العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ

قراءة أولية لقانوني البلديات والمحافظات

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

حينما نقوم بإلقاء الضوء في الصحافة على الالتباسات القانونية (والتفاسير حمالة أوجه)، لا يعني ذلك انتقاصنا من مكانة البشر، وإسباغا على ذواتنا هالة من القداسة أو لا نعني كذلك إننا نمتلك الحق المطلق في الحكم على الأشياء المادية كالقوانين أو الأشخاص الطبيعيين، وحينما يتعرض الصحافي لأمر ما لا يقصد الهدم والتصيد في المياه العكرة، بل إنه يسعى للبناء، وتغليق تسريبات المياه الآسنة لكي لا تؤذي عموم البحيرة. والكاتب ينطلق من قناعة راسخة في وجدان وضمير المجتمع فهو المرآة العاكسة للضمير المجتمعي. وهو يشعر بالمسئولية الكبيرة الملقاة على كاهله، فأما أنه يتحملها أو يتركها لمن هو أهلا لها... ولا يكتب عكس ما يؤمن به، أو خلاف ما هو واقع، أو أن تأتي موضوعاته مخالفة للتوجهات المجتمعية والشعبية منها تحديدا. فهو يعبر عن ضمير المجتمع ككل.

من هذه المقدمة... كان لإيماءة محافظ المحرق سلمان بن هندي، أثر كبير في نفسي، وإن كان هو بمثابة أخ وأستاذ كبير لنا في الإعلام والعلاقات العامة، ونقدره ونحترمه ونجعله في المكانة اللائقة به من الناحية الوظيفية بالدرجة الأولى والتي على أساسها نتعامل معه كمسئول يؤدي واجباته... وهو يتعامل معنا كمسئولين نؤدي أمانة حمل القلم... وحينما قال لي: «نحن لا نزعل منك لأنك تكتب عنا» في إشارة منه إلى المقالين السابقين لكاتب السطور عن المكرمة الملكية للبيوت الآيلة إلى السقوط، وكم كنت أتمنى حينها لو أن أعضاء الجوقة العليا من المطبلين والمزمرين أن يفقهوا كلام «بوعيسى»! ولكن هل «البشمركة» والذين لا يعلمون اللغة العربية مثلا، هل نتوقع منهم أن يفقهوها وهم لا يعلمون العربية من الأساس فكيف بالتفقه فيها!؟ وهيهات لهؤلاء الذين تخرجوا من الغابات والأدغال أن يفقهوا هذا الكلام، فإنهم لا يفقهون إلا لغة التنطيط والرقص على موائد المسئولين.

إن هذه الجوقة من المطبلين والمزمرين، وجلهم من اللاهثين خلف الدرهم والدينار، إن هؤلاء جميعا، لا يعلمون عن دولة المؤسسات والقانون حرفا... فحذار يا أيها المسئولون منهم، وحذار من أن تتخذوهم عضدا. انهم ينقلون الحدث على غير ما وقع، وبلا فهم سليم للمعاني... نعم انتقدنا القانون ولا ننتقد من يتمسك ويمارس حقه كمسئول بالقانون... وإلا فلماذا نطالب بتطبيق القانون والتمسك به! نحن ننتقد القانون ولا ننتقد الأشخاص لذاتهم... انتقدنا تفسير الوزير الستري لقانون البلديات ولم ننتقد الستري كشخص، ومع ذلك (هرول) البعض ممن لهم مصالح ومآرب أخرى، وراحوا يشهرون به... انتقدنا قانون المحافظات ولم ننتقد ذوات المحافظين لأنهم يمارسون دورهم بما أعطاهم القانون من صلاحيات وبما ألزمهم به من اختصاصات، ومع ذلك ذهبت جوقة المطبلين من «البشمركة» والتي لا تفقه لغة العرب وتقولت يمينا ويسارا وتلاعبت بالنصوص وقامت بتأويلها على غير معناها.

إن موضوع تداخل اختصاص وزارة مع أخرى ينسق بينهما رئيس الوزراء أو نوابه، أما تداخل اختصاصات المجالس البلدية والمحافظات فمن ينسق فيما بينهم؟!

إنه لا يمكن التعامل وقياس الأمور في أية دولة تتطلع لأن تكون دولة ديمقراطية قائمة على المؤسسات والقانون؛ إلا بمدى تفاعل وتكامل قوانينها، وذلك قطعا لا يتم دفعة واحدة، إنما على مراحل وفترات قصيرة وبعيدة المدى، وذلك من خلال توجيه الانتقاد تارة لمادة معينة وأخرى لقانون معين وثالثة لثغرة قانونية أو فراغ تشريعي وهكذا دواليك... وعلى رأس من يقوم بهذه المهمة هي السلطة الرابعة ممثله في الصحافة الحرة المستقلة.

ولذلك كان لابد لنا من وقفات سريعة على بعض المواد القانونية في قانون المحافظات والبلديات. نص المشرع في قانون رقم (17) لسنة 2002م الخاص بالمحافظات وفي المـادة (8) الفقرة (ج) «رعاية وتشجيع التربية الدينية والأنشطة التربوية والتعليمية والاجتماعية والرياضية والثقافية والصحية وغيرها، والعمل على تنميتها، ودعمها، وتوجيهها نحو الإحساس بالمسئولية وروح التعاون، وتعميق الحس الوطني، ومشاعر الانتماء والولاء، ومفاهيم الوحدة الوطنية، وذلك بالتنسيق مع الجهات المعنية». وهذه كلها مسئوليات تقع على كاهل المحافظ والقانون حملها إياه، ونحن لا ننكرها، ولكن يجب قراءتها مع القوانين الأخرى، وفلسفتها تأتي بحسب السياسة العامة في الدولة وخطابات جلالة الملك، فماذا يقول جلالة الملك في شأن المحافظات ودورها؟! ونقارن بعد ذلك بين القانون والسياسة العامة للدولة ومنهجيتها في إدارة مرافق وأجهزة الدولة، ونرى إن كان المحافظ يأخذ (أدوار غيره) أم ملتزم بما نص عليه القانون.

وجاء في المادة (8) الفقرة (د) من القانون نفسه «متابعة تنفيذ الأجهزة المختلفة في المحافظة للقوانين والأنظمة الإدارية والتأكد من سلامة تطبيقها بما يكفل تحقيق المصلحة العامة». (متابعة تنفيذ) وتعني هنا إن المحافظ ممثل عن السلطة التنفيذية والحكومة المركزية والتي مقرها عاصمة الدولة، فهو ممثلها في حدود محافظته. وهذه المادة قد يفهم منها أن المجالس البلدية يجب أن تتحرك وبالتعاون والتنسيق مع المحافظات لمتابعة تنفيذ القرارات التي تصدرها البلدية في حدود اختصاصها... وقد تعني كذلك ضمنا وليس نصا إلغاء دور وزارة البلديات والزراعة فيما يخص جميع المشروعات ذات الطابع المحلي. وقد تعني أيضا أن البلديات هي صاحبة السيادة العليا التقريرية في المحافظة إذا ما ربطنا هذه المــادة مع المادة (3) من قانون البلديات، وذلك لا يلغي دور المحافظة كسلطة تنفيذية تتابع تنفيذ القرارات، وأخيرا قد يشار إلى وجود المحافظات بأنها نوع من الوصاية المركزية، كما يطلق عليها في القانون الإداري، لكي لا تستبد الإدارة المحلية بالقرار أو تغرد خارج سرب السياسة العامة للدولة، ولكن نص قانون البلديات على أن الوزير المختص هو الذي يتأكد من ذلك وبالتالي فالمحافظ بما أنه ممثل عن السلطة التنفيذية، التي تقع في دائرتها وزارة البلديات والزراعة فإنه يمثل وزير البلديات والزراعة. وهنا تكمن إشكالية قد تحتاج إلى عناية نواب الشعب لتصحيح وتوضيح العلاقة بين هيئات وأجهزة ومؤسسات الدولة.

نص قانون المحافظات في المادة (8) على أن: «يتولى الإشراف على تنفيذ السياسة العامة للدولة ومتابعة مشروعات خطة التنمية في نطاق المحافظة...» ونص قانون البلديات في المادة (3) على أن: «يتولى المجلس البلدي في كل بلدية ووفقا لأحكام قانون البلدية إصدار اللوائح والقرارات والأوامر اللازمة لحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي الواقعة في نطاق اختصاص البلدية...».

وبعملية ربط بسيطة نستشف ان المحافظ سلطة تنفيذية والمجالس البلدية سلطة تقريرية، أي تقرر ما يلزم لحسن إدارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي، وهذه العلاقة تبقى صحيحة إلى حد ما، ولكن المشرع تعمد (إفساد) هذه العلاقة بإدراجه في قانون المحافظات المادة (8) الفقرة (أ) الآتي: «المساهمة في الإشراف على الخدمات التي تقدمها مرافق وأجهزة الدولة الكائنة بالمحافظة، وذلك فيما عدا الهيئات القضائية ووزارتي الخارجية والدفاع» والمشرع هنا لم يستثنِ من الإشراف البلديات أو تحديدا المجلس البلدي، مع أن قانون المحافظات رقم (17) 2002م صدر بعد قانون البلديات رقم (35) 2001م، فماذا توحي كلمة «الإشراف» لدى القارئ العادي فضلا عن القارئ المتخصص في القانون؟! بكل بساطة مثلما حصنت الحكومة نفسها بالمادة (145) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب، وكاد أن يقضى على عمل لجنة التحقيق في الهيئتين بهذه المادة، كذلك حصنت الحكومة نفسها ضد المجالس البلدية. ولا أعرف في أي (غرف مظلمة) صيغت تلك القوانين؟! ولكن أجزم أنها تخالف توجهات وتوجيهات جلالة الملك حفظه الله.

وعلى رغم ذلك، لم يرد أي نص للبلديات في قانون المحافظات ولم يرد أي نص للمحافظات في قانون البلديات... والجهة التي أصدرتهما واحدة! فهل هي لا تعلم بوجود قانون للبلديات؟ فالعلاقة بينهما مبهمة وتعتمد على العلاقات الشخصية بين المحافظين والبلديين، إذ لم ينص القانون على وجود مكتب مثلا للتنسيق بين المحافظات والبلديات إلا في المادة (12) من قانون المحافظات والخاصة بتشكيل لجنة في كل محافظة بقرار من رئيس الوزراء ويرأسها المحافظ ويكون من ضمن أعضائها مدير عام البلدية!

إن فلسفة نظام اللامركزية والاستقلالية المناطقية في الإدارة تتطلب وجود مكتب للتنسيق بين المحافظات والبلديات أو وجود لجنة تنسيقية، فالعلاقات الشخصية محلها المجالس الخاصة والديوانيات أما علاقات إدارات الدولة المختلفة فالقانون ينظمها، وكلما كانت هناك ثغرة قانونية حلّت محلها علاقة شخصية، فالاعتماد على طيبة فلان وخيرية فلان لا تتناسب ودولة القانون. وفي المحرق تحديدا، ماذا سيحدث لو كان مكان كلٍّ من: سلمان بن هندي شخص آخر، ومكان محمد الوزان شخص آخر، ومكان خليفة بن عيسى آل خليفة شخص آخر؟ وكل واحد منهم يحاول أن يستفيد من الثغرات القانونية ليؤكد وجهة نظره الشخصية فماذا سيحدث حينها؟! وما هو الضمان من بعدهم، فسنة الحياة التغيير!

لو كان قانون البلديات أو قانون المحافظات نص على وجود مكتب للتنسيق... لكان لذلك النص شأن في فض ما قد يحدث من تداخل في الاختصاصات، كاختصاص ممارسة البلدية للسلطات التقريرية والإشرافية لحسن إدارة المرافق العامة، وأيضا ممارسة المحافظة لسلطة الإشراف... وعلى رغم ذلك قد يفسر «البعض» المادة (18) من قانون البلديات إن للبلدية الحق في التنسيق مع الجهات المختصة وقد تكون احدى الجهات المختصة هي المحافظة، ومع ذلك فإن النص ضمنا على ذلك قد يوقع البلديين في حرج شديد مع المحافظين وصراخ شديد من (جوقة المطبلين والمزمرين)، ولذلك وجب على المشرع أن يبين نصا واضحا وحاسما في مثل تلك العلاقة، وخصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار أن بعض الأعضاء قد لا يكون ملما بالقانون وقراءاته المختلفة، ولكن المشرع هنا تعامل مع أعضاء المجالس البلدية كخبراء قانونيين وليس كأفراد تتفاوت مقدرتهم في استنباط المضامين السياسية والقانونية من النصوص. ولم يأخذ المشرع الوجود الجديد والمحدث لنظام البلديات برمته.

لقد ألقينا الضوء في عجالة على بعض نقاط الالتباس القانونية، والغموض القانوني في قانوني البلديات والمحافظات، وذلك للتأكيد على عدم (شخصنة) الموضوعات التي تثار بشأن بعض القوانين أو المواد القانونية أو القرارات الإدارية... وبما أن مجلس النواب الجهة التشريعية المختصة بتعديل وتغيير القوانين وإقرارها، فيجب عليها القيام بتعديل ما يلزم تعديله من قوانين لكي تتلاءم وواقع الحال البحريني وتتكامل مع بعضها بعضا، وإدراج نصوص صريحة وواضحة لا تقبل اللبس ولا يرقى لتفسيرها شك، وذلك ما سيجنبنا (المطاحنات) المستقبلية لا سمح الله، وفي الوقت نفسه نكون قد أفسحنا المجال للنهوض بالخطط التنموية الشاملة في البلاد.

لمثل ذلك لم أشأ الرد على «بوعيسى» حينما عاتبني بعفويته المعهودة... ونؤكد كذلك في هذا الصدد أن دولة القانون والمؤسسات لا تقوم على شخصية محبوبة متفهمة، بل هي دولة تلتزم بالنصوص الدستورية والقانونية في تنظيم علاقة إداراتها ومؤسساتها. وإن الاعتماد على العلاقة الطيبة والأشخاص الطيبين لا يؤسس لمثل تلك الدولة، وإن كان يساعد في بعض الأحيان، إلا أنه ومن حيث المبدأ من الخطأ تأسيس علاقات إدارات ومؤسسات وأجهزة الدولة على هكذا منطق.

ويبقى باب النقاش والبحث في ملاءمة أي قانون لواقع وحياة المواطنين هو ما نطمح إليه من خلال نقدنا لهذا القانون أو ذاك، والنقد حق مكفول... ويبقى أيضا أن التمسك بالقانون من قبل المسئولين وتفسيره وما يعطي السمعة الجيدة لإداراتهم في المجتمع، حق مكفول لهم، بل وواجب عليهم تنفيذه... إلى أن يتغير القانون الموجود.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً