إن أكثر ما يثير قلق المتابعين لمشكلات الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لصندوقي التقاعد (المدني والعسكري) يتمثل في تحميل المواطن البحريني تبعات الأزمة المالية التي تتعرض لها الهيئتان. وكانت الدراسة الاكتوارية توقعت أن تتعادل المصروفات والإيرادات في العام 2009 فيما يتعلق بالهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والتي توفر الغطاء التأميني لموظفي القطاع الخاص، أيضا من المتوقع أن يتعرض الصندوق المدني من الهيئة العامة لصندوق التقاعد إلى مشكلات مالية بدءا من العام 2020. أما شق الصندوق العسكري فإنه لن يتعرض إلى ضغوط فعلية حتى العام 2043 وربما يعود هذا الى الانضباط في الجانب العسكري.
هناك تخوف من قيام السلطات بفرض التزامات على المواطنين وحرمانهم من بعض المزايا التي حصلوا عليها سلفا بغرض تحسين الوضع المالي للهيئتين. على سبيل المثال أوصت الدراسة الاكتوارية برفع قيمة الاشتراكات إلى 21 في المئة ومن ثم إلى 25 في المئة. وكانت الحكومة قررت في العام 1986 تخفيضها من 18 في المئة إلى 12 في المئة كدليل على سلامة الوضع المالي للهيئتين، فيجب رفض هذه الفكرة من الأساس لأن دخل المواطن البحريني يتعرض لضغوط مختلفة ابتداء من الإيجار ومرورا بالتلفون وانتهاء بالكهرباء، أيضا لا يوجد منطق في الكلام الذي دار في البرلمان وفحواه زيادة الرواتب ومن ثم الاشتراكات، والحقيقة ان قرار زيادة الرواتب ومن ثم العجز في الموازنة يعود إلى جلالة الملك وليس البرلمان، هذا أولا.
ثانيا: يجب رفض اقتراح الدراسة الاكتوارية برفع سن التقاعد المبكر إلى 55 سنة، ففي الحقيقة يساهم برنامج التقاعد المبكر في حل معضلة البطالة التي تعاني منها البلاد والتي تبلغ على أقل تقدير 15 في المئة. كما ان هذا البرنامج يشجع بعض المتقاعدين على طرق أبواب التجارة وهذا بدوره يؤدي إلى إيجاد وظائف جديدة، وفي هذا الإطار يجب رفض فكرة مناقشة التقليل من راتب الحد الأدنى للتقاعد المبكر والبالغ 150 دينارا حفاظا على كرامة المواطن.
ثالثا: من الخطأ المساس ببعض المزايا الأخرى مثل إضافة ثلاث سنوات في حالتي العجز والوفاة الطبيعية أو السنوات الخمس التي تضاف عند التقاعد الاعتيادي. كل هذه الأمور أصبحت مزايا مكتسبة ومن أراد أن يخدم أبناء هذا البلد عليه تحسين هذه المزايا وليس الانتقاص منها بأي حال من الأحوال.
كل الذي حدث عندنا هو قيام بعض أصحاب النفوذ باتخاذ قرارات غير صائبة فيما يخص بعض استثمارات الهيئتين، وعلى الجهات الرسمية تحمل مسئولياتها بهذا الخصوص. المؤكد ان المواطن العادي لم يكن السبب وبالتالي من الخطأ إلزامه بتحمل تبعات مسألة لم يتسبب فيها لا من قريب ولا من بعيد.
في الوقت نفسه يجب الابتعاد عن مبدأ تخويف الناس من المستقبل المالي للهيئتين، إذ تعتبر مشكلة تدني الإيرادات وارتفاع المصروفات مسألة شائعة في العالم وليس من الضروري اتخاذ قرارات صارمة تنعكس سلبا على حياة الناس. أكثر من دولة في العالم تعيش أزمة الإفلاس الاكتواري، ومنها أميركا والكثير من الدول الأوروبية التي تعاني من ضعف النمو السكاني مع ارتفاع معدل العمر
إقرأ أيضا لـ "جاسم حسين"العدد 505 - الجمعة 23 يناير 2004م الموافق 30 ذي القعدة 1424هـ