منذ فترة هناك حديث يتداول عن مقترح لشركة غربية كانت تقدمت بمشروع لمد سكك حديد مغناطيسي بين البحرين وقطر والسعودية، ثم تطور الأمر الى مجلس التعاون الذين وصلت اليهم الفكرة الاستراتيجية وناقشوها «قليلا» ثم حولوها (بمعنى أجلوها) الى وزارات المواصلات لدراسة المشروع الهادف لتوصيل جميع الدول الخليجية بسكك حديد.
إن أحد أهم مقومات النمو الاقتصادي هو حرية تنقل الأفراد والسلع ورؤوس الأموال والمعلومات. واذا كان الاقتصاد المعرفي يشترط وجود شبكات الكترونية متصلة بجميع المواطنين والشركات والمؤسسات وبالعالم فإن الاقتصاد الصناعي لم يتطور من دون مواصلات لنقل الأفراد والسلع. فأوروبا وأميركا تطورتا بسرعة فائقة منذ 1800م بفضل انتشار سكك الحديد التي تطورت مع الزمن وانتقلت من استخدام الفحم الحجري الى استخدام الكهرباء والوقود وثم الفيض المغناطيسي.
أميركا لم تكن لتصبح قوة اقتصادية عظمى لولا سكك الحديد وحركة المواصلات المتطورة، وكذلك الحال مع اليابان وأوروبا وغيرهما من الدول التي فهمت منذ زمن بعيد جدا أن الاقتصاد يفترض سهولة تنقل الأفراد والسلع (عبر وسائل النقل البري والبحري والجوي) وكذلك تنقل رؤوس الأموال وأخيرا المعلومات (عبر شبكات المعلومات الاستراتيجية الكبرى).
أما نحن في دول الخليج فما زلنا غير مقتنعين بأن المواصلات شأن استراتيجي ويخيل لمستخدم وسائل النقل أنه يعيش في بلدان متخلفة ليس لديها أموال نفط تصرف في شراء الأسلحة المرتفعة الثمن ولا يمكن استخدامها عند الحاجة.
إن أكثر من ثلث موازنات الدول الخليجية تصرف على الشأن العسكري والأمن، ولو كانت هناك عقلنة للأمور لتمَّ تقليل تلك النسبة الى سبعة في المئة أو عشرة في المئة وتم نقل تلك الأموال الطائلة جدا لتشييد سكك القطارات والشوارع الواسعة والخطوط البحرية بحيث نصبح مثلنا مثل غيرنا ممن يصرف الأموال في الأمور الاستراتيجية التي تحرك الاقتصاد وترفع مستوى النمو بما يتلاءم مع دخلنا من النفط الذي بدأ ينضب وبدأ الحديث عن انتهاء الاقتصاد الريعي مع قرب انتهاء ريع النفط.
لماذا لا يذهب بعض المسئولين الى دول أوروبية صغيرة جدا (مثل لوكسمبورغ) لكي يتعلموا عن قرب كيف تستطيع دولة صغيرة أن تنمو بسرعة من دون اهدار ثرواتها، ثم يذهبوا بعد ذلك الى دولة كبيرة (مثل المانيا) ويتعلموا منها كيف يتم صرف الموازنات وعلى ماذا يتم صرفها.
وبعد تلك الدورة التعليمية يتجهون إلى عقد جلسة استراتيجية حقيقية ويتخذوا قرارات تنفعهم وتنفع بلدانهم ومستقبل الجميع... ربما اننا نطلب المستحيل
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 499 - السبت 17 يناير 2004م الموافق 24 ذي القعدة 1424هـ