حذر الناشط البيئي غازي المرباطي من مغبة توجه وزارة شئون البلديات والزراعة لإنشاء مصنع لحرق النفايات في البحرين، مؤكدا أن تقنية حرق النفايات يرفضها العالم لأضرارها البيئية والصحية الخطيرة.
وأشار المرباطي إلى أنه قام بتاريخ 28 أبريل/ نيسان 2008 بزيارة استطلاعية إلى سنغافورة، بهدف الوقوف على تجربتها الميدانية في مجال تقنية التخلص من النفايات وآخر ما توصلت إليه في هذا المجال، وذلك من أجل حسم الجدل الدائر بخصوص هذا الموضوع، ولتوضيح الفجوة الزمنية الكبيرة بين تجربة سنغافورة التي تمتد لعشرات السنين، ولمعرفة كيفية تطوير تقنية التخلص من النفايات وتحويلها إلى صناعات صديقة للبيئة، ومقارنة ذلك مع توجه البحرين التي لم تبدأ بهذه التجربة حتى الآن .
وذكر المرباطي أنه عندما قرر الدخول في هذا المجال «توجه المسئولون في البحرين لأسوأ صناعات التخلص من النفايات، وللأسف الشديد أنهم قد بدأوا من حيث بدأ العالم في هذه التقنية وهى آلية حرق النفايات، وليس من حيث انتهى إذ يتم التخلص من النفايات بتقنيات بعيده عن الحرق وصديقة للبيئة، ونلاحظ أن النية كانت تتجه لحسم التوقيع على العقود النهائية مع شركات أجنبية لتشييد مخلفات مصانع حرق النفايات، والتي أصبح العالم أجمع بما فيها دول الخليج تتجه للتخلص منها، ونستغرب أن البحرين تعمل على جلبها لتشييد مثل هذه المصانع من دون إجراء دراسات علمية عن مضارها ومخاطرها».
وأضاف الناشط البيئي «بعد ساعات من وصولي إلى سنغافورة اتصلت بإحدى أكبر مصانع التخلص من النفايات، وأبديت رغبتي في التعرف على هذه الصناعة، وإمكانية القيام بزيارة هذا المصنع للاطلاع على التجربة السنغافورية في مجال تقنية التخلص من النفايات، على اعتبار أني من المهتمين والناشطين في المجالات البيئية، وقد فوجئت بالترحيب، وطلبوا مني عنوان الفندق الذي أقيم فيه لإرسال سيارة خاصة بالمصنع لنقلي إلى هناك».
وتابع «بعد نحو أقل من ساعة رن هاتف غرفتي وكان محدثي النائب الأول لمدير المصنع، وعندما استقبلته كان برفقته بعض أعضاء البرلمان السنغافوري من المتخصصين والمسئولين عن المجالات البيئة، وقبل الزيارة قمنا بجولة في بعض المناطق الصناعية، ولاحظت مستوى التنظيم الكبير لهذه المناطق الصناعية من ناحية التخطيطية واكتمال البنية التحتية من حيث المناطق السكنية العمالية، وتوفير كل مستلزمات الحياة خاصة النواحي الصحية والخدمية».
وبين المرباطي أنه «أتيحت لي الفرصة لإجراء سلسلة لقاءات مع عدد من المسئولين في المصنع الرئيسي، وعدد من المصانع الفرعية ألاخرى والبرلمانين، كشفوا لي خلالها عن توجه السلطات السنغافورية إلى تحديد العام 2012 لإغلاق آخر مصانع حرق النفايات لإضرارها البالغة الخطورة، واستبدالها نهائيا بتقنيات التخمير الصديقة للبيئة والتي لا تسبب أضرارا بيئية أو صحية، مؤكدين أن ذلك تم بعد دراسات وأبحاث علمية أجريت على هذه التقنية منذ زمن طويل، حصلت على تقدير من الجماعات الناشطة في المجالات البيئية».
ولفت إلى أن «الجولة استغرقت نحو الثلاث ساعات في مختلف أرجاء المصنع، تبين على إثرها أن هذا المصنع لا يستخدم إطلاقا عملية حرق النفايات، ويجرى التخلص منها باستخدام تقنية التخمير اللاهوائي في معالجة النفايات، ورافقنا بعض المتخصصين فى مجال هذه التقنية لشرح مراحل التخمير وصولا للمرحلة النهائية».
