العدد 503 - الأربعاء 21 يناير 2004م الموافق 28 ذي القعدة 1424هـ

الفنان عادل السيوي: ثقافة الكلام مسئولة عن تهميش الفنان العربي

العدلية - جعفر الديري 

تحديث: 12 مايو 2017

الفنان عادل السيوي فنان مصري عاش في الغرب لأكثر من 10 سنوات مطلعا على الحركة التشكيلية الغربية، محاولا الخروج بتوليفة سليمة تجمع بين الارث الفني الثقافي العربي القائم على النص المكتوب، وبين الفكرة البصرية التي طبعت الحضارة والفنون الغربية. وفي معرضه الجديد المقام على صالة الرواق للفنون التشكيلية، قدم الفنان السيوي مجموعة من الوجوه، معبرا بها عن هاجس ظل يشغله لفترات طويلة ولا يزال، وهو هاجس البصر والعين.

في اللقاء الآتي يضيء الفنان المصري عبر وجوهه الجديدة جوانب مظلمة من تجربته الابداعية، في حديث عن الفن العربي والاشكاليات المتعلقة به...

كانت لك مشاركة في معرض الفنون التشكيلية السنوي في مملكة البحرين قبل عامين أو ثلاثة... فهل تسنى لك التعرف الى بعض أعمال معرض هذا العام وما رؤيتك لمعرض البحرين السابق؟

- شاركت في لجان التحكيم في معرض الفنون التشكيلية من قبل لسنتين متتاليتين، وكنت لأول مرة أتعرف على الفن التشكيلي البحريني عن قريب، وكانت مفاجأة بالنسبة إلي على مستوى الأداء والتنوع والمشاركة النسائية. ولكن الثقافة البحرينية كانت حاضرة في ذهني من قبل في مجموعة من المقالات والدراسات، فهي تشكل جزءا من الثقافة العربية.

فأين برأيك موقع الحركة التشكيلية البحرينية في فن التشكيل الخليجي؟

- أعتقد أن الفنان التشكيلي البحريني عنده ثراء بصري كبير، بمعنى آخر أن لديه حضارة معروفة وهي حضارة دلمون فهو يستطيع الرجوع اليها والاستفادة منها ولكنها لا تتوافر بالنسبة مثلا للفنان الكويتي أو القطري، ولكن توجد عوامل مشتركة بينه وبين الفنانين الخليجيين كالبيئة وطبيعة المكان وطبيعة الأدوار وطبيعة العلاقات بين الناس، ولكن يضاف للفنان البحريني عنصران رئيسيان الأول المناخ الثقافي ودرجة الحوار المفتوح غير المتوافر كثيرا في أمكنة أخرى، والثاني ميزة وجود تاريخ ممتد يمكن أن يستفيد منه الفنان البحريني.

وأين موقع النقد الفني إذا؟

- ان الفنان يتكون بصورة أسرع وأكبر من الناقد الفني، فهو يتكون مثل الأشجار التي تظهر في أمكنة غريبة، بينما النقد يحتاج الى جهد ودرجة كبيرة من النمو والوعي، لذلك تكوين الناقد يكون أبطأ بكثير من تكوين الفنان، فالفنان يمكن وجوده حتى في لحظات تاريخية منهارة، ولكن الحركة الفنية توجد في ظروف معينة، لذلك يشكو الفن في البلاد العربية من أن الحركة النقدية متخلفة عن الحركة الابداعية، ويمكن تشبيه ذلك بأن جسم الابداع يكبر من دون أن يكون له رأس نقد يتناسب مع حجمه، ولكن هذا لا يعني عدم وجود نقد فهو موجود ولكن ليس بدرجة نمو الابداع.

كريمي خطاط تركي شهير تجاوز السبعين من عمره، تهتز يده بفعل الشيخوخة، ولكنه متى أمسك بالقلم استطاع خلق لوحات ذات خطوط عربية بديعة، ونحن ندرك بأن الكاتب وعلى رغم ثقافته الكبيرة الا أنه يشكو بأنه وحالما يمسك بالقلم لا يعرف ماذا يكتب، وقد ذكرت وأنت الفنان التشكيلي في أكثر من لقاء بأنك تحاول الرسم والتعبير عن نفسك، فكيف باستطاعتك وأنت الفنان التشكيلي والمترجم والمثقف الكبير الامساك بالفرشاة والألوان والتعبير عن نفسك مع كل هذا التشتت والضجيج؟

- اذا أنت قبلت نفسك كمجموعة من التناقضات وتخليت عن فكرة كونك عنصرا صافيا أو كيانا محدودا، وتخليت عن فكرة اليقين، فان هذا الموقف سوف يؤثر على موقفك من خط عملك، وعلى موقفك من الوجود حتى، فأنت عندما تعمل تحيط بك أمور كثيرة ومشكلات تحت رجليك وحراك اجتماعي، واذا تغاضيت عن كل ذلك فمؤكد بأن عملك سوف ينفصل عنك، وقد تنجح أحيانا وهذه النجاحات القليلة هي التي تدفع بنا للاستمرار.

