العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ

خاتمي... الإصلاح والدستور

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تلقى الرئيس الإيراني محمد خاتمي في فترة حكمه (حوالي 7 سنوات حتى الآن) الكثير من الدعوات من أنصاره تشجعه على الانقلاب على الدستور مستفيدا من الغالبية البرلمانية التي تؤيده بذريعة الإسراع في تطبيق برنامجه الاصلاحي. ولكن الرئيس خاتمي رفض كل تلك الدعوات وتحديدا من فريقه المتطرف مفضلا إعطاء الاصلاحات طابعها القانوني الثابت لا الانقلابي المتحرك. فخاتمي رجل دستوري ويفضل خيار الاستقالة على سياسة الانقلاب. ولذلك كان دائما يميل نحو التهديد بالاستقالة لا الذهاب نحو الانقلاب. فالخيار الأخير يعني بداية دمار الثورة والدولة معا لأنه يعطي الفريق الآخر الذريعة الدستورية للانقلاب على الانقلاب.

المسألة الدستورية في تفكير الرئيس خاتمي نقطة محورية في برنامجه الاصلاحي، فمن دونها يصبح برنامجه مجرد أفكار عامة تستهوي الشارع ولكنها في إطار التطبيق تحتاج إلى عملية قراءة مشتركة لتتحول إلى خطة عمل تتفق على فائدتها مختلف الأطراف والاتجاهات.

هذه المسألة الدستورية لم يتفهمها أنصار خاتمي أو على الأقل شريحة واسعة من «التيار الاصلاحي». فهذه الشريحة كانت تضغط عليه من مواقع حزبية وعقلية ضيقة تميل نحو استخدام السلطة أداة للقمع لفرض شروطها وتوجهاتها باسم «الغالبية» الانتخابية والبرلمانية. وهذا ما كان يرفضه خاتمي مصرا على ان التحول الاصلاحي لا تقوده فئة ضد أخرى بل هو نتاج تسوية مشتركة تأخذ في الاعتبار اعتراضات الفريق الآخر. فالاصلاح ليس معركة أهلية بل قراءة دستورية تعيد انتاج الأفكار لتتحول إلى صيغ قانونية قابلة للتطبيق. وهذا هو بالضبط ما يحصل في الدول المستقرة التي تعتمد الدستور كوعاء لاحتضان التعارضات التي تنتقل من الشارع إلى البرلمان بعد كل جولة انتخابية.

في أوروبا مثلا لا يحق للغالبية أن تستقل برأيها بمعزل عن الأقلية البرلمانية. والقوانين التي تطرحها الغالبية لا يجوز ان تلغي رأي الاقلية سواء كانت متفقة أو معارضة للنهج أو البرنامج الذي يقوده الحزب المسيطر على مقاعد البرلمان.

العملية الاصلاحية في برنامج خاتمي هي مجموعة تحولات دستورية وليست انقلابا على الدستور باسم الغالبية البرلمانية. هذا النوع من التفكير يعكس مستوى متقدم من الوعي السياسي الراقي الذي للأسف لا نجد نظيره في معظم الدول العربية. فالأنشطة الاصلاحية في المنطقة العربية هي أقرب إلى التفكير الحزبي - العصبي وهي تميل في معظمها إلى نوع من الفئوية وتعتمد سياسة انشطارية لا توحيدية. والسبب في قيام هذا النوع من المعارضة يعود إلى انغلاق الانظمة على نفسها وتقوقع القوى السياسية في زوايا ضيقة من التفكير الانطوائي على بيئات محلية مقفلة على نفسها وغيرها.

هذا الانغلاق المتبادل عطل الثقة المشتركة وزاد من ضعف الانظمة وتبعثر المعارضة والغى ما يسمى باللغة المشتركة، وهي تعني قانونيا تلك المواد الدستورية التي تجمع مختلف الفئات في دائرة موسعة يطلق عليها الدولة الوطنية.

ضعف التفكير الدستوري يعني عمليا ضعف فكرة الدولة في الوعي السياسي. وحين تتراجع مسألة الدولة في التفكير السياسي تصعد إلى مكانها مجموعة مفاهيم ضيقة وانقسامية تبدأ بالطائفة والمذهب وتنتهي بالقبيلة والعشيرة والحي. وهذا الأمر نجده في أكثر من منطقة عربية وهو يفسر إلى حد بعيد العوامل الحقيقية التي أسهمت في تعطيل التضامن العربي لمواجهة التحديات المصيرية المشتركة.

هذا النوع من التفكير الانشطاري موجود في إيران وكذلك في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة والهند وفي أي دولة كبيرة أو صغيرة، الا أن الفارق هو في نهوض غالبية سياسية موزعة على اتجاهات متفرقة ولكنها متفقة على مسألة الدولة والمنهج الدستوري في صوغ برامج الحكومة التي تتحمل مسئولية معالجة المشكلات الطارئة أو وضع الخطط لاحتواء حاجات المجتمع في المستقبل.

الاصلاح في برنامج خاتمي هو التطوير لا الانقلاب، واساس التطور هو اتفاق مختلف قوى المجتمع الفاعلة على الحاجة إلى التقدم.

تلقى الرئيس الإيراني في فترة حكمة الكثير من الدعوات من أنصاره تحرضه على الانقلاب على المعارضة أو على الأقلية البرلمانية أو على ما يسمى بالتيار المحافظ وغيرها من دعوات مسمومة بذريعة التعجيل في الاصلاح... رفضها كلها. وهذا ما خيب مرارا آمال انصاره ولكنه لم يتردد لحظة في اللجؤ إلى الدستور للدفع بالمسيرة المشتركة نحو التقدم من دون تجاوز المصالح المركبة من وجهات ومواقع مختلفة

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً