دارت نقاشات ساخنة عن اتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) ، بين النظرة الإسلامية والحقوقية للإتفاق، في ورشة عمل نظمتها جمعية المستقبل النسائية، أمس الأول، بمشاركة نائب رئيس مركز البحرين لحقوق الإنسان عبدالهادي الخواجة، مُقابل عضو المركز توفيق الرياش.
على رغم أجواء المناظرة التي سادت الورشة، إلا إنها بدت هادئة، وتناول كل من الخواجة والرياش بنود الاتفاق بندا بندا، مبديا كل منهما رأيه المتعارض مع الآخر.
اعترض الرياش على تسمية الاتفاق «بالقضاء على التمييز» ذلك لأن «التمييز به الحسن والقبيح، و كان من الأجدر أن تُستبدل كلمة التمييز بالظلم». وركز على ان الإتفاق قد بين الحقوق، وغالبية الواجبات. المشاركات في الورشة أمطرن الرياش باعتراضاتهن، إذ بينت إحداهن ان «واجبات المرأة موجودة ويعرفها الجميع، إلا إن حقوقها ضائعة، ولم يأت الاتفاق إلا للدفاع عن الحقوق». وكان للخواجة نصيبا في الرد، مؤكدا ان «الاتفاقات صيغت بلغة غربية، وهنا تقع الاشكالية في عدم اتقان الترجمة». مستشهدا بموقف حصل معه باحدى المحاميات عندما عرض عليها التحدث عن «التمييز العنصري»، إذ قالت له: «لايوجد لدينا تمييز عنصري في البحرين»، في حين إن ما يقصده الاتفاق ليس التمييز ما بين الاسود والابيض ، بل كل أنواع التمييز.
وسلط الخواجة الضوء على إشكالية أخرى في الفكر الغربي وهي «التركيز على الحقوق أكثر من الواجبات»، وذكر ان «الاسلام لديه موازنة في هذا الجانب، إذ إن رسالة الحقوق للإمام زين العابدين (ع) كلها واجبات، في حين ان رسالة الامام علي بن أبي طالب (ع) الى والي مصر تكتسحها الحقوق».
وقاطع الرياش: «الله سبحانه وتعالى ميز بين المرأة والرجل، وهذا تمييز إيجابي، أما الاتفاق فيحاول أن يهدم هذا التمييز، لتجعل الطرفين سواسية... إذا عملية التوازن تُصاب بالاختلال في هذه الحال». ورد على ذلك الخواجة بقوله: «الاتفاق تتعلق بحقوق المرأة تجاه الدولة وليس تنظيم العلاقة ما بين الرجل والمرأة».
أشارت رئيسة جمعية المستقبل النسائية شعلة شكيب: «الى إن المملكة تصدق على الاتفاقات من دون أن ترجع الى المعنيين، وهذا إجحاف في حق المؤسسات، وان كانت المملكة تنادي بدولة المؤسسات والقانون، فلترجع فعلا الى المؤسسات بدلا من انفرادها بالتوقيع وإتخاذ القرار. وتعقيبا على ذلك رد الخواجة: «يتم التوقيع على الاتفاقات لدينا بشكل سريع جدا، ومن ومن دون تعديل القوانين لتلائم الاتفاق الذي تم التوقيع عليه».
بينت احدى المتداخلات «ان الاتفاق مفروض علينا ، لذلك وجب التعاطي معها». وردا على ذلك قال الخواجة إن «الاتفاقات تُشكل مرجعية، وإلزام للدول بما ألزمت نفسها به، إذ كل اتفاق له لجنة تتابع وتراقب تطبيق الدول لبنود الاتفاق».
وذهب الخواجة الى أن «المعرفة العامة بالاتفاقات ليست واضحة بالنسبة إلى غالبية المفكرين الاسلاميين، إذ يركزون على البنود المخالفة للاسلام، ويتحدثون عنها». مشيرا إلى أن التعارض موجود إلا أن الكثير من المواد ترتقي بالمرأة وتهبها حقوقها. ونوه على أن «المعرفة سلاح أساسي لتتم الاستفادة من الاتفاق».
وفي حديثه عن التقارير المُسلمة الى اللجان الدولية والتي تقوم بدورها بمناقشة تطبيق الدول لبنود الاتفاقات من عدمها قال الخواجة: «المجلس الاعلى للمرأة يعكف الآن على كتابة تقرير يتعلق بحقوق المرأة، وتمت دعوة شخصيات مستقلة ولم يتم إشراك الجميع في التقرير، ما يعني انه تقرير غير مستقل ولا يمكن اعتباره وطنيا، أو مشتركا بين الحكومة ومؤسسات المجتمع المدني، لأن المجلس لم يقم بدعوة كل الاطراف».
وردا على سؤال هل توصيات اللجنة مُلزمة قال الخواجة: «الاتفاقات لها إلزام قانوني ومعنوي، وتقوم اللجنة بعرض تقريرها النهائي على المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وعلى الجمعية العامة التابعة للامم المتحدة، لتطلع عليه كل الدول».
طرح الخواجة الكثير من الأسئلة «لماذا نعقد ندوة عن اتفاق دولي مثل اتفاق القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة؟ ولماذا نشغل انفسنا بالتعمق في نصوص هذا الاتفاق، ونبحث توافقها أو تعارضها مع الشرع؟ لماذا لا نصوغ المبادئ والافكار المتعلقة بحقوق المرأة انطلاقا من ثقافتنا وديننا من دون الحاجة للمواثيق الدولية؟» وأجاب على ذلك بثلاث نقاط أوردها كالآتي:
1- ان البحرين قد انضمت الى هذا الاتفاق، وبذلك فقد اصبحت بنودها جزءا لا يتجزأ من القانون المحلي، وبالتالي فان من يصيغ القانون، ومن يستعمله ويستند اليه ملزم بمعرفة هذا الاتفاق وما يحويه.
2 - ان الانضمام الى هذا الاتفاق يوفر معايير متقدمة لحقوق المرأة، يمكن للمواطن ان يستفيد منها لالزام الدولة بما ألزمت به نفسها أمام المجتمع الدولي.
3 - كذلك يوفر الاتفاق آلية حماية دولية تتمثل في الرقابة والمتابعة التي تقوم بها لجنة مختصة تابعة للامم المتحدة.
موضحا أنه «يتوجب علينا باقصى ما نستطيع ان نستفيد من هذا الاتفاق بما يحمي الحقوق ويطور القوانين والمجتمع. وفي المقابل نعمل على مواءمتها مع ثقافتنا وديننا بعيدا عن أية اعراف وتقاليد ظالمة للمرأة لا تمت للاسلام الصحيح بصلة».
وأضاف: «وجد الكثير من علماء الدين والمفكرين الاسلاميين من الطوائف المختلفة ان هناك تعارضا في بعض مواد هذا الاتفاق وخصوصا فيما يتعلق بأحكام أحوال الأسرة، إلا أن ذلك لا يتعدى محتوى بعض المواد بينما تتفق معظم المواد الاخرى مع التشريعات الدينية
العدد 504 - الخميس 22 يناير 2004م الموافق 29 ذي القعدة 1424هـ