العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ

البيوت الآيلة للسقوط: اختبار حقيقي للمجالس البلدية

جلالة الملك يحسمها لصالح البلديات ...

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

تذكرت من جملة ما تذكرت، وأنا (استمتع) بقراءة بيانات وتصريحات رؤساء وأعضاء المجالس البلدية، بعض كلمات للسسيولوجي الفرنسي آلان تورين، إذ يقول: «إن الديمقراطية لا تقتصر على الضمانات الدستورية، أي على حرية سلبية، وإنما نضال تخوضه ذوات فاعلة، في ثقافتها وبحريتها، ضد منطق وهيمنة السيستام، وأن الديمقراطية لا تقوم فقط على القوانين بل تقوم قبل كل شيء على ثقافة سياسية».

إن النضال البلدي - إن صح التعبير - الذي خاضته الذوات الفاعلة لرؤساء وأعضاء المجالس البلدية، هو بحق مثال مشرق ومشرف، وراق ويحتذى به على الصعيد الوطني العام. فبعد المطالبة بزيادة الموازنة المرصودة للبلديات، وبعد محاولات للتهميش ومسلسل سحب الصلاحيات والاختصاصات الذي لم يتوقف سواء من قبل الوزير المختص أو الجهات التنفيذية الأخرى، بل وحتى أعضاء السلطة التشريعية كانوا منافسين لعمل المجالس البلدية، وبعد تجاهل وزارات الدولة ومؤسساتها وعدم تعاونها واستعلائها في بعض الأحيان على المجالس البلدية، بعد كل ذلك جاءت كلمات جلالة الملك حفظه الله، لتضع حدا (لتفلسف) البعض وتفسيره القانون بحسب مزاجه، وقراءة القانون بمعزل عن الواقع السياسي، ووضع جلالته حدا لاستعلاء بعض الوزراء والمسئولين في الدولة عن الرد على رسائل المجالس البلدية، من خلال إعطاء المجالس البلدية الدور الرئيسي في مشروع المكرمة الملكية للبيوت الآيلة للسقوط.

إن الذوات البلدية الفاعلة التي خاضت النضال البلدي خرجت (منتصرة) بفضل مثابرتها وتفانيها في نضالاتها الشريفة الواعية وبفضل حكمة جلالة الملك وسياسته الرشيدة في التعاطي مع المعضلات التي تهم المواطنين، وهذه هي المعركة الأولى للبلديات، وكانت لإثبات الذات البلدية وإعطائها مكانتها الاعتبارية المستقلة ماليا وإداريا، والوقوف على أرض صلبة بمساندة جلالة الملك ودعمه سياسيا لها، والتوجيه نحو «تسيير المناطق بإرادة الناس».

أما المعركة الثانية في ساحات النضال البلدي فهي البرهنة على أن تلك الصلاحيات والاختصاصات التي أنيطت بالبلديات من لدن الإرادة الملكية السامية، وهي توجيهات سياسية وتعبر عن السياسة العامة للدولة، تمثل الاختبار الحقيقي للمجالس البلدية وذلك لوضع اللبنات الأولى للعمل البلدي الصحيح. فالمكرمة هي للمواطنين وأما البلديات فإنها تعتبر (معركة) البيوت الآيلة للسقوط.

وقد قطع جلالة الملك الشك باليقين حينما أعلن أن جميع ما يقدم للمواطنين من خدمات وللمناطق من مشروعات تنموية هي من اختصاص المجالس البلدية، وذلك ما كنا قد طالبنا به في مقال خاص عن المكرمة الملكية للبيوت الآيلة للسقوط بتاريخ الثالث من الشهر الجاري بعنوان «سنكافح من أجل تمثيل المصالح الشعبية» وفي هذه الصفحة تحديدا، وذكرت حينها: إن على رؤساء وأعضاء المجالس البلدية الارتكاز على خطابات جلالة الملك فيما يخص المجالس البلدية، وإن كان هناك من لبس في قانون البلديات وموضوع المكرمة أيضا، فلماذا لا يذهب الجميع (رؤساء وأعضاء المجالس البلدية) لجلالة الملك لاستيضاح الأمور؟».