وكشف المرباطي أن كلفة إنشاء هذا المصنع تتراوح ما بين 150 و 180 مليون دولار، وتقدر مساحته بنحو 200 ألف متر مربع، ويقع في المنطقة الصناعية وعنوانها «Tuas bay drive Singapore 63726»، والمسافة بينها وبين وسط المدينة ( سنغافورة ) نحو نصف ساعة باستخدام السيارة.
تدوير النفايات
وفي حديثه عن تقنية تدوير النفايات، قال المرباطي: «قبل البدء بالمعالجة يتم فرز النفايات، حيث تقسم جميع المواد الخطرة والسامة وغير القابلة للتخمر، والمواد المشعة والكيماوية غير القابلة للتحلل، وكذلك جميع المواد القابلة لإعادة تصنيعها (التدوير) تجاريا، كالأقمشة والمواد الورقية والصوفية والبلاستيكية والنايلون والمعادن وغيرها، وهناك مصانع فرعية تقوم بإعادة إنتاج هذه المواد، ويتم تسويق كميات أخرى قبل تدويرها وبعد تدويرها، كما توجد إدارة متخصصة بهذه العملية (التسويق)».
وأردف «هذا النموذج يدخل ضمن فلسفة التقسيم الاجتماعي للعمل، حيث يدخل قطاع اجتماعي واسع في نطاق هذه الأعمال، بالإضافة إلى فوائد التي يجنيها المواطن من بيع المخالفات غير القابلة للاستخدام كالقمامة أو النفايات القابلة للتدوير، فيما تقوم الدولة والمستثمرين بتشجيع المواطنين وأصحاب الأموال للاستثمار في مجالات إعادة تصنيع المخلفات القابلة للتدوير، والمواد القابلة للتدوير يتم تجميعها وتصنيفها في أماكن مخصصة إما للتسويق المباشر أو لإعادة إنتاجها وتدويرها ومن ثم تسويقها، كما تقوم إدارة المصنع بدعم صغار المستثمرين لإنشاء مصانع تدوير المخلفات من خلال توفير المواد الخام القابلة للتدوير».
وأفاد المرباطي بأن «مصانع معالجة النفايات تتشابه في الكثير من خطوات المعالجة، ولكنها تختلف تماما عن بعضها بعضا فى تقنيتها وطريقة معالجتها، إذ اعتمدت بعض الدول في بداية عهدها على تقنيه الحرق، وأنشأت مصانع ضخمة لحرق النفايات، ولكنها بعد سنوات اكتشفت أضرارها ومخاطرها البيئية، وواجهت حملات احتجاج واسعة من المنظمات البيئة العالمية التي تحولت إلى قوة ضاغطة أرغمت الدول الأوربية وأميركا واليابان والكثير من بلدان العالم على إغلاق تلك المصانع والبحث عن البدائل، وبعد سنوات من البحث توصلت منظمات البيئة العالمية إلى أن تقنية التخمير اللاهوائي تتميز بضوابط بيئية وصحية أفضل من غيرها، وخصوصا مصانع حرق النفايات التي سيتم إقامتها في البحرين».
ونوه الناشط البيئي إلى أن «مصانع التخمير اللاهوائي تمرر النفايات على أقسام متعددة، ففي بداية الأمر يقوم عدد من العمال بفرز المخلفات مثل البلاستيك والحديد والمعادن والمواد الثقيلة والأخشاب التي يمكن للعامل أن يراها عبر العين المجردة، ومن ثم تمرر إلى المرحلة الثانية والمتمثلة في عملية الفرز باستخدام المغناطيس الكهربائي لالتقاط شوائب المعادن والأسلاك وغيرها من المعادن، وتأتى المرحلة الأخيرة من عملية الفرز عند تمرير المخلفات المتبقية عبر المياه لتطفو الخفيفة والقابلة للتدوير منها، وتبقي مخلفات الأطعمة وغيرها التي يتم تخميرها في أحواض تسمى الهاضمات لعدة أيام، وينتج عنها غاز الميثان الذي يتم تجميعه في خزانات خاصة لحفظ هذا الغاز الذي يعاد استعماله في تشغيل مولدات الطاقة الكهربائية، وتبقى كمية قليلة من ناتج عملية التخمر يتم تحويلها إلى أسمدة طبيعية خالية من جميع المخلفات الكيماوية الضارة».
