ليست قائمة العبارات والمفردات المنتشرة في المجتمع البحريني، من خلال التصريحات الصحافية والخطب والمقالات وربما البيانات الرسمية أيضا، وكذلك محاور الندوات والمؤتمرات، وكذلك «الاتهامات» و»الإثباتات»... ليست القائمة تلك بطويلة، ولكنها تحولت إلى التجذر وخصوصا في بعض وسائل الإعلام، والصحافة تحديدا، وفي الخطابات... الدينية منها تحديدا أيضا.
وبنظرة سريعة إلى المفردات والعبارات المتولدة منذ سنوات من رحم الحراك السياسي والاجتماعي من قبيل: «تدمير المجتمع،تفتيت المجتمع، الإخلال بالسلم الإجتماعي، طأفنة المجتمع، الأفكار الدخيلة على المجتمع، الإضرار بالمجتمع»، وربما غيرها ما لا يخرج عن المعنى والمضمون ذاته، سنقف بسهولة متاحة أمام شخوص واقعة في دائرة الاتهام لتسببها في التدمير والتفتيت والإخلال والطأفنة ونشر الأفكار الدخيلة والإضرار بالمجتمع، بعضهم يصنف ضمن خطباء المنابر، وآخرون من الناشطين السياسيين، وفئة من المتخفين وراء الستار، لكن ليس سهلا أن نجد في المقابل مبادرات على أرض الواقع، سواء من السلطة أم من مؤسسات المجتمع المدني، أم من الرموز/ القيادات المؤثرة في القواعد، لحماية المجتمع البحريني من «التمزيق» تحت ركام ثقل كبير من الملفات الصعبة (القابلة للحل على رغم صعوبتها)، وإن تردد الحديث في همس عن (مبادرات)، فتلك إما خاضعة للسرية، أو ربما تكون ظاهرة لكنها غير مدعومة بقوة.
أليس وضع البلد يتطلب مبادرات مخلصة لإنقاذ المجتمع بدلا من تمزيقه؟
وهل من اللازم أن تبقى تلك المبادرات إما رهينة السرية أو رهينة التكهنات أو معدومة أصلا؟
إن الحديث عن «تمزيق المجتمع» يلقي المسئولية الأولى على عاتق الدولة، لكن هذا لا يعني ألا (تظهر مبادرات) لإنهاء حال الاحتقان المقلق، حتى وإن لفها التشاؤم وسوء النتيجة، ولا يعني أيضا أن الدولة لن تحتضن المبادرات التي تبطن في نواياها مصلحة الوطن والمواطنين، على أن كل ذلك يوجب تعامل السلطة بالقانون، مع أي طرف اشتهر بسعيه الدائم للنيل من السلم الاجتماعي وسلامة النسيج الاجتماعي، أي أن يكون الجميع سواسية أمام القانون، حتى لا تنتشر -على أقل تقدير- فكرة الكيل بمكيالين طائفيين لاستقواء طائفة على أخرى، أو تدليل وتمييز طرف على حساب طرف، أو حفظ حقوق طرف وانتهاك حقوق طرف آخر.
الوضع في البلاد اليوم في حاجة إلى (إعادة ثقة) بين الدولة والشعب من جهة، وبين أبناء الشعب أنفسهم من جهة أخرى، ولا نتمنى أن تذهب الدعوات الصادقة أدراج الرياح ولا توليها الدولة أي اهتمام، فليست القضية قضية خلافات مذهبية وحسب، وليست أمنية فقط، وليست محصورة في الملف السياسي ولا غير! ولعل خطيب جامع الخير بمنطقة قلالي الشيخ صلاح الجودر قدم واحدة من الدعوات التي نحسبها جميعا صادقة ولا ريب، حين دعا إلى الحوار والمصارحة لعلاج القضايا التي تمر بها البحرين، وكانت التفاتة موفقة منه في أن يكون «الميثاق» سببا لإعادة الثقة بين أبناء الوطن الواحد، سنة وشيعة، ومعالجة القضايا من خلال الحوار والمصارحة والمكاشفة، وإيقاف فتاوى التكفير والاصطفاف والتطاول والسخرية.
تحل ذكرى «ميثاق العمل الوطني» بمثابة فرصة ذهبية للسلطة ومكونات المجتمع البحريني بكل أطيافه، لبناء جسور الثقة من جديد، هذا إن صدقت النوايا وتكرست لإعلاء المصلحة الوطنية العليا على ما دونها من أهداف، فبقاء الأوضاع في البلاد على وتيرتها، وأقصد هنا وتيرتها المحتقنة، ليس في مصلحة أحد
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 2347 - السبت 07 فبراير 2009م الموافق 11 صفر 1430هـ