وقد تدارك جلالته الوضع فطلب رؤساء المجالس البلدية وأعطاهم الدور الأكبر والأساسي في مشروع المكرمة، وبرهن جلالته على ذلك بقوله لرؤساء المجالس البلدية في لقائه الأخير معهم: «إن المجالس البلدية لها الدور الأساسي في مشروع البيوت الآيلة للسقوط، وإن وزارة الأشغال والإسكان هي الجهة المنفذة... والمجالس البلدية هي التي تضع الضوابط والمعايير والشروط وتراقب التنفيذ ووزارة الإسكان إنما مهمتها تنحصر في الدعم الفني». و«إن المجالس البلدية هي الجهة التي تقوم بجمع المعلومات وحصر البيوت، وإن الموازنة المقترحة للمشروع هي من (90) مليون دينار لغاية (120) مليون دينار» (دينار ينطح دينار) فلا عذر للبلديات بعدم وجود الموازنة أمام هذا الرقم الذي لا تحلم المجالس في ربع ربعه!

إن ما أكد عليه جلالته يعتبر بوصلة للوزراء في التعاطي مع المجالس البلدية، وبمثابة ترسيخ لمفهومي الإدارة المحلية والعمل البلدي الصحيح كما هو معمول به في الدول المتقدمة، ولذلك أعطى جلالته درسا في مفهوم العمل البلدي، وكلماته تعبر عن إلمامه بواقع الحال البلدي، وهذه الكلمات تعتبر توجيهات سامية بعدم التعدي على مكانة أعضاء المجالس البلدية.

لقد أكدنا من خلال هذه الصحيفة الرائدة و«المستقلة» وفي عدة مقالات على أن دور المجالس البلدية، والبلدية عموما ككيان مستقل أكبر بكثير مما تعارف عليه عند عامة الناس بل وحتى بعض المثقفين، والذين يظنون خطأ أن البلديات هي للمجاري وما شابه، ولكنها كما فهمناها من خطابات جلالة الملك ومن قانون البلديات ومن تجارب الدول المتقدمة هي «إدارة محلية للمنطقة من قبل المواطنين أنفسهم». ولذلك لم استغرب وأنا (استمتع) بقراءة كلمات جلالة الملك حفظه الله، وللحق فإنها ليست قراءة أولى لمثل تلك الكلمات وإنما قراءة مختلفة، فقد كرر جلالته مرارا أن دور البلديات أكبر بكثير مما يتصوره البعض.

وأيضا مما عرضناه في صحيفة «الوسط» بتاريخ الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول 2003م مقال بعنوان «إلى أعضاء المجالس البلدية.. فكر شموليا واعمل محليا» حددت فيه مسئوليات وواجبات البلديات من خلال تجارب الدول الأخرى، وكتبت في المقال المذكور موضحا الدور الرئيسي للمجالس البلدية المحلية، وإنها تترقى إلى أن تصل لنظام الحكم المحلي. وقد جاءت كلمات وتوجيهات جلالته بهذا الخصوص، وذلك خلال لقائه برؤساء المجالس البلدية إذ قال: «إن رأي العضو البلدي في دائرته مقدم على النائب البرلماني، وإن العضو البلدي مقدم في البروتوكولات الرسمية والاحتفالات التي تقام في منطقته على بقية المسئولين».


الملك ينتصر للإرادة الشعبية

وبعد طرح النائب حمد المهندي موضوع تبعية مديري الأجهزة التنفيذية تحت قبة البرلمان، وبقى السؤال معلقا حيث إن رد الوزير لم يكن مقنعا، وبعد افتتاح دور الانعقاد الثاني كتبت مقالا ردا على وزير البلديات والزراعة في صحيفة «الوسط» بتاريخ الثالث عشر من ديسمبر/كانون الأول 2003م بعنوان «بين النص وتأويل الوزير..اللامركزية والشخصية الاعتبارية للبلديات»، وأكدت من خلال المقال المذكور على الشخصية الاعتبارية للبلدية واللامركزية الإدارية باعتبار أن البلديات تمثل صورة من صور اللامركزية الإدارية في الدولة. وإن الانتخابات البلدية هي نواة الديمقراطية والتعبير عن إرادة الناس، وارتكزت على مقولات جلالة الملك وخطاباته في هذا الخصوص.