الانبعاث الغازية
من التخمير
وألمح المرباطي إلى أن «عملية التخمر من المعروف أنها تنتج بفعل النشاط البكتيري، وبعض التفاعلات الكيماوية الأخرى، وقد سبق أن تحدثنا بإسهاب عن هذه العملية، والسؤال هل تنبعث غازات معينة أو روائح كريهة داخل هذه المعامل أو في محيطها؟ في الواقع لم أتحسس أو أشم أية روائح كريهة، ولكن الاعتماد على حاسة الشم المجردة لم تكن كافية على رغم أني قمت بجولة خارج محيط المصنع وسألت بعض الأشخاص القريبين من هذا المصنع عن آثاره عليهم أو شعورهم بأية روائح كريهة أو غازية، وكانوا جميعا متفقين على عدم وجود مثل تلك الروائح الكريهة، وهذا ما أكده لي عضو البرلمان وإحدى الجماعات البيئة التي ذكرت أن لديها إمكانية رصد مثل هذه المصانع ومراقبة أية انبعاث ضار بالبيئة وبالصحة العامة».
وأضاف «سألت أحد المديرين التنفيذيين عن آلية التحكم في تلك الغازات والنفايات، وكيفية السيطرة على الروائح الكريهة أو غيرها وعدم انبعاثها داخل وخارج المصنع، فقال: نحن نعي جيدا مخاطر الغازات الناتجة عن تفاعلات النفايات، ونتحمل المسئولية المباشرة عن أية أضرار تصيب البيئة أو الإنسان أو المجال البيئي الحيوي، وإذا حدث شيء من هذا فستكون خسائرنا باهظة جدا بسبب التعويضات الكبيرة التي سنجبر على دفعها، وسنتحمل الخسائر الإضافية لشركات التأمين، وهى عملية متشعبة ومعقدة تجعلنا في حذر دائم لتجنب أية آثار قد تنجم عن مراحل المعالجة والفرز، على رغم قناعتنا الكاملة بتجربتنا التي مضى عليها عشرات ولم ينجم عنها أية أضرار بيئية أو صحية تذكر، وذلك بسبب الدقة في التعامل معها من خلال إحكامها في موقع تجميعها أحكاما جيدا، ولكن الحذر دائما من واجبنا الرئيسي، الذي ينسجم مع شعارنا الدائم: ( بيئة نظيفة تساوي حياة سعيدة )».
تدوير المياه المستخدمة في التخمير
ورأى أن «السياسة الاقتصادية التي تسير عليها سنغافورة، جعلتها تستغل جميع مواردها وطاقاتها بالشكل الأمثل حتى لا يتم هدر أي جزء من الثروة الطبيعية أو الصناعية أو البشرية، لذلك لاحظت الحرص الشديد من إدارة المصنع على استغلال كل ما يمكن إعادة إنتاجه، ومن بين ذلك المياه المستخدمة في مراحل التخمير والتدوير ليتم بعدها تدوير تلك المياه، وهي الخطوة الأخيرة التي يجري من خلالها تمرير المياه إلى قسم مخصص في المصنع لمعالجته حتى تصل درجة نقاوتها بحيث تكون صالحة للشرب دون أية أضرار تذكر، ولكنها لا تستخدم للشرب وإنما لاستعمالات أخرى».
وأكد المرباطي أن «كلفة معالجة طن من المخلفات في مصنع التخمير اللاهوائي تتراوح بين 40 و 50 دولارا فقط، وتصل الطاقة الاستيعابية في مصانع التخمير اللاهوائي إلى 500 طن في اليوم، و بين 127 ألف و750 إلى 182 ألف و500 طن في العام، وإذا أخذنا بتقديرات الجهات البلدية في البحرين فإن حجم النفايات يصل سنويا إلى ما يقارب المليون طن، وبالتالي لا نحتاج إلى أكثر من مصنع واحد ذي قدرة وطاقة استيعابية عالية، لأن كمية النفايات المتبقية بعد عملية الفرز والجرد قد تقل عن 100 ألف طن، وبحسب التقديرات فأن أكثر من 80 في المئة من المخلفات قابلة للتدوير، بالإضافة إلى المواد السائلة والمخلفات الثقيلة من الحجارة والركام والمعادن والورق والبلاستيك وغيرها».
