ومن هنا لاحظ المراقبون تزايد مخاوف الدول المجاورة للعراق من مخاطر تقسيمه، مع توجه الأكراد إلى المطال
على خط مواز، سجل المراقبون العرب التقارب المصري الإيراني، ففي خطوة قد تؤدي إلى تعديل خريطة التحالفات في المنطقة، أعلنت طهران الاتفاق مع القاهرة على استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة بين البلدين، ولكن مصر دعت إلى التمهل، دون أن تنفي وجود الاتفاق. غير ان وزير الخارجية المصري أحمد ماهر عبر عن ترحيب القاهرة بقرار بلدية طهران إزالة اسم خالد الإسلامبولي قاتل السادات عن أحد شوارع طهران واستبداله باسم «الانتفاضة». وعكست الصحف المصرية، أجواء مماثلة إذ أوردت الوفد (المصرية) الخبر بالقول، ان إيران أعلنت بصورة مفاجئة ومنفردة رغبتها في استئناف العلاقات الدبلوماسية الكاملة مع مصر. وفي العنوان لفتت إلى انه «وسط حذر وترقب مصري إيران تعلن عن رغبتها استئناف العلاقات مع مصر» فيما رحبت الأخبار (المصرية) بعودة العلاقات الطبيعية بين مصر وإيران، لاحظت الأهرام ان القرار الإيراني بتغيير اسم شارع خالد الإسلامبولي، جاء ليعبر عن وجود إرادة إيرانية حقيقية للمضي مع مصر في تذليل كل العقبات الصغيرة والكبيرة التي تعترض عودة العلاقات الكاملة بين الدولتين الكبيرتين والقائدتين في العالم الإسلامي والمنطقة. هذا فيما تواجه خطوة تغيير اسم الشارع التي أقدمت عليها حكومة خاتمي بعض المعارضة أيضا من المحافظين المتشددين. وأشارت صحيفة الجمهورية الإسلامية في افتتاحيتها إلى الإسلامبولي على انه «شهيد» وقالت ان تغيير اسم الشارع «هو إهانة للقيم والقضايا الإسلامية والثورية». وأبرزت جميع الصحف العربية، مسألة التقارب المصري الإيراني. وعنونت البيان (الإماراتية) «مصر وإيران تجتازان شارع الإسلامبولي» واعتبرت انها «خطوة تستحق المؤازرة»، لافتة إلى انه طوال سنوات القطيعة، لم تجن أمتنا العربية والإسلامية سوى المزيد من الانشقاق والفرقة، وكان المستفيد الأوحد هم أعداء الأمة، وبالتحديد الكيان الصهيوني الذي لا يستمد قوته إلاّ من ضعفنا وهواننا على أنفسنا وانعدام الثقة في قدراتنا. وقالت الصحيفة الإماراتية، إن «إسرائيل» تدرك تماما ان أكبر ضربة تهز وجودها وتهدد كيانها تتمثل في التضامن العربي والإسلامي ولذلك فإن عودة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإيران يجب أن تحظى بتأييد عربي وإسلامي عارم لأنها تمثل ورقة رابحة لخدمة قضايانا المصيرية ومواجهة المخاطر التي تحدق بنا.. واعتبرت «البيان» ان إعادة العلاقات بين البلدين لا تخدم مصالحهما فحسب بل تعزز من مكانة العالم الإسلامي ويمكن أن تعالج أيضا الخلل في التوازن السياسي والإقليمي الذي تشهده المنطقة. واعتبرت الوطن (القطرية) أنباء العلاقات الثنائية بين مصر وإيران التي على وشك أن تشهد تغييرا كبيرا إلى الأفضل، أخبارا سارة للأمة العربية والإسلامية. وأبدت ثقتها في ان القادة في الدولتين قد فطنوا أخيرا إلى ان التحديات الإقليمية والدولية المتفاقمة التي تواجه الأمة العربية والإسلامية تتطلب أكثر من أي وقت مضى توحيد الجهود وتوثيق التضامن، انطلاقا من وشائج العقيدة الدينية ومنطق التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك. لكن الكفاح العربي (اللبنانية) لفتت في العنوان إلى ان «القاهرة تتهم طهران بالاستعجال في إعلان عودة العلاقات» وكتب