العدد 498 - الجمعة 16 يناير 2004م الموافق 23 ذي القعدة 1424هـ

نتائج حرب العراق بعيون الجنوب

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

كما توقع يورغين تودنهوفر، وهو عضو سابق في البرلمان كان ينتمي للاتحاد المسيحي الديمقراطي المعارض، كان احتفال الصقور في واشنطن بالانتصار على صدام حسين قصيرا. ويجد تودنهوفر الذي زار العراق مرات كثيرة قبل وبعد الحرب وصحب معه طفلة عراقية بترت ساقها خلال الحرب لتلقي العلاج في ألمانيا، ان الأمر المثير للسخرية هو ان الغرب وتحديدا، الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا، هو الذي زود العراق بالسلاح وان استخدام السلاح الكيماوي تعلمه العراقيون من الإنجليز الذين استخدموا هذا السلاح المحرم ضد العراقيين في العشرينات من دون أن يسمي أحد رئيس الوزراء البريطاني وقتذاك: ونستون تشرشل بالقاتل السفاح. يرى تودنهوفر الذي وضعته محطة التلفزة الثانية شبه الرسمية گDF على قائمة شخصيات العام 2003، ان سبب الإطاحة بصدام لم يكن أسلوب الحكم الذي اتبعه وإنما لأنه وعلى رغم غنى بلده بالنفط، اتبع منذ مطلع التسعينات سياسة مناهضة للولايات المتحدة. ولو كان حليفا لواشنطن لما سعى الأميركيون للإطاحة به وربما زودوه مجددا بأنظمة السلاح.

قامت حرب العراق على أساس معلومات كاذبة. في لندن أجبر رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير على المثول أمام لجنة القاضي اللورد هاتون بعد انتحار مفتش الأسلحة البريطاني ديفيد كيلي بعد الإشاعة عن تلاعب المخابرات البريطانية بمعلومات مبالغ فيها عن وجود أسلحة للدمار الشامل في العراق. وفي واشنطن جاء في دراسة قامت بها مؤسسة وطنية للبحوث وتقع في مئة صفحة ان أسلحة الدمار الشامل المزعومة ليست موجودة في العراق كما هناك دليل آخر: إذ عاد أربعمئة من مفتشي الأسلحة الذين أوفدهم الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش إلى العراق للبحث عن الأسلحة المزعومة، إلى بلدهم بخفي حنين. على رغم هذا تصر الحكومتان الأميركية والبريطانية على انهما اعتمدتا على (حقائق) حين قررتا غزو العراق. تسعة أشهر مرت على الغزو ولم يتم العثور على أثر لأسلحة بيولوجية أو كيماوية أو نووية في العراق. 1400 مفتش سلاح من الولايات المتحدة قلبوا الأرض وحفروا بطن الصحراء وحققوا مطولا مع علماء عراقيين من دون نتيجة تؤكد كذبة أسلحة الدمار الشامل. في الغضون أصبح من المؤكد أن العراق أوقف العمل ببرنامج أسلحة الدمار الشامل في منتصف التسعينات كما أكدت بغداد، وان واشنطن ولندن كانتا على يقين بأنهما تكذبان على العالم. فحين روجت واشنطن كذبة (الدخان الساخن) أبلغ رئيس الوزراء البريطاني شعبه ان صدام أعد أسلحة الدمار الشامل لتصل أهدافا في أوروبا خلال 45 دقيقة. ما من شك في أن حرب العراق قامت على أكاذيب، ويجد تودنهوفر أن دولة ديمقراطية حين تمارس الكذب الأمر الذي ينطبق على الولايات المتحدة وبريطانيا، لأنه كان من المستحيل حصولهما على موافقة مجلس الأمن الدولي للمضي بغزوهما للعراق، يتحتم عليهما الاعتراف بممارستهما الكذب وهذا الاعتراف له ضرورة كي لا يخسر البلدان صدقيتهما وخصوصا أنهما يروجان منذ الإطاحة بصدام انهما يعملان في بناء عراق ديمقراطي فهل سيصدقهما أحد؟

يمارس تودنهوفر كتابة المقالات الصحافية وتأليف الكتب وآخرها احتل مرتبة بارزة في قائمة الكتب الأكثر مبيعا في ألمانيا ويحمل عنوان «من يبكي على عبدول وتانايا؟» ويتحدث فيه عن أشخاص تعرف عليهم من خلال الحرب إذ كل له قصة لا ينقلها إلى جمهور كبير من القراء إلا كاتب مثل تودنهوفر. يجد عضو البرلمان السابق ان حرب العراق لها نتائج فادحة ويبدي الأسباب على ذلك.

