البعض يعتقد أن الحديث عن «الاقطاع» في القرن الحادي والعشرين غريب وخصوصا أن العالم تحرك كثيرا باتجاه تحديث الاقتصاد ومواكبة متطلبات العصر. غير أننا في البحرين مهددون من طمع «اقطاعي» من شأنه القضاء على أية حركة اصلاحية وانهاك البلاد والعباد حاضرا ومستقبلا.
ببساطة، يمكن لأي شخص اقطاعي أن يصبح ثريا وحتى مليونيرا في البحرين، ليس لأنه يطور في الاقتصاد وليس لأنه يخدم البلاد، وليس لأن لديه اختراعا يخدم الإنسانية من خلاله وليس لأنه تعب يوما واحدا من أجل الثروة المجانية التي يبتلعها. كل ما يحتاجه الاقطاعي هو الحصول على قطعة أرض أو مزرعة كبيرة أو ساحل بحر أو أية بقعة جغرافية بوسيلة من الوسائل. وفي كثير من الاحيان فإن «الاقطاعي» لا يدفع دينارا واحدا للحصول على تلك البقعة الجغرافية، ولكنه يستطيع بعد ذلك بيع تلك البقعة أو الساحل (بعد دفنه وتدمير الثروة البحرية) أو المزرعة (بعد قتل الزرع)، أو بناء فلل وتأجيرها على الأجانب الذين يعيشون في البحرين ويتسلمون معاشات عالية أو أن شركاتهم تدفع أجور سكنهم، أو يقوم بتطوير تلك الأرض لاستخدامه الشخصي وحرمان الناس حتى من رؤية تلك البقعة.
الإنسان العادي يعيش على دخل محدود ولكنه سرعان ما يضطر إلى شراء بقعة أرض، ويضطر إلى إنفاق كل ما يملكه ورهن كل ما سيحصل عليه مستقبلا لدفع ما يطلبه الاقطاعي الذي حصل على الأرض مجانا أو أنه اشتراها بسعر زهيد بطريقة من الطرق.
وكما هو حال الاقتصاد الاقطاعي سابقا، فإن الاقطاعي يعيش على أساس وجود أناس كثيرين يكدحون كالعبيد أو أشباه العبيد لتوفير يد عاملة رخيصة. قديما كان الاتباع والعبيد يعيشون ضمن مقاطعات يملكها الاقطاعيون الذين يحتكرون كل خيرات البلاد، وحديثا فإن «اشباه العبيد» في البحرين هم «الفري فيزا» والايدي العاملة الأجنبية الرخيصة وعدد لا بأس به من المواطنين الذين اضطروا إلى منافسة الفري فيزا والتنازل عن مستوى المعيشة التي تليق بهم.
مقابل كل اقطاعي يتنعم بثروات مجانية، هناك على الاقل ألف مواطن محروم على رغم انه يكدح ليل نهار. وكل دينار يهدره الاقطاعي أو يبتلعه يخرج من دماء المواطن العادي، الذي يرى الثروات الهائلة والمجانية تنهال على الاقطاعي وعلى من يتزلف للاقطاعيين، بينما هو مطلوب منه منافسة اشباه العبيد (الفري فيزا) ... واذا لم يستطع فعليه أن يعيش مقهورا في بلده ومهزوما في داخله ومندثرا من الناحية الحضارية.
الاقطاعي كان سر بلاء أوروبا في القرون الوسطى (ما بين العام 500 - 1500م)، واكتشف الأوروبيون أنه مادام هؤلاء هم الذين يقودون اقتصاد بلادهم فإنهم سيستمرون في العيش في الظلام والتخلف والاندثار الحضاري. وهكذا كانت الثورات والحركات الاصلاحية التي نقلت تلك المجتمعات من الاقتصاد الاقطاعي إلى الاقتصادي الصناعي. وأوروبا حاليا (ومعها الدول المتقدمة اقتصاديا) انتقلت من الاقتصاد الصناعي إلى الاقتصاد المعرفي (بمعنى أن الاقتصاد المعرفي له القيادة مع استمرار وجود الاقتصاد التقليدي). أما نحن فمازلنا محاصرين بالاقتصاد الاقطاعي الذي يهدد بالقضاء على ثمرات الحركة الاصلاحية (بشقيها السياسي والاقتصادي) التي دشنها جلالة الملك في مطلع العام 2001 ... والسؤال هو: متى سنعي أنه لا إصلاح حقيقي و«الاقطاع» يقود الاقتصاد؟
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 498 - الجمعة 16 يناير 2004م الموافق 23 ذي القعدة 1424هـ