إبراهيم بيرم في النهار، تحت عنوان «ماذا ستخلع طهران الإسلامية بعدما خلعت اسم الإسلامبولي؟». ولم يستغرب أن تخلع طهران عن شارع من شوارعها اسم خالد الإسلامبولي، أحد المساهمين في اغتيال الرئيس المصري الراحل أنور السادات، كإحدى المقدمات الضرورية لتقبل القاهرة بإعادة العلاقات الطبيعية معها. فإيران شرعت منذ أعوام عدة في خلع تدريجي للكثير من الأكسية التي تقمصتها منذ تأسست فيها الجمهورية الإسلامية قبل نحو 24 عاما، في رحلة تحولات وتبدلات متسارعة تطاول هذه الدولة، من قمة هرم سلطتها إلى داخل رحمها الاجتماعي، إلى درجة ان الذين هم على تماس مع تلك التحولات يتكهنون على سبيل التندر بأن الخلع سيطاول عاجلا أم آجلا الرمز الإسلامي الأول وهو الحجاب المفروض الذي بدأ منذ زمن رحلة «الزحل» إلى الوراء حتى استحال نصف حجاب في جنوب طهران وربع حجاب في شمالها. لكنه أكد ان كل ذلك لا يعني إطلاقا ان إيران الإسلامية ستخلع بين عشية وضحاها عباءتها، أو تتخلى عن جلدها، ولكن الواضح ان خلع اسم شارع فرض في السنة الأولى للثورة، ستعقبه عمليات مماثلة. من جانبها القدس العربي (الفلسطينية) لاحظت ان هناك حالة غزل بين إيران والولايات المتحدة خرجت إلى العلن بعد الزلزال الأخير في «بام» لكنها رأت انه من غير الطبيعي أن تتحسن العلاقات الأميركية الإيرانية قبل أن تتحسن نظيرتها المصرية الإيرانية... وإذ أكدت ان مصر لم تتغير، واتفاقات كمب ديفيد ما زالت باقية، والسفارة الإسرائيلية في القاهرة ما زالت في مكانها، رأت ان إيران هي التي تغيرت، وثورتها الإسلامية شاخت وباتت تشعر بالعزلة في محيطها، ولهذا بدأت ترمم الجسور مع الجوار الإقليمي، وتقدم تنازلات هنا وهناك لكسر هذه العزلة، وزيادة فرص البقاء. كما لاحظت القدس العربي، ان المنطقة تغيرت، فالشيطان الأكبر الأميركي بات دولة جوار. لكن الصحيفة الفلسطينية أكدت أيضا انها ضد قطع العلاقات بين الدول الإسلامية ومع استمرارها مهما كانت الظروف ونرحب بعودتها ولكننا في الوقت نفسه ضد التلاعب بمشاعر الشعوب وخداعها بالشعارات. ولاحظ أحمد الربعي في الشرق الأوسط اللندنية ان هذه السنة بدأت بالمصالحات في منطقة الشرق الأوسط التي تمثل واحدة من أكثر مناطق العالم توترا والتي أضاعت فرصا كبيرة للتنمية، وأهدرت طاقتها في التوترات والنزاعات وسيطرة الانفعالات وغياب العقل. مشيرا إلى زيارة الرئيس الأسد إلى أنقرة التي رآها خطوة مهمة. كما لفت الربعي، إلى الخطوة الإيرانية الإيجابية باتجاه مصر حين ألغت اسم قاتل الرئيس السادات وأحرقت الطوابع التي تحمل صورته. ولاحظ الربعي، ان سقوط نظام صدام خلق مصالحة تاريخية بين الكويت والعراق وتحولت العلاقة من قطيعة وإغلاق حدود إلى علاقات صداقة متينة تتطور باستمرار. فاعتبر انه إذا كان الشرق الأوسط يسير نحو المصالحة والعقلانية فإن هذا يعني ان مرحلة من التوتر والعنف وسباق التسلح قد بدأت تأفل لصالح علاقات شعوب أضاعت الوقت والجهد والمال في صراعات عدمية. لكنه رأى ان هناك قضيتين أساسيتين ستظلان مصدر قلق وتحتاجان إلى عمل دؤوب وهما قضية السلام وإقامة الدولة الفلسطينية، وقضية المصالحة بين الحكومات والشعوب في بعض الدول العربية التي اندفعت باتجاه المصالحة مع الخارج ولكنها بحاجة إلى المصالحة مع الداخل ومع شعوبها
العدد 496 - الأربعاء 14 يناير 2004م الموافق 21 ذي القعدة 1424هـ