ما أن ترنح النظام البعثي في العراق مؤذنا بالزوال، حتى انطلق الكتاب يكيلون الشتائم والسباب للنظام من نقاط متنوعة، على اعتبار أن هذا النظام شر مطلق. وربما هناك اتفاق أن حسنات هذا النظام لا تقارن بسيئاته، ولكن الحديث هنا عن حال الأنظمة التي تسقط، فلا يعود توزن لها أي حسنة قامت بها، وهذا الأمر يرتبط أساسا بالنظم الشمولية التي يكون فيها الفرد (لا المؤسسة) هو الحاكم والمهيمن والمتصرف، ولا يكون للحوار أي منفذ. فالبعث العراقي حقق نجاحات على المستوى الداخلي تعد جليلة لو كانت تدور في محركات من الديمقراطية والتداول الحضاري للسلطة، ولو لم تجر أنهار الدماء، وذلك على مستوى التصنيع ومحو الأمية وغيرها، ولكنها لا تقارن أبدا بالحروب والتصفيات والسجون تحت طبقات الأرض.
الحال نفسها تنطبق على نظام طالبان في أفغانستان، النظام الذي لم يدع فسحة للتسامح لا مع أبناء دينه ممن ينتمون إلى مذاهب أخرى، أو مع غيرهم من البشر، فإما برنامجهم الديني والسياسي، وإما القتال والنفي والاضطهاد.
إلا أن دراسة بريطانية خرجت أخيرا لتقول أن طالبان استطاعوا أن يخفضوا تجارة الهيروين في العالم بنسبة 65 في المئة بسبب تحريمهم زراعة الأفيون محليا، فانخفض إنتاج الأفيون من 4185 طنا في العام 1999، إلى 3572 طنا بعد عام واحد من إصدار الملا عمر قرارا بحظر زراعته، أعقبه انخفاض آخر حتى بدأت الحملة الأميركية على أفغانستان، فعادت الأمور اليوم إلى ما كانت عليه، وازدهر الأفيون لتتمايل زنابقه في السهول.
قد تبدو الأنظمة الشمولية سيئة بمعناها الواسع العريض، ولكن لـ «الميتين» محاسن، ليتنا نذكرها للتأسي لا للترحم
إقرأ أيضا لـ "غسان الشهابي"العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