واحدة من النقاط المهمة التي أثيرت أثناء مقابلة جلالة الملك مع رؤساء تحرير الصحف المحلية كانت عن إمكان توقيع العهدين الدوليين الخاصين بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وقد كان تأكيد الملك الأكثر ايجابية عندما اشار الى امكان ذلك لأنه لاتوجد اية اعتراضات اساسية عليه.
قبل المقابلة بفترة وجيزة تحدث الوزير عبدالنبي الشعلة اثناء الاحتفال بمناسبة العاشر من ديسمبر/ كانون الأول الذي يصادف ذكرى الاعلان العالمي لحقوق الإنسان وأكد استعداد الحكومة لتوقيع العهدين. السؤال المطروح هو: متى سيتم ذلك؟
منذ بداية الإصلاحات التي دشنها جلالة الملك في مطلع العام 2001 كانت منظمات حقوق الإنسان الدولية تتوقع أن توقع البحرين العهدين الدوليين، ومنظمة العفو الدولية من أهم تلك المنظمات التي تشير سنويا في تقريرها الى أن البحرين لم توقع حتى الآن العهدين. والأمل هو في إزالة هذه الملاحظة التي تضاف إلى التقرير السنوي الخاص بالبحرين، وهذا لن يحدث إلا اذا وقعت الحكومة العهدين وتم عرضهما على البرلمان ليصدرا كقانونين محليين معتمدين.
العهدان الدوليان يترجمان الإعلان العالمي لحقوق الانسان في مواد تفصيلية. فالإعلان العالمي يحتوي على ثلاثين مادة مبدئية ولكن من دون تفاصيل. فهو مثلا يتحدث عن الحقوق التي لا تنفصل عن الانسان وهي: الحق في الحياة، والحق في الحرية، والحق في السعي إلى السعادة من دون أذى وإذلال. ولكن الاعلان العالمي لا يفصّل تلك الحقوق والتشعبات الكثيرة المستمدة منها، ولذلك فإن العهدين الدوليين يفصلان الحقوق. العهد الأول يختص بالحقوق الفردية (المدنية والسياسية) والعهد الثاني يختص بالحقوق الجماعية (الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)، وهذه الحقوق مكملة لبعضها الآخر، وتعتمد على بعضها الآخر، ولا يمكن فصلها عن بعضها الآخر. ولذلك فان الدول التي لا توقع العهدين تبدو كأنها تخاف من تطبيق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو ما لا ينبغي أن يؤخذ على البحرين بعد الإصلاحات السياسية.
الأمر الغريب هو أن البحرين وقعت الاتفاقات الاخرى التي تتفرع من العهدين وقفزت على الأساس، ربما بسبب خلل في التقدير. فالبحرين وقعت اتفاق حقوق الطفل، والاتفاق الدولي لمكافحة جميع أنواع التمييز العنصري، واتفاق مكافحة التعذيب، واتفاق منع التمييز ضد المرأة. هذه الاتفاقات الأربعة من أهم تفرعات العهدين الدوليين، وهذا يعني ان البحرين ينبغي لها أن تسارع إلى التوقيع على الأساس من دون القفز عليه.
ان توقيع العهدين الدوليين سيعطي للبحرين سمعة دولية كبيرة تستحقها وستقوم المنظمات الحقوقية الدولية بإزالة التحفظ الذي تذكره دائما عندما تصدر تقريرات سنوية عن البحرين، كما سيتحسن المؤشر العام وهذا بحد ذاته يدعم التحسن العام في المؤشرات الاقتصادية التي شهدنا بعضها أخيرا. وينبغي ألا تتهاون الحكومة او تؤخر التوقيع، فهناك دول سياحية حاليا تفتخر على منافسيها بأنها موقعة العهدين والاتفاقات وأن نظامها السياسي غير ظالم ومستقر بعكس منافسيها الذين يمتلكون مقومات طبيعية للسياحة ولكن يفتقدون النظام الانساني الذي يضمن حقوق مواطنيه ويحترم العهود الدولية.
شهر ديسمبر الماضي حمل الكثير في طياته من التفاؤل بقرب توقيع العهدين، وما نأمله هو ان تسارع وزارة الخارجية إلى الاتصال بلجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة (وخصوصا ان البحرين تسلمت الان منصب نائب رئيس اللجنة) لتسجل رغبة البحرين في توقيع العهدين ومن ثم تباشر الاستعدادات الفعلية لذلك.... فهل يتحقق هذا الأمل خلال هذا العام؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 503 - الأربعاء 21 يناير 2004م الموافق 28 ذي القعدة 1424هـ