العمالة والطاقة الإنتاجية
وأوضح أن «المصنع يتفرع إلى عدد من المعامل الخاصة بالفرز والمعالجة والتدوير وإنتاج الغاز والمياه والتسويق، ويتشعب إلى عدد من الدوائر والأقسام المتخصصة مثل: قسم الكهرباء والهندسة والميكانيكا والكيمياء وبعض الصناعات الجانبية وغيرها، ويقدر العدد المبدئي الثابت لجميع العاملين في المصنع بفروعه وتشعباته بحسب حجم المصنع إلى نحو 350 عاملا، ويصل في أقصاه إلى نحو 1000عامل».
وذكر المرباطي أن «الطاقة الإنتاجية للمصنع من الكهرباء تصل إلى ما يعادل 45 ميغاوات والتي تقدر بـ 45 مليون وات ( أي 45000 كيلو وات)، ويتم تسويق الإنتاج الكهربائي على الحكومة من خلال عملية التوافق بين الطرفين أصحاب المصنع والحكومة في تحديد القيمة النقدية لسعر كمية الطاقة الإنتاجية للمصنع من الكهرباء».
وتساءل «لماذا الإصرار على جلب مخلفات وأنقاض المصانع التي تمنعها معظم دول العالم لأضرارها البيئية والصحية الخطيرة؟ هي حقا مفارقة كبيرة وإساءة بحق هذا الوطن، ففي الوقت الذي تتجه فيه السلطات السنغافورية للتخلص من مصانع حرق النفايات، ذهب وفد ممثل في وزارة شئون البلديات والزراعة لبحث سبل نقلها إلى البحرين، وهذا خطأ كبير بحق الوطن والمواطن علينا جميعا التصدي له».
وقال الناشط البيئي في ختام تصريحه: «تابعنا من توقيع وزير شئون البلديات والزراعة في ديسمبر/ كانون الأول 2008 وتحديدا في 16 منه، التوقيع على إقامة مصنع لمعالجة النفايات بأسلوب الحرق، ومن خلال متابعتنا لملف هذا المصنع لاحظنا أن المناقصة أبرمت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006، ونصت الاتفاقية على إقامة المصنع بعد الانتهاء من إعداد دراسة تقويم الأثر البيئي على هذا المصنع، وتبين لنا أن هناك نوعا من الهدوء في سرعة إقامة المصنع بسبب ما تناقلته الصحف المحلية عن وجود شبهات فساد تحوم حوله، وتطرقت الصحف المحلية إلى الكثير من المعلومات، ولكن تفاجأنا بقيام الوزير بالتوقيع على العقد النهائي وإعطاء أصحاب المصنع مهلة 18 شهر تشمل إعداد دراسة تقييم الأثر البيئي، كما تم تمديد العقد من 15 إلى 20 عام، وقيمة هذا العقد تصل إلى قرابة المليار دولار».
واستطرد «بحسب تصريحات بعض مسئولي الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبئية والحياة الفطرية، فإن مكب المخلفات لا يتسع إلا للسنوات الأربع المقبلة، وليس هناك رقم ثابت لمدى إمكانية تحمل المخلفات الصلبة والمنزلية للمدفن الحالي، فلماذا تم تأجيل إقامة هذا المصنع منذ العام 2006 إلى 2008 وإعطاؤه 18 شهرا، فيما تتحدث بعض المصادر عن أنه في حال بنائه سيحتاج إلى عامين، وبالتالي نتحدث عن 6 سنوات لن تكون خلالها حلول حقيقية لمعالجة النفايات، واليوم طرأ وضع هدد الكثير من المشروعات على المستوى المحلي والعالمي وهي الأزمة المالية العالمية التي شملت جميع الأنظمة الاقتصادية بما فيها النظام البحريني، وبدأت بوادر هذه الأزمة تتضح من خلال تجميد بعض المشروعات الكبيرة في البلاد، وبالتالي نعرب عن قلقنا من أن تتضررالمشروعات المتعلقة بالبيئية من هذه الأزمة وتقوم الدولة بدفع التعويضات من خلال تمديد المهلة ورفع سعر طن المخلفات، ما سيؤثر على العقد والصفقة المالية المتعلقة بالمشروع»
العدد 2347 - السبت 07 فبراير 2009م الموافق 11 صفر 1430هـ
مساعده
اريد معرفة اضرار حرق النفااياات وفوائد حرق النفايات؟؟ واريد منكم المساعده
جــــزآآكم اللــه خيـــر