لقد قمت بترجمة «نظرية التصوير لدافنشي» وأثنيت «بنظرية التصوير لبول كليه» ولا أعلم ان كان مشروعك الثالث في الترجمة قد اكتمل أم لا، ولكن هل استطاعت الترجمة الغاء جزء من معاناتك والاجابة على الكثير من أسئلتك بخصوص تجربتك الفنية؟

- لقد تعاملت مع الترجمة تعامل الهواة، وهي تفيدني حتى في فهم اللغة سواء الانجليزية أو الايطالية، ولكن الترجمة حدث وان اقتربت من أن تكون مشروعا، فالخبرة التي اكتسبتها بفعل الاطلاع على الغرب يجب عليك اعادتها الى الناس، وهذا ما فعله من قبل رفاعة الطهطاوي وآخرون، فكل من اطلع على حضارة الغرب يرجع وفي نفسه حنين لعرض هذه التجربة، وأنا لا أقارن نفسي بهؤلاء ولكنني عشت في الغرب لمدة عشر سنوات وأرى أن من واجبي أن أنقل هذه الخبرة، وأنا لا أدعي بأني أحل مشكلات أو ما شابه، ولكن هناك آثار لعمالقة أمثال دافنشي وبول كليه ومن حق الناس الاطلاع على آثارهم.

ان ثقافتنا العربية ثقافة قائمة على النص المكتوب، ولكن هذا النص المكتوب كان له مفعول السحر في الفهم والتصور ولم يكن عائقا يوما أمام الخيال، ولكن يبدو بأنك مهموم بفكرة البصر والعين وخصوصا في الثقافة العربية، فلماذا يشغلك هذا الهاجس؟! ألعجز النص المكتوب عن التعبير؟

- نحن لا يمكننا التفكير من دون كلام، فالكلام مفتاح كل شيء، وكل ما هو غير قادر على التحول الى كلام لا فائدة منه، وأفضل قصائد صلاح جاهين قصيدة اتكلموا، على أساس أن الكلام يصل بين الناس، ولكن مشكلتنا أن جزءا كبيرا مما ننتجه من ابداع يرفضه الجسم، أنا طبيب وأعرف مشكلة زراعة عضو وكيف أن الأعضاء ترفض التعامل معه، وهذه الاعاقة جزء كبير منها راجع الى أن ثقافتنا ثقافة كلام لم تنتبه الى الحواس، هذا الخلل الكبير وضع الفنانين في الهامش وجعل من فنهم فنا نخبويا معزولا. وأعتقد أن هنالك فرصة الآن لطرح شيء مغاير.

ان بيتا للمتنبي يضعنا في اشكالية كبيرة أمام ما تقول، فالمتنبي يقول:

أريد من زمني ذا أن يبلغني

ما ليس يبلغه من نفسه الزمن

وهذا نص مكتوب، فأي صورة تستطيع التعبير عن هذا البيت؟! ألا يمكن أن تكون الكلمة أبلغ أحيانا من الصورة؟

- بالتأكيد، ويمكن أن يكون الصوت أحيانا أبلغ من الكلمة والصورة، فكلمة مثل يأتي القدر مفاجأ، أجمل منها ضربات القدر لبيتهوفن، فكل نوع ابداعي يتألق داخل حدوده، فتعجز الكلمة عن بلاغة اللوحة، واللوحة قد تعجز أمام الكلمة، ونحن نقرأ الشعر ومتعلقين بالكلمة ولكننا نريد من المحبين للكلمة أن يؤمنوا بأن أصحاب الريشة والألوان قادرون أيضا على خلق الابداع المتميز.

ولكنك في احدى اللقاءات ذكرت بأنه لا توجد قصائد كبرى قائمة على فكرة بصرية، والشعر العربي منذ العصر الجاهلي حتى اليوم يثبت غير ذلك، فقد قرأنا ونحن على مقاعد الدراسة قصيدة زهير بن أبي سلمى، والتي تصف في صورة متكاملة منزل الحبيبة، والتي يقول في مطلعها:

أمن أم أوفى دمنة لم تكلم

بحومانة الدراج فالمتثلم

وقرأنا أيضا شعر مدرسة أبولو، وكلها قائمة على صورة متكاملة على طول النص الشعري، فكيف لا تكون هناك قصائد كبرى قائمة على فكرة بصرية؟

- لقد قلت ذلك في سياق الحديث عن الصورة الشعرية التي تتحول الى صورة بصرية فتفقد جزءا من شاعريتها، فالسياب يقول مثلا عيناك غابتا نخيل ساعة السحر، فهو يصف الضحى، ولكن عبدالمعطي حجازي عندما يقول عيناك يالكلمتين لم تقالا أبدا، فهو هنا دخل في منطقة أعجز أنا الفنان التشكيلي عن الولوج اليها، فهناك صورة ولكن هذه الصورة لا تتجسد بصريا أمام عينيك، فهذا أعجز من الصورة البصرية وكمثال آخر هناك قصيدة لاليوت يصف فيها اناء، وكيف أن هذا الاناء يتحرك في سكونه، وأتصور أن كلامي فهم بشكل خاطىء، فقد كنت أضرب مثلا عن صورة لا تشدني وأخرى تحيرني.

