العدد 497 - الخميس 15 يناير 2004م الموافق 22 ذي القعدة 1424هـ

ماذا يعني أن تكون أفغانيا في المنفى؟

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

عندما يسأل أحد فتاة جميلة في المانيا عن بلدها الأصلي تجيب من دون تردد: أنا أفغانية. ومع ذلك فإن هذه الطالبة التي تبلغ الثامنة عشرة من العمر تعيش منذ ولادتها في ألمانيا، لم تطأ قدماها أرض أفغانستان أبدا ولا تتحدث لغة أبويها إلا بشكل ركيك. إنها تجيب على هذا السؤال مثل كل أترابها من أبناء الجيل الثاني من أفغان المنفى. لكن ماذا يعني (أفغاني) بالنسبة إليهم؟ تبدو جميلة مضطربة غير قادرة على أن توضح الأمر بثقة وتحاول تقديم نصف إجابة: أبواي، ثقافتي، أصدقائي... ثم تهز كتفيها تعبيرا عن حيرتها.

حوميرا الطالبة في قسم الأدب واللغة الألمانية تعترضها أيضا مثل هذه الأسئلة، غالبا ما تواجه بأسئلة عن موطنها الأصلي وتقول: في الماضي كنت أجيب بأنني قادمة من بلاد بعيدة تقع في الهندكوش. حوميرا فتحت عينيها على الحياة في أفغانستان. تضيف: لكنني لم أعرف ما الذي يعنيه أن أكون أفغانية فلست أعرف عن أفغانستان والحياة فيها أكثر مما علمني إياه أبواي. أحيانا كان الأمر يبدو لها كما لو أن الأمر يتعلق بعالم غير حقيقي. في البيت كانت تلعب بإتقان دور الفتاة الأفغانية ولكن خارج البيت كان الأمر بالنسبة إليها سيان. حتى اليوم لا يعرف والدها أنها تدخن فالنساء لا يدخن في أفغانستان. تقول حوميرا: حتى لو سمح والدي بأن أدخن فإنني بأي حال لن أشعل سيجارة أمام أفغان آخرين. تقول موضحة: هناك أشياء إذا مارسناها علنا تسيء إلى سمعة أسرتنا، بعض الأمور علينا التعامل معها كأطفال.

حوميرا وأفغانستان... أفغانية في المنفى وبلد يسوده حرب، وبالتالي فإن مسألة العودة إلى الوطن الأم ليست واردة. وهكذا كبرت حوميرا وترعرعت في المنفى. غدا الانتماء الأفغاني ضربا من الوجود داخل جزيرة. العودة إلى ما يسمى الوطن غير ممكنة فالوطن انتقل منذ وقت إلى الغربة، أخبار أفغانستان تملأ الصحف في ألمانيا. لم يعرف العالم الغربي مكان أفغانستان على الخريطة إلا بعد أن تساقطت القنابل. غيرت القنابل نظام الحكم لكنها لم ولن تغير الثقافة الأفغانية، فالأفغاني يحمل ثقافته معه أينما رحل، والأولاد يورثون هذه الثقافة عن الآباء.

لكن ليس الآباء الأفغان وحدهم يجعلون من الشباب أفغانا في المنفى. إن المجتمع الألماني هو أيضا وبالقدر نفسه يجعل من الأفغان أفغانا في المنفى. هذا ما يؤكده مصطفى مسعود البالغ (25 عاما) من العمر. هناك طبعا فوارق، لا على مستوى المظهر فقط، بل في السلوك أيضا. وكما أن الأميركيين يحددون هويتهم ضمن (الحياة الأميركية) كذلك أنا أحدد هويتي ضمن(الحياة الأفغانية) وإن كانت حياتي قد تعرضت لتداخلات أوروبية بحكم الإقامة الطويلة في ألمانيا. يشعر أفغان المنفى أن لديهم مشاعر مشتركة. هناك عوالم تفصل بيننا وبين الأوروبيين ونحن نعيش في جزيرة وبينما الأفغان يتقاتلون فيما بينهم داخل الوطن، فإننا في الغربة نتضامن مع بعضنا بعضا فنحن جميعا نواجه المصير نفسه. من خلال التغطية الإعلامية المكثفة لأفغانستان نشأت صورة سلبية تماما عن الأفغان: شعب جاهل وبلاد يعبث بها قتلة مأجورون ولوردات حرب. لا تخلو أفغانستان من السلام فحسب بل من المثقفين. لكن هل هذا صحيح؟ من يهتم بالمثقفين الأفغان؟ إن الغرب لا يعرف أن الأفغان يضحكون ويفكرون ويعرفون الكثير عن حضارات العالم. لكن هذا لا يهم الباحثون في شئون أفغانستان الذين يكتفون بالحديث عن الحرب وضحاياها وعن تجارة الأفيون وقد جعلوا أفغانستان دولة عظمى في زراعة الأفيون. كيف يكون هذا ممكنا في ظل وجود عسكري أجنبي مكثف في أفغانستان؟

منذ سقوط نظام الطالبان وتولي حامد قرضاي السلطة على رأس حكومة مؤقتة، تغيرت أمور كثيرة في حياة أفغان المنفى. تجد بينهم من يشتم قرضاي ومن يقول كلاما طيبا بحقه. منذ أكثر من سنتين تتدفق أخبار أفغانستان وفي الأثناء أصبح هناك خط جوي يربط بين فرانكفورت وكابول. تقول حوميرا إن أفغانستان أصبحت شيئا ملموسا بالنسبة إلي وبوسعي أن أكوّن صورة عنها وتضيف بحماس: حصلنا على هوية جديدة بل وأكثر من ذلك، ينظر إلينا الكثيرون بأننا سنشارك بصنع أفغانستان المستقبل، أنه وعي جديد منتشر بين أبناء الجالية وحافز اندفاعة كبيرة بالنسبة إلى كثير من الأفغان.

أما إذا سيعود أفغان المنفى حقا إلى وطنهم الأم فهذه المسألة موضع خلاف. فالعودة غير مطروحة بالنسبة إلى غالبيتهم. معظمهم ولدوا أو ترعرعوا في المنفى ثم يقول هؤلاء بصراحة ان نمط الحياة في ألمانيا مختلف تماما عن نمط الحياة في أفغانستان، ولا يمكن لهم أن يتصوروا بأنهم يستطيعون العيش في الوطن الأم. لكنهم يشعرون بأنهم أفغان ولا مجال للتشكيك بذلك. يجد هؤلاء البديل بأن يعملوا بعد تخرجهم والحصول على وظيفة العمل بمساعدة آبائهم وأقاربهم وتزويدهم بالمال. لكن البعض مثل حوميرا ومصطفى يفكرون بالعودة ولو فترة مؤقتة كي يكتشف كل فرد منهم الجزء الضائع من حياته. ويحلم كل فرد بأن يقدم مساهمة لوطنه مهما كان نوعها. أفغان المنفى يفكرون بالسياسة أيضا. لابد من المشاركة بالمسئولية السياسية فإن لم يكن هذا الجيل الذي يساهم في بناء أفغانستان الجديدة فمن سيفعل ذلك؟

يعيش أفغان المنفى صراع دائم مع الذات، مصادمات مع التقاليد والشعور بعدم الانتماء إلى المجتمع الألماني، العيش بروحين في جسد واحد. تقول حوميرا: قال لي والدي: لا تجعلي حياتك ترتبط بأفغانستان، ما الذي ستفعلينه إذا انهار كل شيء من جديد هناك؟

العدد 497 - الخميس 15 يناير 2004م الموافق 22 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً