أذكر عندما كنت صغيرا كان يقع بالقرب من منطقتنا «دولاب المستشار» وهو نفسه مركز التجارب الحكومية لاحقا، وحاليا هو مقر لمكاتب دائرة الزراعة عند مدخل قرية البديع. آنذاك كان دولاب المستشار «حديقة عامة» جميلة نزورها لنستمتع بالمشي فيها ولمشاهدة الطاووس وهو ينشر ريشه، ومشاهدة بعض الحيوانات الأخرى. دولاب المستشار لم يعد حديقة عامة بعد ذلك، بل واختفت معظم المزارع الاخرى على شارع البديع وارتفعت الجدران الاسمنتية بعد قتل النخيل والشجر والثمر.

منذ أكثر من عشرين سنة والانجليز في البحرين يتحدثون عن «شجرة الحياة» وعن سر حياتها في وسط الصحراء... الخ. لم أجد من البحرينيين من يهتم بالموضوع (ربما لأنهم يشككون في قصتها)، وعندما زرت الموقع قبل فترة وجدت شجرة «الحياة» محاطة بالقمامة والقناني الفارغة وموقعها أشبه بزاوية تذكر بـ «الموت» بدلا من الحياة. وليس هناك حاليا من يحدثنا عن شجرة الحياة وفيما إذا كانت قصتها حقيقية من الأساس، كما أن الأرض المحيطة بالشجرة ربما تم تمليكها فأصبحت ملكا خاصا كما هو الحال مع معظم أراضي وجزر البحرين التي تحولت الى ملك خاص يحرم المواطن حتى من رؤيتها.

وفي كثير من الأحيان أسأل نفسي، ماذا لو رزقنا الله جهة رسمية «كريمة النفس» تهتم بالبحرين وتحافظ على جمال طبيعتها؟ ماذا لو تم تحويل موقع شجرة الحياة (إذا كانت لاتزال ملكا للدولة) إلى حديقة كبيرة شبيهة بالحدائق التي ترعاها الدول الأخرى تحت مسمى Botanic Garden؟ لماذا لا توجد لدينا حديقة من نوع Botanic Garden في اي مكان آخر ويزرع فيها كل ما يمكن زراعته باستخدام الوسائل الحديثة من بيوت خضراء وتحكم نسبي في الطقس المحيط بالزراعة؟

الأسئلة تتوالى: لماذا لا يعود إلينا دولاب المستشار (مع تغيير الاسم إلى مسمى وطني)؟ لماذا لا تفتح البحرين بالطريقة نفسها التي تجدها في كل البلدان، وحتى في البلدان الخليجية المجاورة؟ لماذا لا نرى حركة السفن؟ فالميناء في كثير من البلدان يعتبر معلما سياحيا تحيط به الأسواق (مع الاحتفاظ بأمن الميناء). لماذا نتفنن في تشييد «قلعة مغلقة» في كل مكان؟ لماذا كل شيء في البحرين أصبح ملكا خاصا وقلعة مغلقة؟ السواحل مغلقة... الحدائق مغلقة... الجزر (جميعها تقريبا) مغلقة... الاراضي التراثية مغلقة... جنوب البحرين مغلق... الخ!

في البلدان الأخرى فتحت القلاع القديمة وتم تحويلها إلى معالم سياحية تحتضن فعاليات ثقافية مختلفة، أما في بلادنا فقد تم تحويل كل شيء تقريبا إلى قلعة مغلقة شبيهة بـ «قلعة المنامة» التي بناها «نادر شاه» في مطلع القرن الثامن عشر (قرابة 1735م) وأصبحت سجنا منذ ذلك الحين... كان أحد المحامين الاجانب زار البحرين قبل سنين عدة وكتب يقول: «إن كل شيء ممنوع في البحرين ماعدا دخول السجن»... حاليا تم افراغ السجون من السياسيين وهي نعمة كبيرة يستشعرها كل البحرينيين، ولكن مازال كل شيء ممنوعا، بل وأصبح ملكا خاصا أيضا، والبعض يقول ان 80 في المئة من البحرين وجزرها اصبحت ملكا خاصا.

البلدان الخليجية المجاورة تتطور حاليا بسرعة فائقة، وعندما تزور هذه المدينة أو تلك تشاهد وجود الحدائق العامة والكورنيش والسواحل وتتذكر انه في يوم من الايام كانت البحرين «درة الخليج العربي»، ولكنها تحولت مع الزمن (وللأسف) إلى «قلعة مغلقة في الخليج العربي»