وكانت نهاية المطاف مقال بعنوان «العد التنازلي للقضاء بدأ..العمل البلدي بين مطرقة الوزير وسندان المجالس البلدية» في يوم الأحد الحادي عشر من الشهر الجاري، وذلك بعد تطور الموضوع ناحية التصعيد القضائي وأكدنا خلاله صحة موقف المجالس البلدية، وكان الموضوع قبل يومين من لقاء جلالة الملك برؤساء المجالس البلدية، ومما ذكرنا فيه ان البلدية كيان سياسي ودللنا على ذلك بخطابات جلالة الملك السياسية في ما يخص العمل البلدي، ثم ذكرنا إن البلدية كيان منشؤه دستوري وبينا ذلك، كما ذكرنا إن البلدية كيان قانوني واستندنا على المواد القانونية التي تبين ذلك. ثم فندنا كلام المصدر المسئول في وزارة البلديات، وما ندري هل هو مسئول إلى الآن عما قال أم لا!!؟ والمؤكد أن المصدر المسئول تاه الآن بين السائل والمسئول؟! بعد أن أكد جلالة الملك على صحة قرائتنا وما ذهبنا إليه في هذا الخصوص.

وتبقى النتيجة إن السيد م. م. (مصدر مسئول) في وزارة البلديات يجب أن يحاط علما بالتوجيهات السامية لجلالة الملك، والتي تعبر عن السياسة العامة للدولة، والحمد لله اننا فهمناها ونحن لسنا بمسئولين (ولا حاجه)! ولكن المصدر المسئول لم يعرف السياسة العامة للدولة..ولم يعرفنا!


السياسة العامة للدولة

إن المطالب التي رددناها مرارا وتكرارا في المجالس الشعبية والندوات واللقاءات الجماهيرية، وكذلك في الصحف، تؤكد صحة موقف أعضاء المجالس البلدية، وقد تطرقت لجملة منها في الكثير من المناسبات بدءا من القراءة الموضوعية والواضحة لقانون البلديات وانتهاء بالدعوى التي كانت سترفع أمام القضاء الإداري مرورا بموضوع المكرمة الملكية للبيوت الآيلة للسقوط، وكل تلك الموضوعات لاقت صدى طيبا لدى أعضاء المجالس البلدية والمجلس النيابي والمواطنين. وقد جاءت قرارات وأوامر جلالة الملك مطابقة تماما لما ذكرناه ودللنا عليه بالبراهين، وذلك في لقائه الأخير مع رؤساء المجالس، ما يعتبر فضلا من الله وتوفيقا من لدنه.

لقد طمأن جلالة الملك رؤساء المجالس البلدية بإصداره تلك التوجيهات التي تحمي كيانهم، وبذلك قطع الطريق على كل من: وزير البلديات والزراعة الذي يحتج بتفسيره الخاص للقانون، وله الحق المطلق في ذلك، من الناحية المبدئية. وعلى النواب الذين يختطفون عمل أعضاء المجالس البلدية، وقطع الطريق أيضا على الوزراء والمسئولين غير المتعاونين مع البلديات، وعلى المحافظين، وعلى من (يطبل ويزمر لهم) جميعهم أو بعضهم بأسمائهم الحقيقية أم المستعارة.

وبهذا الفصل في القضايا الجوهرية من جلالته وهذا التوجه في السياسة العامة للدولة من (فاه) جلالته، نكون قد أنهينا مرحلة إثبات الوجود للبلديات وبدأت مرحلة العمل من أجل تنمية وتطوير المناطق وتعميرها والمساهمة الفاعلة من خلال الإرادة الشعبية المتمثلة في أعضاء المجالس البلدية.

وأخيرا... «فالديمقراطية لا تقوم على القوانين فقط بل تقوم قبل كل شئ على الثقافة السياسية»... وهي ما يتمتع به جلالة الملك حفظه الله، وينقص الكثير من المسئولين.

كاتب بحريني

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً