يسألني الكثير من القراء ممن تابعوا ملف «تأمينات وتقاعد غيت»: هل أنت مقتنع بما آلت اليه الأمور من تسويات برلمانية؟
أجبتهم بكل صراحة بأنني لست مقتنعا بما تم طرحه، فالتوصيات حتى لو تم تحقيقها - طبعا هذا اذا تم فعلا تحقيقها فلم يُراهن على الذاكرة البحرينية المثقوبة والمبتلاة بمرض النسيان - فذلك لا يعني السكوت عن خيار حجب الثقة، الذي بالإمكان تحقيقه بتوافق ثلثي المجلس النيابي لايماني بأن ما حدث لا يجبره ارجاع الأموال، فمع الارجاع يجب محاسبة المسئولين والمتسببين وإعادة هيكلة كلا الهيئتين. وأنا لا أرى أن الملف انتهى، فهناك أمور مازالت لم تذكر إلى الشارع وإلى الآن لم يتم قطع الكثير من التكهنات والشكوك التي هدد بعض النواب بذكرها.
لا أعلم ما السر في أن تصبح تهمة الفساد تهمة عربية؟ ولماذا نكون نحن أبطال الفساد؟
بالأمس اكتشف لبنان جريمة فساد وكُتب عنها في الصحف وذكرتها الصحف العربية ايضا، ومنها صحيفة «الحياة» إذ ذكرت فضيحة أموال مختلسة انفقت على الخلوي والفنادق والمقربين والسكرتيرات وكان المتورط فيها وزير الزراعة السابق علي عجاج عبدالله، والظاهر أن صور الفساد في العالم العربي واحدة فقضية السكرتيرات قضية عامة أما ما يجري في وزارات الزراعة فحدّث بلا حرج فكثيرا ما يعمل العمال في بيوت المسئولين وفي مزارعهم الخاصة ورواتبهم تدفع من موازنة الدولة! لن نتكلم كثيرا عن وزارات الزراعة، لكن دعونا نقترب قليلا من لبنان لنرِ كيف تمت السرقة؟ وكيف كان الحكم؟ «فقد طلب قاضي التحقيق الأول في بيروت حاتم ماضي في قرار ظني اصدره أمس عقوبة السجن مع الاشغال الشاقة من 3 سنوات كحد ادنى إلى 15 عاما كحد اقصى لوزير الزراعة السابق وكل من مدير المشروع ومدير مكتب الوزير لاقدامهم على اختلاس الأموال العامة من خلال المخالفات المرتكبة في المشروع والتحريف والتزوير في مستندات واوراق رسمية»، القاضي لم يطلب معاقبة الوزير فقط بل حتى شقيقي الوزير لدخولهما في العملية.
الوزير اللبناني هذه المرة فتح عيونه على البقر وقضايا أخرى وقبل الدخول في تفاصيل قرار القاضي لابد من مقدمة لمعرفة القصة فالضحية هذه المرة من الفلاحين.
1- الحكومة الاميركية أقرضت وزارة الزراعة اللبنانية 15 مليون دولار من اجل إعادة تأهيل الانتاجية لدى صغار المزارعين ومربي الابقار بعد توقيع اتفاق مع الحكومة اللبنانية في اطار مشروع التعاون الزراعي يقضي: «باستيراد 5 آلاف بقرة حلوب واعلاف لها وبذار الزرع وتوزيعها على صغار المزارعين في المناطق كافة»... لكن يبقى السؤال: ما الذي حدث لهذه الابقار المسكينة والفلاحين الفقراء من سعادة الوزير المؤتمن على البقر الحلوب؟
يقول الخبر كما جاء نصا في الصحافة: «ان الوزير عبدالله لم يدع مجلس الادارة إلى الاجتماع بصفته رئيسا له طيلة توليه الوزارة إلا مرة أو مرتين».
2- «كان المشروع يدار ثنائيا بينه وبين شخص آخر (النعماني)».
3- إدارة المشروع عمدت من دون وجه حق إلى توطين خط خلوي خاص بالوزير على «حساب المشروع الذي سدد مبلغ 15 الفا و50 دولارا بدل مكالمات».
4- «الوزير كان يعطي تعليمات إلى الادارة بشراء كمية من المحروقات بحجة استعمالها لحاجات المشروع ولكنها كانت توزعها هبات على النعماني ومدير مكتب الوزير وسكرتيراته والمسئول الاعلامي له. وبلغت قيمتها خلال 16 شهرا اكثر من 20 الف دولار».
تقول الصحافة نقلا عن قرار القاضي «وكشف القرار ان الوزير عبدالله اقام في فندقي «ميدتيرانيه» و «الفرساي» وكان يسدد اجرة الغرفة بموجب حوالات صادرة عن الوزارة وتتضمن تغطية لمآدب طعام في مطعم كل من الفندقين وتبين ان الكثير من المآدب كانت وهمية»، كما تبين «ان الوزارة استقدمت 2777 بقرة نفق 211 منها والبقية كانت يجب ان تسلم إلى المزارعين وتبين من المستندات ومن تقرير المدقق ان مجموع الابقار التي سلمت بلغ 2299 بقرة اما البقية فقد سلمت اما إلى اشخاص وهميين واما من دون اية عقود. شقيق الوزير حصل على 20 بقرة مجانا». صحيفة «الحياة» 23 يناير/ حزيران 2004 عدد 14911).
الفلاحون طبعا كانوا ينتظرون البقر السمان لكن تفاجأوا بأن البقر السمان البشرية اخذت منهم كل شيء. يبقى سؤال مهم: هل كان الوزير بحاجة إلى البقر وإلى بيع ذر البطاطا؟ ليس محتاجا لكن طبعا الجشع والانانية عندما تستحوذان على قلب الانسان فانهما تكونان كالمنشار «طالع ماكل نازل ماكل...» وكانت النتيجة بقرة تفضح سعادة الوزير.
أسعار الاراضي ارتفعت بشكل جنوني والامرّ من ذلك ان اسعار مواد البناء زادت إلى الضعف من غير وجود اي رقيب، وكلها امور تزيد من احتقان الشارع. أين هي الحكومة من كل ذلك فالناس ملت الوعود، ويبقى السؤال: من المتسبب في زيادة الاسعار؟ وأين هو الوزير من ذلك؟ أموال التقاعد والتأمينات طارت، وأسعار البناء زادت، ورزق الله على السيف
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 506 - السبت 24 يناير 2004م الموافق 01 ذي الحجة 1424هـ