فماذا عن النص القرآني، ان سورة يوسف بها أكثر من سيناريو وكأنك تشاهد فيلما سينمائيا متكامل الصور؟

- القرآن مليء بالاحالات البصرية واللونية، مثال «يوم تبيض وجوه وتسود وجوه» وكذلك «نور على نور» في وصف كيان مقدس، كذلك «وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى» صورة بصرية متحركة، وقد قمت من قبل بعمل دراسة بسيطة عن هذا الموضوع.

فهل نستطيع القول بأن هناك فكرة بصرية متكاملة لدينا؟

- الفكرة البصرية مختلفة تماما عن الفكرة التي تعملها اللغة، ففكرة اللغة مهما كانت شاعريتها ومهما كانت مترفة، فهي مربوطة بالمفهوم، ولكن الفكرة البصرية تتكلم عن الآنية وأن الأشياء تحدث في وقت واحد معا، فالتفكير بالعين يتبع منطقة أخرى.

كيف تنظر الى الثقافة البصرية ضمن مستوياتها العربية المتعددة؟ واذا كانت تعاني من ضمور فهل مرجع ذلك الى التأسيس في الثقافي العربي الاسلامي الأول؟

- لا أعتقد أن هذه المسألة راجعة الى أشياء تاريخية تخص الحضارة الاسلامية، فالحضارة الاسلامية كل متكامل والعباقرة تركوا أشياء أكثر بكثير مما أتت به تجربة الحداثة والفن الحديث، وبالتالي ارجاع هذا الأمر الى طبيعة الحضارة الاسلامية والى التأسيس نفسه أمر خطر، فالأسباب التاريخية كان لها تأثير عظيم والقطيعة الكبيرة التي جاء بها الاحتلال العثماني الى جانب المشكلات الكبيرة، كل ذلك ترك أثرا سلبيا، فكيف استطاع الفنان العربي المبدع وعلى رغم كل ذلك أن يترك كل هذا التراث الانساني وكل هذه الزخارف التي تقف في صف واحد مع ابداعات الأمم الأخرى؟!

كيف تقرأ تجربة بديع الزمان الهمذاني ضمن منظورها التاريخي وهي عند البعض تشكل أول تجربة تجمع ما بين النص واللوحة الفنية المرافقة له؟

- هذه التجربة موجودة في حضارة الفراعنة وحضارة الرافدين، والعرب كان لديهم هذا الهاجس وهذه الفرصة إذ كان الكتاب جزءا من ابداع الفنان العربي.

وهل تجد أن البحث عن الصورة المتصلة بالعين والبصر، هي التي دفعت ببعض الفنانين للاستقرار في الغرب على اعتبار أنهم قطعوا شوطا كبيرا في ذلك؟

- لا شك في أن الحضارة الغربية لديها خبرة أكثر بكثير من الحضارة العربية في التعامل مع البصر والصورة، وهذا يساعد الفنان العربي كثيرا، فتعاملها مع الصورة لم ينقطع وكانت تمارس في عناق شعبي مع الناس، لذلك فعندما يذهب الفنان العربي الى هناك يجد مجموعة من آليات النقد ودرجة متقدمة من الفن ودرجة من التعامل لا توجد في الوطن العربي، وأعتقد أن هذا جزء من الجاذبية بالنسبة إلى الفنان العربي، هذا الى جانب الواقع المر الذي يعيشه الانسان العربي والتي تغريه بترك بلده.

وأنت كفنان كبير، كيف استطعت التوفيق في أعمالك بين تراث متصل بالنص المكتوب وبين محاولة لخلق نص صوري تراه وتشعر به العين؟

- لا أستطيع الحسم ولكني أعتقد بأن النماذج الموجودة في العالم العربي نماذج قائمة على التوفيق بين لغة العصر وشيء من الواقع المعاش، في أعمال محمد مختار مثلا، وفي أعمال عبدالهادي الجزار والذي خلّص السريالية من لباسها الغربي وألبسها لباسا مصريا، وهنا في البحرين لفتت انتباهي أعمال الفنانة منيرة الجلاهمة، فهي تستخدم في أعمالها الخامات المحلية في أعمال حديثة جدا. وأنا في هذا المعرض أحاول التوفيق أيضا بين المعطيات الحديثة والشيء المحلي، وأعتقد أن هذا الهاجس أيضا يشغل جملة من المشتغلين بالفن





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً