا بدوري هنا أحاول العودة إلى صديقي العزيز صاحب الشأن والمقام في بلاده كما كان يوما وان كان استقال منه الآن بسبب ما ذهب إليه من رأي في خروجه على سياق تكوينه العائلي والديني والسياسي إلا أنه يظل يمثل شأنا مهما في التكوين الاجتماعي العام لبلده من حيث انتماؤه للسلك أو الصنف الذي ينشط فيه، ثم لأهمية ما يذهب إليه من مذهب سياسي وفكري جديد لا ينحصر بفرده بقدر ما صار مذهبا رائجا لدى الكثير من النخب «الوطنية» في عدد من أقطار العالم العربي والإسلامي لاسيما بعد تجربة الاجتياح الأميركي للعراق.

أعود إليه فأقول: قد يكون صحيحا ما ذهبت إليه وهو ما يشاطرك فيه الكثيرون من أبناء جلدتنا بأن بلداننا تعيش منذ أمد تحت وطأة ما تسميه بـ «الاستبداد الشرقي» اللعين! وأن هم السلطة والتسلط واستمرار البقاء في سدة الحكم بأي ثمن كان إنما بات يشكل ثقافة عامة لدى أوساط النخب الحاكمة في بلادنا.

لكن بالمقابل فإن ما تدعوننا، ويدعوننا إليه بعض زملائك ومن يشاطرونك الرأي «بضرورة» اللجوء إلى سيادة «الثروة» للتخلص من جبروت «السلطة» إنما هو في الواقع دعوة مفتوحة إلى «اجتياح هوليوودي» للعالم. ازعم وأظن معي الكثير من مناهضي العولمة في العالم بعد أن تكرست «أمركة» له في ظل موازين للقوى مختلة بامتياز لصالح «القوي» بثروته وإمكاناته.

إن الإدارة الأميركية الحالية التي تطالبونها بالتدخل ومن ثم بالبقاء أطول فترة ممكنة في بلادنا لتخلصنا من جبروت الاستبداد الشرقي، إنما تقوم اليوم بحسم كل نزاعاتها بالذخيرة الحية كما ترون وعلى الهواء مباشرة غير معنية أبدا بما يترتب على ذلك من علاقات دولية قلقة وغير مستقرة والأهم من كل ذلك لا تعترف بالآخر الذي تكافح أنت وأمثالك من أجل انتزاعه عبر الاستعانة بها بعد أن فشلت في انتزاعها من حكومتك المحلية.

لست محاميا للدفاع عن الحكام في بلداننا كما اتهمتني ويتهمني الكثيرون، ووطني هو عقيدتي كما تعرف وقلمي الذي أخط به ما أؤمن بضرورة الدفاع عنه على مدى ربع القرن الماضي كما تعرف ويعرف الكثيرون، وحدود الأوطان الشرقية التي نتنقل فيها ما هي إلا من صنع سايكس - بيكو أو ما شابهه من اتفاقات التجزئة، لكن ما هو مطروح علينا كما تعرف في قرارة نفسك على ما أظن هو ليس «الاعتراف بالآخر» الذي نبحث عنه منذ عصر النهضة والصحوة الجديد. بل قبول «حق التضحية بالآخر» وعلى حسابنا بالتحديد. أي نكون نحن «الآخر» الأول الذي يجب أن يضحى به حتى تستقر الموازين للآخر القادم من بعد.

رئيس منتدى الحوار العربي - الايراني

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً