الظهراني يوم أمس أخذ يلح على النواب بأبوّة (لا تخلو من رؤومة) على ألا يقوموا باستجواب الوزراء، لكن موقف غالبية النواب أخذ يتجه نحو الاستجواب، وهذا ما ينبغي ان يقوموا به وإلا فستسقط صدقيتهم أمام الجمهور والوطن، وربما تتعرض الى الانهيار، فالاستجواب بل (سحب الثقة) حق دستوري ليس فيه مجال للعواطف واستدرار الدموع. الأموال التي رحنا نوثقها عبر هذه الزاوية لم تكن دينارا او دينارين، وهذا ما ينبغي ان يدركه الظهراني، بل ان الظهراني لو عمد الى رفض الاستجواب ولو عبر التماس من النواب سيكون موقفه في غاية الحرج أمام الجميع بما في ذلك ناخبوه. فالقضية ليست قضية شخصية وإنما هي قضية تتعلق بأموال آلاف المواطنين من المتقاعدين والمؤمن عليهم من مدنيين وعسكريين، ولكن الى الآن لم أرَ تفسيرا واحدا مقنعا لمواقف رئيس المجلس، ولعل الظهراني لا يعلم ان فشل المجلس في طرح الثقة عن أي وزير بعد كل ما قيل من فضائح مالية وخسائر استثمارية معناه ان المجلس قضى على نفسه بنفسه أمام الرأي العام الذي مازال يطالب بحقوقه، فليس هناك مجال بعد ذلك لأنْ يخرج علينا الظهراني في الصحافة ليقول إن الصحافة أضعفت المجلس او ان الكاريكاتير الفلاني سخر من المجلس كما قال سابقا، فيجب ألا تكون المطرقة المترنحة على طاولة الرئيس هي التي تدق مسمارا في نعش مجلس النواب، فيبكي أصحابها بعد ذلك على لبنٍ مسكوب تخثر لكثرة الهز والطرق فبات آسنا. وهذا ما يجب ان يفرض كواقع، لا مجاملات في المال العام مهما كبرت الاسماء ومهما تضخمت جيوبها، فعلى الظهراني ان يقرأ ولو من بعيد كيف يستجوب الوزراء في بنغلاديش وفي الدول الفقيرة، وان التذرع بالخوف على التجربة ما عاد يُجدي، ففي الكويت استُجوب كبار المسئولين وفي الأردن سُجن مدير المخابرات الأردني سميح البطيخي بسبب فساد مالي، وفي مصر سجن محافظ منطقة الجيزة ماهر الجندي، وعُرضت صوره في الصحافة وهو يقاد الى سيارة الأمن وصورته وهو في السجن، وفي واشنطن تم التحقيق مع كلينتون في قضية فساد أخلاقي، وفي كل ليلة سبت تعرض القناة الأميركية برنامجا كوميديا يسخر من الوزراء الأميركان، وفي «إسرائيل» يتم الآن التحقيق مع ابن رئيس الوزراء الإسرائيلي شارون لتورطه او تورط ابيه في قضايا فساد... وهكذا هو العالم.
إذا على الظهراني ان يعيد حساباته، فهذه الديمقراطية لم يخلقها الظهراني إنما جاءت بفضل جهود شعب بأكمله مع إصرار جلالة الملك على طرح الشفافية ومحاربة الفساد.
فالبرلمان ليس مناقصة بناء لمدرسة هنا او مدرسة هناك لمقاول هنا او هناك، فلا أحد فوق القانون وليس لأحد ان يتساهل مع المال العام، وهنا سأطرح قضايا أمام الظهراني وبالمستندات، ونريد بعد ذلك معرفة رأي الظهراني في ذلك، لأن رئيس البرلمان في كل دولة يعتبر رأس الحربة في مواجهة الفساد، وهنا سأطرح على الظهراني الوثائق المليونية وهي من أموال الناس:
1- مستند أُرّخ بتاريخ 30 يونيو/ حزيران 1998 وعنون بـ «شطب قرض مركز البحرين الدولي للمعارض» بقيمة (مليونين وستمئة وألفي دينار)، تحت حجة «مساعدات لدعم الاقتصاد الوطني» مرفق برسالة موجهة من قِبل وزير التجارة علي صالح الصالح الى وزير المالية والاقتصاد الوطني السابق إبراهيم عبدالكريم بتاريخ 19 يناير/ كانون الثاني 1997 يفيد فيه بأن «الهيئة العامة لصندوق التقاعد قامت مشكورة بشطب المبلغ واعتبرته مساهمة منها في دعم النشاط الاقتصادي في البلاد».
2- بتاريخ 24 يناير 2003 أرسل مدير إدارة الاستثمار لصندوق التقاعد رسالة الى مدير إدارة الشئون المالية في الصندوق ذاته يخبره فيها عن خسارة الصندوق، مفصلا ذلك بالأرقام الى ان قال: «بلغت خسارة الهيئة العامة في الاستثمار المذكور أعلاه مبلغا وقدره (28,170,680) مليون دولار مناصفة بين صندوقي التقاعد المدني والعسكري»، فالخسارة أكثر من 28 مليون دولار. الرقم س ث /105/2003.
3- بتاريخ 17 سبتمبر/ أيلول 2003 أرسل المدير ذاته (مدير الاستثمار) الى رئيس قسم المطابقة والتسويات يخبره عن خسارة هيئة التقاعد مبلغا «تم استثماره مع مصرف انفستكورب ومقداره (4,800,000) دولار باسم صندوق التقاعد المدني و(3,200,000) دولار باسم صندوق التقاعد العسكري» ويذيل بهذه العبارة «فقد خسرت الهيئة العامة المبلغ بأكمله». الرقم س ث /691/ 2003.
وهنا نقول للظهراني: مع كل هذه الخسائر ألا يستوجب كل ذلك استجوابا للوزراء بل طرحا للثقة؟ فالنواب إن لم يستجوبوا وزيرا واحدا على الأقل فإن صدقيتهم ستضرب في الصميم أمام الجمهور... والتاريخ لن يرحم أحدا
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 502 - الثلثاء 20 يناير 2004م الموافق 27 ذي القعدة 1424هـ