1- أن الإطاحة بصدام لم ينتج عنه أي تقدم ضد الإرهاب الدولي. في العراق لم يكن هناك أي مكان لمنظمة (القاعدة) وأن أتباع أسامة بن لادن يشعرون بالأمان أكثر في ألمانيا أو الولايات المتحدة عوضا عن وجودهم في دولة صدام حسين. أميركا هي التي جاءت بأتباع (القاعدة) إلى العراق وكما لاحظت صحيفة «نيويورك تايمز» فإن حرب العراق كانت هدية أميركية لأسامة بن لادن لأنها ساعدت في توفير ساحة جديدة للصراع القائم معه وأعادته إلى المنبر العالمي بعد أن دحرت أتباعه في أفغانستان. كانت الموازنة العسكرية للعراق تبلغ 2,0 في المئة من حجم الإنفاق العسكري الأميركي أي ان فرصة العراق في الهجوم على الولايات المتحدة كانت تشابه طفلا صغيرا مريضا يقف على الحلبة أمام بطل العالم في الملاكمة للوزن الثقيل. لأول مرة بعد هجوم 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001 على الولايات المتحدة دلت عمليات استطلاع للرأي في عشرين دولة إسلامية عن وجود تعاطف مع أسامة بن لادن.

2- لم ينتج عن الحرب تحقيق انتصار على أسلحة الدمار الشامل. بوش على حق حين قال إن أسلحة الدمار الشامل والإرهاب أبرز تحديات الأمن السياسي في القرن الحالي، ولكن كونه أمر بمهاجمة بلد لا يملك أسلحة الدمار الشامل ولا تهدد أي من جيرانها وبالتأكيد لا تهدد الغرب، قد وضع الشكوك في سياسة الغرب. في المستقبل سيصبح من الصعب جدا على السياسيين خارج الولايات المتحدة أخذ ما تروجه الاستخبارات الأميركية والبريطانية على محمل الجد وعلى العكس تماما ستسعى كثير من البلدان إلى العمل بالمثال الكوري الشمالي إذ تتعامل واشنطن مع كوريا الشمالية بنهج غير الذي تعاملت به مع العراق وإيران، وستجد ان امتلاك أسلحة الدمار الشامل أفضل وسيلة لردع قوة عظمى مثل الولايات المتحدة.

3- وصف الرئيس الأميركي حرب العراق بأنها عمل إنساني عسكري فريد من نوعه في تاريخ البشرية. وفقا لبيانات مؤسسات أميركية وبريطانية أزهقت قنابل قوى التحالف أرواح ثمانية آلاف شخص. وفقا لأقوال ضابط بريطاني قتل 30 ألف جندي عراقي غالبيتهم من الشباب. إضافة إلى إصابة عشرة آلاف مدني بجروح وآلاف آخرين بأمراض نفسية. إذا كان 2800 قتيل راحوا نتيجة الاعتداء على مركز التجارة العالمي، رقما رهيبا لماذا لا نتحدث في الغرب عن أرقام رهيبة لضحايا حرب العراق بين العراقيين أنفسهم؟ الرئيس بوش على حق حين قال: يجب ان نحارب الشر. ولكن الشر غير موجود فقط في الشرقين الأدنى والأوسط بل موجود في الغرب أيضا... في نفوسنا.

4- ان الإدارة الأميركية خصوصا والغرب عموما كشف عن مدى جهله للعالم العربي. لم تتحقق نبؤة الصقور حين قالوا إن المواطنين العراقيين سيستقبلون الجنود الأميركيين بالورود عند وصولهم بغداد. حتى الشيعة الذين كانوا في حرب دائمة مع النظام العراقي السابق لم يعبروا أبدا عن غبطتهم لمجيء الأميركيين. الذين فرحوا فقط هم الذين قاموا بأعمال السرقة والنهب إضافة للأطفال الذين من المعتاد ان يعبروا عن فرحتهم كلما تسلطت الكاميرات عليهم ولأنهم حصلوا على الفرصة لمشاهدة قوات رامبو عن قرب. هل كان هذا مفاجئا؟ الاستعمار البريطاني ترك أثره في العراق وحرب الخليج الثانية أودت بحياة آلاف الجنود العراقيين كما أودت العقوبات التي فرضت على العراق بعد حرب الخليج الثانية بحياة مليون ونصف مليون طفل عراقي. الغرب يتحمل جزءا كبيرا من المسئولية فلماذا كان ينتظر من العراقيين ان يرحبوا بجنوده؟! من له قدرة على الترحيب ورأسه تحت الرمال؟

5- قالت الإدارة الأميركية إن زمن الاحتلال لن يستمر طويلا. وهنا ناقض الصقور أنفسهم. فقد أكدت وزارة الخارجية لمجلة «نيوزويك» ان زمن الاحتلال لن يزيد عن 60 يوما. بعد الحرب تعين على الجنرال تومي فرانكس ان يقر ان زمن الحرب ما بعد الحرب ليس له نهاية في القريب. كما ان كلفة الحرب لم تبلغ ملياري دولار في الشهر وإنما الضعف. إضافة إلى كلفة إعادة التعمير التي ستبلغ مئة مليار دولار. وكان المستشار الاقتصادي لبوش قد خسر وظيفته حين ذكر هذا الرقم قبل الحرب لكن بول بريمر الحاكم الأميركي في العراق مازال يحتفظ بمنصبه على رغم انه هو الذي كشف عن حجم الكلفة التي تدعو كل أميركي إلى التأمل. يزيد كل يوم عدد الجنود الأميركيين الذين يلقون حتفهم على أيدي المقاومة العراقية. جاءت الولايات المتحدة بخطة للغزو ولم تأت بخطة للسلام.

6- وعد الرئيس بوش قبل وخلال الحرب بأن أوضاع المواطنين العراقيين ستتحسن بعد الحرب. هذه نصف الحقيقة. الوضع الغذائي للعراقيين مازال سيئا إضافة إلى عدم توافر الكهرباء والماء بصورة منتظمة وكثير من المناطق لا تستفيد من هذه الخدمة. بلغ معدل الجريمة أعلى مستوى له وبصورة لم يعرفها العراقيون من قبل. كل أسبوع يسقط مواطنون عراقيون ضحايا نزاعات مسلحة ونتيجة عمليات التفتيش التي تقوم بها قوات الاحتلال. الفوضى تعم أراضي العراق في ظل غياب دولة القانون التي وعد بها بوش، كل يوم تزيد حيرة العراقيين ويأسهم وهم لا يفهمون لماذا دولة عظمى وصلت الفضاء عاجزة عن تأمين الكهرباء والماء في بلد تحتله على الأرض. ولماذا لا تستثمر واشنطن قسطا من الأموال التي تسخرها لغزو الفضاء في تعمير العراق.

7- قال الأميركيون إنه خلال فترة قصيرة من الزمن ستنتشر الديمقراطية في العراق وتحدثوا عن نموذج ألمانيا بعد نهاية العهد النازي. كان ينبغي التحذير من المبالغة لأن معدل نجاح عمليات نشر الديمقراطية منخفض على الدوام. من يريد تحقيق ديمقراطية راسخة ينبغي عليه أولا الفوز بقلوب المواطنين وهذا ما لم تفلح به الولايات المتحدة في العراق. لقد كانت خيبة الأمل واضحة في دموع طفلة عراقية وقفت خلال الأسبوع الماضي تبكي لأن الأميركيين لم يفرجوا عن والدها المسجون لأنه كان في مكان اقتحمه الجنود الأميركيون وألقوا القبض على جميع الموجودين وتم الزج بهم في السجن من دون محاكمة. العراق بعيد كل البعد عن الديمقراطية الغربية هذا البعد الذي يشابه مسافة ما بين الأرض والقمر.

