على رغم كل العقبات والعراقيل ومحاولات البعض زج الحركة النقابية العمالية في متاهات الخلافات المفتعلة، وعلى رغم كل الحملات الإعلامية التي تبنتها إحدى صحفنا المحلية وحشدت لها الأقلام انتصرت الحركة النقابية العمالية وحققت حلما كان يراود الطبقة العاملة البحرينية منذ نهاية عقد الثلاثينات من القرن الماضي. والغريب العجيب في الأمر أن تكون القوى والفعاليات التي تحالفت وعضدت بيان وزارة العمل في محاولاتها لايقاف عجلة التقدم وبالادعاء بعدم شرعية إعلان قيام الاتحاد العام لعمال البحرين، تقف نفسها وتتحالف من أجل إثارة الخلافات وتعطيل حركة التاريخ وعرقلة ولادة الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين!
لكننا نريد أن نستعرض بعض ما أثير ونحن نعلم جيدا ان جزءا منه كلمة حق أريد بها باطل، والجزء الأكبر هو خلط لأوراق واجتهادات ووجهات نظر كان يجب أن تناقش ويقر رأي الغالبية من دون محاولات الإثارة والبلبلة التي نعلم علم اليقين إن لكل من الأطراف والفعاليات المشاركة في هذه الحملة أجندته الخاصة وإن تقاطعت مصالحهم لعرقلة قيام الاتحاد وتعطيل تحقيق طموحات القاعدة العمالية في قيام منظمتها النقابية العمالية.
يبدو أن البعض نسي أو تناسى في زحمة استعجاله لكتابة مقاله الأخير في احدى الصحف المحلية انه إذا أراد الاستشهاد بالآراء المتواضعة التي طرحتها، فإن عليه التعامل معها على أنها رؤية متكاملة ولا يجب ابتسار جزء منها من دون وضعه في موقعه واسقاطه على الوضع الحالي وما تشهده الساحة النقابية، بحيث يوضح الصورة الحقيقية لما أردت إيصاله للقاعدة العمالية والنقابيين!
فقد كتبت محددا وجهة نظري عن ضرورة تكريس مبدأ الانتخاب، لكنني كذلك أوضحت الظروف غير الطبيعية لإعلان قيام الاتحاد في ظل محاولات قوى الردة في مجتمعنا للالتفاف على الحركة النقابية العمالية واجهاض حركتها وسلب مكاسبها واصدار قانون كانت مسودته تفصل بعناية في مطابخ السلطة التنفيذية القانونية. كما أوضحت سلفا أن الديمقراطية في جوهرها هي نزول الأقلية على رأي الغالبية وليست طقوسا لا تتحقق إلا بالانتخابات الشكلية كما هو الحال في أغلب دولنا العربية. ومادامت هذه هي رغبة وقرار الغالبية في القواعد النقابية العمالية فإن رأيي ورأي الآخرين من خارج القاعدة العمالية وفعالياتها النقابية يبقى مجرد رأي تقبل به أو ترفضه هذه القواعد.
من يكلف نفسه عناء البحث في تاريخ وأدبيات الحركة النقابية العمالية في الدول الديمقراطية العريقة سيكتشف وببساطة أن هياكلها التنظيمية قد أٌعدت واستخدمت لأسباب واحتياجات موضوعية كما هو الحال بالنسبة لأية هياكل تنظيمية إدارية. والمجلس المركزي يتم انتخابه من بين أعضاد المؤمر بسبب صعوبة إن لم تكن استحالة جمع أعضاء المؤتمر في تلك الدول عند الحاجة بسبب عددهم وتباعد أماكن إقامتهم. وهذا لا ينطبق على البحرين إذ لن يصل أعضاد المؤتمر خلال السنوات العشر المقبلة لأكثر من 500 مندوب يقيمون ويعيشون علي مساحة محدودة ويمكن جمعهم خلال أيام. ولذلك اقترحت أن تتضمن مسودة النظام الأساسي حق غالبية أعضاء المؤتمر الطلب من الأمانة العامة عقد جلسات استثنائية خلال الدورة الانتخابية لمناقشة القضايا المفصلية أو محاسبة الأمانة العامة أو أي من أعضائها، على أن يكون طرح الثقة بغالبية الثلثين.
كما تحدثت عن الاتجاهات الحديثة في الإدارة لتقليل المستويات العمودية في الهياكل الإدارية والتنظيمية لمنع البيروقراطية وزيادة كفاءة التواصل والاتصال بين المستويات الإدارية والتنظيمية. وشددت على أن ما ينطبق على الهياكل التنظيمية للمؤسسات الربحية ينطبق على المؤسسات التي لا تسعى للربحية كالتنظيمات النقابية ومنظمات المجتمع المدني. لذلك نكرر بأنه لا ضرورة بالأساس لوجود مجلس مركزي، وإن أصر المؤتمر على مثل هذه الهيكلية فلابد من انتخاب المجلس المركزي من بين أعضاء المؤتمر على أن تنتخب الأمانة العامة من بين أعضائه.
لجنة تسلم العهدة (المقترح الذي لم ينجح)
جرت العادة أن يناقش المؤتمر العادي التقارير الإدارية والمالية بعد تدقيقها من قبل المدققين القانونين، لذلك عجبت كثيرا من اقتراح تشكيل اللجنة. والغريب أن يتم نشر الخبر في احدى الصحف المحلية متجاهلا أن الحسابات كانت ومازالت تدقق من قبل محاسب قانوني، وإن لأعضاد المؤتمر وإدارة النقابات الحق في مناقشتها أو التساؤل بشأنها في أي وقت بما في ذلك إسعادة تدقيقها. لكن لغرض في نفس يعقوب تتجه الحملة للتكشكيك في أمانة أعضاء الاتحاد متجاهلة أن رئيس الاتحاد عبدالفغار عبدالحسين جاء بالمبلغ الذي تسلمه من الديوان الملكي ووضعه تحت تصرف الاتحاد ولم يفعل ما فعله نوابنا الأفاضل باحتفاظه بمبلغ المكرمة على رغم شرعية ذلك!
عموما فإن ثقتنا بأمانة رئيس الاتحاد والتزامه بحقوق القاعدة العمالية يفوق بكثير أولئك الذين لم يتمكنوا حتى مهنيا من المحافظة على أمانة مهنهم وتحالفوا مع الشيطان ضد المؤسسات التي يعملون بها على رغم ادعاءاتهم عكس ذلك!
ولكي لا تختلط الأوراق، ولكي يتم فهم الأمور والابتعاد عن العموميات التي يراد بها التضليل، فإن رأينا عن تسييس العمل النقابي ينصب على الابتعاد عن خيارات التقييم للفعاليات النقابية أو انتخابها على أسس سياسية أو بسبب انتماءاتها الحزبية. وعدم ربط النشاط النقابي بالنشاط الحزبي أو المواقف والقراءات الحزبية لأي تيار، بحيث يجب أن تعكس مواقف التنظيمات النقابية رؤيتها وقراءتها الخاصة للأحداث والقضايا الوطنية المفصلية. وذلك لا ينفي ولا يمنع اهتمام الاتحاد النقابي العمالي أو المنظمات النقابية كمنظمات مجتمع مدني جماهيري بالقضايا الوطنية المهمة والمفصلية ولا بتجاهل حقوق ومكاسب الشعب الذي تشكل الطبقة العاملة جزءا لا يستهان به منه. كما لا يمنع أو يعني عدم انتماء الفعاليات النقابية لتيارات أو أحزاب سياسية. ففي نهاية الأمر هذه فعاليات مواطنين لهم كل الحقوق الدستورية وحقوق المواطنة.
ولا يسمعنا في الختام إلا أن نبارك للقاعدة العمالية العريضة نجاح مؤتمرها، ونضع باقة ورد على قبور شهدائها، ونقدم باقة ورد لكل مناضليها وروادها الذين ساهموا وقدموا الكثير خلال سبعة العقود الماضية، ونقول للبعض إن العمل الوطني والنضال النقابي ليس خدمة في مؤسسة تصرف لهم في نهايتها المكافآت والعطايا وليس هو إرثا يورث لروادها. كما نقول لقوى الردة وكل المتحالفين معها موتوا بغيظكم فالقاعدة العمالية تعي مساعيكم وأهدافكم وتتفهم طبيعة وكنه أجنداتكم.
كاتب بحريني
إقرأ أيضا لـ "عبدالمنعـم الشـيراوي"العدد 498 - الجمعة 16 يناير 2004م الموافق 23 ذي القعدة 1424هـ