انتقد استاذ التاريخ في الجامعة الاردنية والاكاديمي المعروف علي محافظة القيادات الفلسطينية وقال: انها اخطأت حين تجاهلت البعد القومي للقضية الفلسطينية، واعتبرت الصراع القائم صراعا فلسطينيا اسرائيليا، لأنها كانت تخشى من قيود التعريب على القرار الوطني الفلسطيني المستقل وعلى حل القضية الفلسطينية وما نشاهده اليوم هو عواقب إهدار البعد القومي لهذه القضية.
وأضاف في محاضرة دعا اليها منتدى «شومان» الثقافي ان القضية الفلسطينية في المقام الاول هي قضية شعب عربي وقع تحت الاحتلال الاجنبي، وانها قضية آخر استعمار استيطاني على الامة العربية، وهي في المقام الثالث صراع بين العرب من جهة، والصهيونية والغرب الذي يحميها من جهة اخرى مثلما ان ارض فلسطين عربية وان من واجب العرب دولا وشعوبا الدفاع عنها.
ويقول محافظة: «كان لنكبة فلسطين ومأساة شعبها أثر في تشكيل صورة الغرب الاستعماري في الثقافة السياسية العربية وفي الانتاج الادبي والفني وفي الذاكرة الشعبية. وتشبعت القضية الفلسطينية بالرمزية السياسية والدينية، فتركت آثارا عميقة في الضمير الجمعي العربي. وكانت محفزا رئيسيا للنهوض القومي، ودافعا للمثالية السياسية النقية، وارتقت الى مستوى القدسية في ثقافتنا السياسية. واصبحت موضوعا يلهب حماس المؤمنين في المساجد والكنائس، في خطب الجمعة وعظات الاحد. ولم يكن بامكان اي زعيم او سياسي او مصلح اجتماعي ان يتجاهل اغراءها الشعبي.
وقد استغل القائمون على المشروع الصهيوني الاضطهاد الذي تعرض له اليهود في اوروبا وازمة الضمير الغربي نتيجة لذلك، وحدث ان منحت الصهيونية و«اسرائيل» صك غفران للغرب عن اضطهاده لليهود مقابل صك غفران للصهيونية و«اسرائيل» لعدوانها على العرب والفتك بهم. وأدى التداخل العقائدي بين اليهودية والمسيحية الى نشوء علاقات معقدة بين الطرفين. وقامت المسيحية البروتستانتية بإحكام الرباط بين العقيدة والعهد القديم.
ولفت محافظة الى بعض حقائق التاريخ بقوله: «لقد جرب العرب التسوية السلمية منذ ربع قرن ومازالت «اسرائيل» تزداد خطورة وتهديدا لكل العرب بلا استثناء. وادت «الواقعية السياسية» والاعتدال في المطالب الى تمسكها بعقيدتها السياسية وبطشها المتواصل بالشعب الفلسطيني ورفضها استئناف عملية السلام الا بعد استسلام شعب فلسطين لها. وجرب العرب ايضا الحرب مع «اسرائيل» في حرب رمضان 1973 ومنوا بالفشل. واعتقد القادة العرب ان الحل العسكري، للصراع بات مستحيلا، ولاسيما بعد امتلاكها للسلاح النووي. وعلى رغم فشل التسوية السياسية والحل العسكري، سيستمر الصراع في المستقبل لأنه صراع أمة وشعوب مع عدو، وليس صراع حكومات وجيوش. وقد نجحت المقاومة الفلسطينية الشعبية المسلحة في استنزاف العدو الصهيوني بشريا واقتصاديا، وفي زعزعة ثقته بنفسه، وفي تنمية حس المواجهة له من قبل الشعوب العربية.
وفي المراحل الاولى من الصراع استصغرنا دويلة «اسرائيل»، ثم عزونا قوتها الى الدعم الاستعماري، ثم تبينا مصادر قوتها الذاتية في القدرة العسكرية الضاربة والتفوق العلمي والتكنولوجي. وادركنا بالاضافة الى كون «اسرائيل» جيشا قويا وتقانة متطورة واقتصادا متينا، انها نظام سياسي حديث، وتنظيم مجتمعي متماسك على رغم تكوينه الفسيفسائي وعقيدة دينية قابلة للتوظيف وحافز حضاري وصراع وجود، مخزونه الجيوش والمجتمعات والثقافة والزمن. الزمن المتمثل في وعي استراتيجي لا تغيب عنه الثوابت وتوظيف قدرات امتنا فيه بوعي في المستقبل.
وعلى العرب حكومات وشعوب وتنظيمات سياسية ان تتخلى نهائيا عن شعار التضامن مع الشعب الفلسطيني، لأن فكرة التضامن تعني ان الصراع الراهن صراع بين الفلسطينيين و«اسرائيل» وان موقع العرب فيه موقع المساند للاشقاء الفلسطينيين. ولا تصبح «اسرائيل» فيه عدوا قوميا بل دولة محتلة للاراضي الفلسطينية. ونتجاهل بهذا الشعار الدور الاستعماري الذي تقوم به في المنطقة العربية. اما التباهي بالدعم المالي من دول اليسر وبعض الدعم المعنوي من دول العسر للفلسطينيين فالغاية منه نفض اليد من القضية الفلسطينية، وابراء الذمة من تهمة التقاعس عن نصرة شعب شقيق. والمطلوب من العرب تبني سياسة مواجهة شاملة لكل الوسائل الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية والاعلامية والثقافية والاستعدادات العسكرية.
ولن يستطيع العرب ايقاف التردي المتسارع في احوالهم الا بترقية التعاون فيما بينهم، وهم بحاجة ماسة الى بناء قدراتهم البشرية والتكنولوجية الراقية وتحمل كلفها، لأنها سبيل التقدم والنجاح في المستقبل.
والمطلوب من الحركات السياسية الوطنية العاملة في الحقل الجماهيري، والتي لم يتجاوز دعمها للقضية الفلسطينية الدعم المعنوي والالتزام الايديولوجي، ان تعيد النظر في موقع القضية الفلسطينية في سلم اولوياتها وان تعطيها اولوية مركزية في نشاطها السياسي والاعلامي والتعبوي. ولابد لهذه الحركات من مواصلة مقاومة عملية التطبيع الجارية مع العدو، ومن واجبها ايضا تكثيف نشاطها للضغط على اصحاب القرار الرسمي من اجل تخليهم عن سياسات التخاذل والتفريط بحقوق الامة
العدد 497 - الخميس 15 يناير 2004م الموافق 22 ذي القعدة 1424هـ