8- هدف آخر لغزو العراق كان وضع نظام أمني جديد في منطقة الخليج. ووضع مهندس حرب العراق بول ولفووفيتز قبل عشرة أعوام خطة لضمان مصالح الولايات المتحدة في المنطقة بواسطة الحرب الوقائية وأن تعتمد القوة العظمى مستقبلا على النفط العراقي عوضا عن النفط السعودي. وساهمت حوادث 11 سبتمبر العام 2001 في قيام فرصة مواتية لشن حروب وقائية باعتبارها حقا لأميركا في الدفاع عن النفس. بتاريخ 17 سبتمبر أي بعد أيام قليلة على الهجوم على نيويورك وواشنطن، قدم ولفووفيتز للإدارة الأميركية خطة لغزو العراق وصير بعدها إلى الترويج لهذا الحرب على أنها عبارة عن حرب دفاعا عن النفس وعلى حد قول بوش: سنحارب الإرهابيين في بلادهم. الولايات المتحدة التي حاربت فكر الخميني ومازالت تفعل ذلك حتى اليوم وستظل تفعله في المستقبل، سعت بنفسها إلى تحقيق حلم الخميني بقيام دولة كبرى للشيعة تبدأ من إيران والعراق وسورية ولبنان وصولا إلى شرق السعودية. إيران وشيعة العراق أبرز الذين استفادوا من حرب العراق والوقت يعمل لصالحهم.

9- نشأت هوة واسعة بين الولايات المتحدة ونصف أوروبا كما تعرضت أوروبا إلى انقسام كشف عن ان الاتحاد الأوروبي لن ينجح في القريب بوضع سياسة خارجية مشتركة أي أن الاتحاد الأوروبي لن يشكل في القريب قوة عالمية إلا إذا سار خلف واشنطن وعمل وفقا لما تمليه على 15 حكومة أوروبية. كما أن مطلب واشنطن بأن يزيد الأوروبيون إنفاقهم على مشتريات الأسلحة يحصل على حساب البلدان الفقيرة النامية في العالم الثالث لأن الدول الأوروبية تجد نفسها مضطرة لخفض إنفاقها على مشروعات التنمية في البلدان الفقيرة لقاء تحقيق رغبة الولايات المتحدة.

10- كان يمكن تجنب وقوع هذه الحرب. ان أسوأ ما حصل أن هذه الحرب سميت بالحرب الوقائية. ما معنى ذلك؟ معنى ذلك أنه يحق لدولة قوية ان تهاجم جارتها الضعيفة لمجرد حصول عمل ما. بالتأكيد كان يمكن تحقيق أهداف واشنطن في العراق من دون حرب ومن دون داعٍ لمزيد من أعمال التقتيل والتدمير. فقبل وقت قصير على الحرب قبل صدام حسين بمطالب الأمم المتحدة لكن لم تكن هناك نوايا صادقة عند الأميركيين لحل النزاع سياسيا مع العراق.

ماذا عن المستقبل؟ يقول يورغين تودنهوفر إن الأميركيين يجب أن يسلموا أن العراق للعراقيين وأن يتخلوا عن حلمهم ببناء دولة عراقية ديمقراطية على النظام الغربي. وقال إنه يحبذ عقد مؤتمر دولي على غرار مؤتمر بطرسبوغ عن أفغانستان إذ تتفق الأطراف العراقية على خطة للمستقبل وأن يحصل العراقيون على الشعور ان مجلس الحكم المؤقت يمثل مصالحهم وليس مصالح واشنطن. وينبغي إجراء انتخابات حرة ووضع شروط لانتشار قوات أجنبية تحت راية الأمم المتحدة ثم يجري عقد مؤتمر للتعاون الأمني على غرار مؤتمر منظمة الأمن والتعاون في أوروبا إبان الحرب الباردة للحديث عن خفض التسلح ونهاية العداءات بين دول المنطقة، كما ينبغي على الولايات المتحدة أن تتخلى عن سياسة الغطرسة التي تتبعها تجاه العالم العربي وإشراك المواطنين العرب في صنع القرارات السياسية، كما ينبغي توفير مقعد في مجلس الأمن الدولي لدولة عربية إسلامية كي يجري الأخذ بآراء العرب والمسلمين، وينبغي على الغرب أن يتعلم جيدا أنه ما من فرق بين ضحايا هجوم 11 سبتمبر وضحايا حرب العراق

العدد 498 - الجمعة 16 يناير 2004م الموافق 23 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً