بعكس ما قد يطرحه البعض، فان التطور الاقتصادي في دبي من شأنه تعزيز مكانة الخليج، وأملنا ان يكون ذلك ضمن خطة استراتيجية تكاملية مع الدول الخليجية الاخرى. المشروعات في دبي أصبحت كثيرة ومتسارعة، ونأمل ان يوفق الله حكومة دبي فيما تسعى اليه وان تتجاوز العقبات المرادفة لاي تطور سريع، ربما يكون غير محسوب في بعض الاحيان.
دبي لديها اكثر من مليون نسمة بينما يبلغ المواطنون قرابة 220 ألف نسمة. وعدد السكان سيزداد خلال السنوات المقبلة ومن المتوقع ان يصل إلى مليوني نسمة في العام 2010 وستزداد نسبة الاجانب كثيرا وربما اقتربت من نسبة الـ 90 في المئة في وقت غير بعيد.
الناتج القومي لامارة دبي لوحدها يقدر بقرابة 18 مليار دولار، وهذا يعادل الناتج القومي لدولة قطر (يبلغ الناتج القومي في البحرين 8 مليارات دولار). وتسعون في المئة من الناتج القومي لدبي مصدره المنتجات والخدمات غير النفطية، وتخطط دبي إلى التخلص من المنتجات النفطية كمصدر للثروة الوطنية في العام 2030.
غير ان دبي خلال السنوات المقبلة تحمل في طياتها اسئلة كثيرة ليست لها اجابة واضحة. فمعدل الدخل للفرد (المواطن) اكثر من 25 ألف دولار، بينما معدل دخل العامل الاجنبي (نصف الأجانب او اكثر من النصف من الفئات غير الماهرة او لديها مهارات قليلة) يتراوح بين ثلاثة إلى خمسة آلاف دولار في السنة، ومعدل دخل الفرد لجميع المواطنين والاجانب في حدود 19,000 دولار. الفرق شاسع بين معدل دخل الافراد بحسب الجنسية والوظيفة. واذا اخذنا في الاعتبار ان هناك حوالي 150 جنسية في دبي فان الضغوط المستقبلية من هذه الجاليات ستزداد سعيا للحصول على حقوق تتحدث عنها الاتفاقات الدولية للامم المتحدة (فمثلا هناك اربعون الف صيني سيتم اكمال تشييد مدينة صينية لهم في العام 2006 وهؤلاد سيطالبون بحقوق اقتصادية واجتماعية وربما سياسية مستقبلا).
يمثل الرجال من العمال الاجانب 70 في المئة من مجموع السكان، ومعنى ذلك انه في كل عشرة اشخاص يوجدون في الامارة هناك ثلاث نساء فقط، ما يعني مزيدا من الضغوط الاجتماعية والنفسية التي تتولد في اوساط الفئات المختلفة وما ينتج عن ذلك من سلوكيات وربما جرائم معقدة.
كل هذه المشكلات ربما تكون طبيعية وتصاحب اي توسع سريع بالشكل الذي نشهده في دبي. ولكن المشكلة التي ينبغي معالجتها هي موضوع التكامل بين دبي ودول الخليج الاخرى بدلا من حال التنافس. فبالامكان الاعتماد على دبي في مشروعات السياحة العائلية مثل «دبي لاند» الذي سيصاحبه انشاء 46 مشروعا كبيرا و200 مشروع فرعي. وهناك الخدمات الكبرى في المواصلات، لا سيما مطار دبي الذي تتم توسعته حاليا بكلفة 4 مليارات دولار. والمطار يتم اعداده للطائرات العملاقة A083 إذ اشترت «طيران الامارات» اكبر صفقة في تاريخ الشركة المصنعة «أيرباص» تبلغ قيمتها 19 مليار دولار (71 طائرة عملاقة). وكل هذه المشروعات ما هي إلا تأكيد للاستراتيجية التي حددها ولي عهد دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم وهي تحويل دبي إلى وجهة سياحية عالمية (على رغم طقسها الحار) والى ملتقى لأصحاب الاعمال (بمختلف انواع الاعمال التجارية والخدماتية والصناعية) والى «عاصمة الشرق الأوسط» في تكنولوجيا المعلومات.
تجربة دبي غنية جدا، والخليجيون معنيون بها اكثر من غيرهم لان نجاحها على المدى البعيد نجاح للمنطقة. مثلا يمكننا الاستفادة من كيفية اشراك القطاع الخاص في تأسيس الصناعات الاساسية بمشاركة الشركات الدولية الكبرى، ويمكننا الاستفادة من اساليب التطوير العمراني مع المحافظة على متطلبات المدن العصرية من حدائق وتسهيلات وشوارع ومواصلات... الخ.
أملنا في ان يستمر نجاح تجربة دبي، ولكن ليس بصورة منفصلة عن بقية دول المنطقة، فالجميع ينبغي لهم ان يفكروا على اساس منطقة اقتصادية واحدة تتكامل فيما بينها ولا تتنافس بشكل لا يخدمهم جميعا
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 502 - الثلثاء 20 يناير 2004م الموافق 27 ذي القعدة 1424هـ