فيما تواصل قوات الاحتلال اعتداءاتها في الأراضي الفلسطينية، جدد رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون تهديداته للفلسطينيين باتخاذ إجراءات أحادية الجانب قال انها ستؤمن أقصى درجات الأمن لـ «إسرائيل». ولم يشر شارون - في خطاب ألقاه أمام الكنيست لمناقشة سياساته تجاه الفلسطينيين - إلى تفكيك مستوطنات كما لم يتحدث عن دولة فلسطينية، مكتفيا بالحديث عن «مكانة مشرفة (للفلسطينيين) في الأسرة الدولية». وبهذا التجاهل، تفادى شارون ولو مؤقتا الاصطدام بالقوميين من أعضاء ائتلافه اليميني الحاكم الذين يعارضون أي انسحاب وأي تفكيك للمستوطنات.
وقال شارون في تصريحات سابقة ان التدابير أحادية الجانب تتضمن خطة للانفصال عن الفلسطينيين تشمل ضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية المحتلة وتفكيك بعض المستوطنات المعزولة. ووافق الكنيست الإسرائيلي بغالبية كبيرة على إعلان شارون وخططه. وأعلن نائبه ايهود اولمرت ان «إسرائيل» ستبدأ تنفيذ هذه الإجراءات وخطة الفصل في غضون ستة أشهر في حال عدم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين.
لكن ما أثار الصحف العبرية، هو اللغة المتعددة الأوجه والاستخدامات في بيانه أمام الكنيست الإسرائيلي، إذ لاحظت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي تراجع عن عباراته الشهيرة في خطاب هرتزليا أو في خطابه أمام مؤتمر «تكتل (ليكود) الأمر الذي حدا بأحد المعلقين الإسرائيليين إلى أن يصف شارون بأنه «لاعب سيرك»، وعرض يوسي فيرتر في «هآرتس» جملة ملاحظات بشأن خطابات رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون الأخيرة. فلاحظ انه اختار أن يتفادى في خطابه أمام الكنيست، عبارات مثل «فك الارتباط» و«مستوطنات عشوائية» و«إخلاء».
واعتبر فيرتر، انه في حال لم يختر شارون، ذلك لما دعمته الأحزاب اليمينية التي كانت قد استعرضت قوتها في التظاهرة الكبرى في تل أبيب. وذلك خوفا من أن يقصد ما يقول، ولما عارضته الأحزاب المعارضة خوفا من ألا يقصد شيئا مما يقوله. وتابع فيرتر، ملاحظا أن شارون، بدا مثل «لاعب السيرك» في الكنيست، وحاول أن يربك الجميع من جديد بإلقائه «كرتين» في هواء الكنيست: الأولى تمثل التزامه بتقديم خطة بديلة عن «خريطة الطريق» إلى الكنيست للمصادقة عليها.
والكرة الثانية تمثل تعهده بمناقشة تلك الخطة مع كل فصائل ائتلاف اليمين قبل صوغها بشكلها النهائي. ولاحظ فيرتر، أيضا ان شارون كان قد تحدث في مؤتمر هرتزليا، عن فك الارتباط، من أجل حشد الدعم. أما في مؤتمر تكتل «ليكود»، فقد تطرق إلى إخلاء المستوطنات كي يحشد المعارضة وعاد ليثير مسألة «خريطة الطريق» أمام الكنيست من أجل الحصول على ثقة أعضاء تكتل «ليكود» والفصائل اليمينية.
وخلص إلى القول ساخرا انه بعد قراءة خطابات شارون الأخيرة لا يمكن القول إلا ان رئيس الوزراء الإسرائيلي هو رجل سياسة بامتياز. وكتب يوئيل ماركوس في «هآرتس» مقالا في معرض الرد على تصريحات رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي الأخيرة والتي تتضمن اتهاما للإسرائيليين بأنهم لا يملكون قدرة على التحمل وبأنهم غير مستعدين لبذل التضحيات والأرواح من أجل تحقيق أهدافهم. ورد ماركوس، على يعالون، بالقول ان أهداف المجتمع الإسرائيلي هي قبل كل شيء العيش بسلام وأمن.
وتابع انه مع تحول أهداف الحكومة الإسرائيلية إلى أكثر ضبابية فإن الإسرائيلي يسأل: ما هي تلك الأهداف التي يجب بذل الأرواح من أجلها؟ وتابع ماركوس، بالقول انه مهما كانت قدرة الشعب الإسرائيلي على التحمل ضعيفة كما يزعم يعالون، فإنها على الأقل تتخطى قدرة الحكومات الإسرائيلية التي تعاني من قصر النظر منذ حرب الغفران، التي تركت الزعماء الإسرائيليين سكارى والتي أدت إلى انتشار المستوطنات بشكل مرعب في الأراضي الفلسطينية من أجل فرض حقيقة واقعة.
ورفض ماركوس، بشدة اعتبار الشعب الإسرائيلي ذا قدرة ضعيفة على الاحتمال مشيرا إلى ان الإسرائيليين، من انتفاضة إلى أخرى، ومن عملية «انتحارية» إلى أخرى، يظهرون قدرة خارقة على العودة إلى مسار الحياة الطبيعي. وختم ماركوس، بالقول ان المشكلة التي تعاني منها «إسرائيل»، ليست قدرة احتمال الشعب الإسرائيلي، كما يزعم يعالون، بل قصر نظر المسئولين العسكريين والاستخباريين في الدولة العبرية.
ولاحظ داني روبنشتاين في «هآرتس» عودة السلطة الفلسطينية إلى نشاطها ومباشرتها العمل على أن يكون لها كلمة في تقرير مصيرها.
وأوضح روبنشتاين، ان بوادر ذلك ظهرت من خلال اقتراح قدمه البروفسور في جامعة بيرزيت علي الجرباوي، بشأن الرد الفلسطيني على خطة الفصل التي اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون. وينص الاقتراح بحسب روبنشتاين، على أن تعطي السلطة الفلسطينية مهلة 6 أشهر للحكومة الإسرائيلية في حال كانت ترغب فعلا في «حل الدولتين»، لكي توقف الاستيطان وبناء الجدار الفاصل وتعلن رغبتها في الموافقة على إقامة دولة فلسطينية ضمن حدود الرابع من يونيو/ حزيران 1967 وحل مسألة اللاجئين.
وتابع روبنشتاين، ان الاقتراح ينص أيضا على انه في حال رفضت «إسرائيل» المبادرة الفلسطينية في نهاية فترة الستة أشهر فستقوم السلطة الفلسطينية بحل نفسها كي تجد «إسرائيل» نفسها مجبرة على إعادة الحكم العسكري في كل أجزاء الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولفت روبنشتاين، إلى ان النقاش اليوم حام داخل السلطة الفلسطينية بشأن اقتراح الجرباوي، فالبعض وافق على الاقتراح والبعض الآخر رفضه بذريعة ان «إسرائيل» قد تتفادى تحمل مسئولياتها الحكومية الكاملة في الأراضي الفلسطينية. في المقابل لاحظ المعلق الإسرائيلي، انهيار فكرة الدولتين، محذرا من عودة الفلسطينيين إلى ما كانوا عليه العام 1970 أي أن يعودوا إلى اقتراح دولة بقوميتين، وهذا ما بدأت بوادره تظهر فعلا في تصريحات المسئولين الفلسطينيين لا سيما رئيس الحكومة أحمد قريع.
وأعاد روبنشتاين، سبب ذلك بشكل رئيسي إلى خطة الفصل الإسرائيلية. غير ان روبنشتاين، استدرك في ختام مقالته بأن المسئولين الفلسطينيين ربما يريدون من وراء هذه الحملة والتهديد بالعودة إلى فكرة الدولة الواحدة إرهاب «إسرائيل» فحسب.
وعلى رغم ان بنيامين بن أليعازر (وزير الدفاع السابق، عضو في الكنيست الإسرائيلي وحزب العمل) لم يتطرق في مقال نشرته «هآرتس»، إلى مشروع استقدام اليهود الاثيوبيين بشكل مباشر، فإن بن أليعازر شكا على نحو لافت من تراجع حصة وزارة الهجرة الإسرائيلية في موازنة العام 2004 بشكل كبير بعد أن كانت «إسرائيل» الدولة الأولى في العالم التي تستقطب المهاجرين وتدعو كل اليهود في العالم إلى العودة إلى «ديارهم» وتقدم المساعدات والدعم لكل المهاجرين الذين يجدون صعوبة في الاندماج في المجتمع الإسرائيلي.
واعتبر بن أليعازر، ان الأخطاء التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية كثيرة من بينها خفض موازنة وزارة الهجرة وحرمان آلاف العائلات الإسرائيلية من أبسط حقوقها. وتابع ان موازنة 2004 تدل على ان هذه الحكومة تتصرف كالنعامة التي لا تعرف شيئا مما يدور من حولها.
وأضاف ان هذه الحكومة تدير الأذن الصماء لصراخ الناس وآلام ومعاناة أضعف طبقات المجتمع الإسرائيلي والطبقة الوسطى المنهارة. من هذا المنطلق، طالب بأن ينهض الشعب الإسرائيلي لمكافحة المراسيم التي تهدد الوافدين الجدد إلى «إسرائيل»، مشيرا إلى انه يجب على وزير المال الإسرائيلي أن يعي أهمية المهاجرين الجدد في عملية نهوض الاقتصاد الإسرائيلي.
وختم بالقول انه في حال لم يقم الوزير الإسرائيلي بتقديم المسكن والوظيفة اللائقين للوافدين الجدد وبالاستمرار في تشجيع اليهود على العودة إلى «إسرائيل»، فإن الدولة العبرية لن تعود الدولة التي تمتص المهاجرين الجدد بل التي تستهلك سكانها
العدد 499 - السبت 17 يناير 2004م الموافق 24 ذي القعدة 1424هـ