الزيارة التاريخية التي قام بها جلالة الملك إلى قطر في ديسمبر/ كانون الأول الماضي فتحت الآفاق للحديث عن منطقة اقتصادية واحدة بين البلدين. فقد تمخض عن تلك الزيارة تفعيل اللجنة المشتركة بين البلدين برئاسة وليي العهد في البلدين، والتي من المؤمل أن تجتمع في النصف الثاني من فبراير/ شباط. قطر من الدول الخليجية الصاعدة، وهي تخطط لأن تصبح موقعا اقتصاديا استراتيجيا للمنطقة، وكانت قد عقدت وأعدت لعدة مؤتمرات لبحث آفاق المستقبل بحضور شخصيات دولية تتسنم الريادة في تخصصاتها.
المؤهلات لدى قطر كثيرة وأهمها المخزون الكبير (ثالث أكبر مخزون في العالم بعد روسيا وإيران) للغاز الطبيعي، والذي سيتم تصديره كغاز «مسال» بكميات كبيرة إلى مختلف بلدان العالم. وعملية تسييل الغاز تحتاج إلى تكنولوجيا متطورة وتحتاج إلى خبراء ومهندسين وفنيين وقوى عاملة متدربة تدريبا عاليا، ولاتقل حاجة قطر المباشرة للفنيين المتدربين عن 15 ألف شخص خلال السنوات الثلاث المقبلة.
لقد استثمرت قطر امكاناتها لتطوير صناعة الغاز ووصلت قيمة القروض التي اقترضتها لتمويل مشروعات الغاز الاستراتيجية إلى 12 مليار دولار في العام 1999، ويقدر الاقتصاديون أن قطر دفعت قرابة نصف تلك القروض قبل عام. وتلك الأموال الطائلة نتج عنها تشييد شركتين كبيرتين لإسالة الغاز، هما: «قطر غاز» و«راس غاز»، وقد بدأت الشركتان في تصدير الغاز المسال إلى عدة دول من بينها اليابان وكوريا، وهما دولتان تستهلكان الغاز بكميات كبيرة جدا.
الغاز القطري يصدّر بعد إسالته إلى الأماكن البعيدة أما المناطق القريبة مثل البحرين، الامارات، عمان، والكويت، إلخ ... فيمكن مد شبكة أنابيب الغاز (من دون إسالة) إليها وهي وسيلة أرخص بكثير من نقل الغاز المسال، وبالامكان أن تربط دول المنطقة استراتيجيا ببعضها بعضا.
الغاز سيصل للامارات خلال عام او عامين والكويت وقعت مذكرة تفاهم وهي بانتظار الحصول على رخصة لمرور انابيب الغاز عبر المياه الاقليمية السعودية، وتوصيل الغاز إلى البحرين اصبح محورا اساسيا في المحادثات بين البلدين، وعمان أبدت رغبتها في الحصول على الغاز الطبيعي القطري.
ولدى اكتمال شبكات الأنابيب من حقول النفط القطرية إلى الدول المجاورة فإن قطر ستعزز مكانتها بعد كل الاستثمارات التي ألزمت نفسها بها منذ منتصف التسعينات. فقطر اجتذبت الشركات العالمية الكبرى مثل إكسون الأميركية، توتال الفرنسية، متسوي اليابانية، ساسول الجنوب إفريقية وغيرها، وكل هذه الشركات من مصلحتها أن تطور عملياتها في قطر بالاعتماد على أبناء المنطقة. وهذا ما يمكن أن توفره البحرين بالاضافة إلى استيرادها الغاز القطري لتلبية احتياجات الطاقة المتزايدة.
قطر والبحرين بإمكانهما أن يتكاملا اقتصاديا ويثبتا بذلك أن أهل الخليج قادرون على الترابط استراتيجيا تماما كما ترابطت الدول الأوروبية مع بعضها بعضا وغلّبت مصالحها المشتركة بعيدة المدى على المصالح الذاتية قصيرة المدى. وتكامل دولتين مثل قطر والبحرين سيعزز استقرار وتطور النظامين بما يخدم الجميع، حكاما ومحكومين. فالعالم اليوم أثبت أن البقاء للمناطق الاقتصادية المتكاملة بصورة استراتيجية، ومجلس التعاون الخليجي الذي أنشئ قبل أكثر من عشرين عاما فشل إلى حد الآن في تحقيق التعاون الاقتصادي المطلوب. ولذلك فإن أي تعاون بين عدد من دوله سيعزز مسيرة التعاون من أجل خير أهل المنطقة الذين يغيّبون عن مواقع القرار ولا يعطون حقهم أثناء اجتماعات القمة الخليجية
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 501 - الإثنين 19 يناير 2004م الموافق 26 ذي القعدة 1424هـ