العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ

أميركا أيضا لديها عمال أجانب ولكن من فئة مختلفة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحديث في البحرين يدور حاليا حول كيفية التخلص من العمالة الأجنبية السائبة التي قدّرتها الدراسة التي أعدتها مؤسسة «ماكينزي» بـ 45 ألف شخص، وكيفية الانتقال من اقتصاد ينافس مومبي إلى اقتصاد من نوع آخر ينافس سنغافورة. الجهات الرسمية لم تكن (قبل دراسة ماكينزي) تعترف بالمشكلة أو حجمها، ولكن بعد ذلك أصبح الحديث علنيا إلى الدرجة التي صرح فيها وزير العمل مجيد العلوي لـ «الوسط» في شهر ديسمبر/ كانون الأول الماضي بأن ما بين 10و15 في المئة من مشكلة «الفري - فيزا» تسبب فيها أفراد من العائلة المالكة. وهذا يعني أن ما أشارت إليه الدراسة صحيح من حيث عدم تمكن الإجراءات الرسمية من ضبط الأمور وعدم اتساق القرارات مع أية استراتيجية بعيدة المدى.

إن المطالبة بإنهاء مشكلة العمالة السائبة والعمالة الأجنبية الرخيصة ليس موجهة ضد هذه الفئة أو تلك بقدر ما هي ضرورة استراتيجية لحماية مستقبل البحرين. فدراسة «ماكينزي» أشارت إلى أنه خلال السنوات العشر المقبلة - إذا استمر الوضع كما هو الآن - فإن عدد العاطلين سيزداد من 20 إلى 60 ألف مواطن، وهو ما يعتبر قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار.

إن أي بلد في العالم بحاجة إلى عمال وخبراء أجانب، ولكن أي نوع وضمن أية استراتيجية؟ هذا هو الفرق بين أميركا، مثلا، والبحرين. فالولايات المتحدة تفتخر بأن 60 في المئة من قواها العاملة هم من فئة «الإنسان المعرفي»، أي الشخص الذي يمتلك خبرات متطورة ولديه الكفاءة للتعامل مع الاقتصاد المعرفي. ولذلك، فإن أميركا تفتح الباب (بل وتشجع على) هجرة المهندسين والمبرمجين الهنود (من بانجلور مثلا) إلى بلادها، وكذلك تفعل ألمانيا ودول أخرى. ولكن الفرق بين الفري - فيزا الذي يتم «استيراده» ورميه في السوق البحرينية وبين المبرمج الهندي الذي يتم ترغيبه في الهجرة إلى أميركا والمانيا، هو أن الأخير يذهب إلى بلاد توفر له كل التسهيلات لكي يؤسس أعماله ويدير مشروعاته بأعلى المعاشات والرسوم، بينما الفري - فيزا ما هو إلا «عبد» يتم استخدامه بصورة مذلة وغير إنسانية لمنافسة المواطن في كل شيء، حتى في بيع قناني المياه عند تقاطع الطرقات. و«العبد» الذي يُرمى به في السوق يتم إذلاله لأن عليه أن يدفع رسوما (وهي مثل الأموال التي تفرضها بعض العصابات في مدن المافيا على أصحاب الدكاكين ضمانا لعدم حرق دكاكينهم) لكي يستمر في البقاء في السوق البحرينية من دون أي تخطيط ومن دون أي اهتمام بمستقبل البلاد.

في أميركا كانت الأمور صعبة في مطلع الثمانينات وذلك عندما بدأت عجلة الاقتصاد الياباني تتقدم بسرعة بينما تراجعت (آنذاك) في غيرها من الدول المتقدمة. إلا أن الولايات المتحدة (وبعدها في ذلك بريطانيا) خططت للتحول إلى الاقتصاد المعرفي. ولذلك، فإن عدد الوظائف التي خسرها الشعب الأميركي أثناء الثمانينات كان 44 مليون وظيفة تابعة للاقتصاد الصناعي والتقليدي. ومقابل ذلك خلق الاقتصاد المعرفي المتطور 73 مليون وظيفة جديدة، وما ان انتهت فترة الثمانينات وإذا بأميركا تعيد الحيوية إلى اقتصادها، بينما بدأ يتراجع الاقتصاد الياباني في المقابل.

الثقافة المطروحة في أميركا تختلف عن الثقافة المطروحة في السوق البحرينية. هناك يعتمدون على الإبداع والخبرة والتطوير المستمر واحترام القانون وحقوق العامل (سواء كان أميركيا أو غير أميركي). أما في السوق البحرينية فإن الثقافة هي الأنانية والطمع واستغلال الضعفاء من خارج البلاد لمنافسة الضعفاء من أهل البلاد من دون أي احترام لحقوق الإنسان.

«إن الحكمة ضالة المؤمن، وهو أحق بها»... والحكمة تقول لنا: إن السوق البحرينية يجب أن تتحول إلى الاقتصاد المعرفي، ويجب أن تنتهي الممارسات التي لا تصلح الا لعصور الإقطاع والتخلف والعبودية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 507 - الأحد 25 يناير 2004م الموافق 02 ذي الحجة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً