يستمر النهر في جريانه، والنجم في لمعانه، موجها سهامه القاتلة إلى ظالميه - ولكل ظلمة الأرض - غير عابئ بما يناله من بغي الباغين وجور المستكبرين فيقول «تبا لكم ولما تريدون، أظننتم أن الإسلام عندي شيء من المتاع يُشترى ويباع؟ أو فيه شيء من عرَض الدنيا يؤخذ ويعطَى كي تعرضوا لي فيه باهظ الثمن جاهلين، وتمنوننى على زخارف خادعة من الطين تعدونني عليه وتوعدون وترغبونني عنه، فوالله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر إقرار العبيد، فإن كان عندكم غير الموت ما تخيفونني به فكيدونِ ولا تُنظرون، لتبصروا أن لي بالجبال الشم شبيها من التعالي، وأن عندي من الرواسي الشامخات مبتلى من الرسوخ والثبات». الله أكبر... يا لها من عظمة عظيمة وشموخ شامخ دونه شموخ الجبال الراسيات، إنها العظمة، وإنه الشموخ المتمثل في كلمة «لا» أعطيكم بيدي إعطاء الذليل و«لا» أقر إقرار العبيد، كما قالها سيد الشهداء الحسين (ع) في كربلاء، لتمتد إلى كل الدنيا، وكل الأجيال في كل مكان وفي كل زمان.
وفي ختام الرسالة أو «المنهج» نرى كيف أن المؤمن ينظر بعين الله، فتتكشف أمامه الحقائق من دون غموض، وتمثل بين يديه العواقب دون إبهام، وهذا تماما ما نتبينه من كلمات الإمام الشهيد الصدر التي ختم بها خطابه الفذ حين قال «قولوا لمن بعثكم ومن وراء أسيادهم أن دون ما يريدون من الصدر ألف قتلة بالسيف، وأن الذي يريدون مني نوع من المحال لا تبلغونه على أي حال، فوالله لن تلبثوا بعد قتلي إلا أذلة خائفين، تهول أهوالكم، وتنقلب أحوالكم، ويسلط الله عليكم من يجرعكم مرارة الذل والهوان، ويسقيكم صاب الهزيمة والخسران، ويسقيكم ما لم تحتسبوه من طعم العناء، ويريكم ما لم ترتجوه من البلاء، ولايزال بكم على هذا الحال حتى يحل بكم شر فال، جموع مثبورة صرعى في الروابي والفلوات، حتى إذا انقضى عديدكم، وفل حديدكم، ودمدم عليكم مدمر عروشكم، وترككم أيادي سبأ أشتاتا بين ما أكلتم بواترهم ومن هاموا على وجوههم في الأمصار وأورث الله المستضعفين أرضكم ودياركم وأموالكم، فإذا قد أمسيتم لعنة تجدد على أفواه الناس، وصفحة سوداء في أحشاء التاريخ».
أليس هذا ما حصل فعلا في عراق الإباء، إذ انقلب السحر على الساحر، وأرانا الله مصير كل خاسر، والأيام المقبلة ستثبت لكل ذي بصيرة أن شهيدنا العظيم الصدر ينظر بعين الله، حين كشف الحجب عن المستقبل، وأوقفنا على الواقع بكل وضوح، فيالها من عظمة، وياله من درس، ويالها من عبرة لمن اعتبر.
فسلام من الله عليك - يا أبا جعفر - يوم ولدت ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيا
إقرأ أيضا لـ "علي الشرقي"العدد 500 - الأحد 18 يناير 2004م الموافق 25 ذي القعدة 1424هـ