العين بالعين والسن بالسن... هذا شعار القاضي البرازيلي جوليير سيباستياو دا سيلفا البالغ من العمر 34 عاما. وقد أصبح اسمه لامعا وتعدى حدود البرازيل والسبب أنه تحدى الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم ورفع من شأن بلاده. عبر هذا القاضي عن شجاعته حين زج في السجن أحد كبار رجال المافيا ثم منع بناء مشروع للمياه على حساب المواطنين في مدينته كويبيا والآن يتحدى القوة العظمى... لماذا؟ لأن العم سام لا يحظى في دول أميركا الجنوبية بسمعة طيبة، إذ يقف المواطنون في طوابير أمام القنصليات الأميركية حين يضطرون للسفر إلى أميركا الجنوبية. ولا يحصل الفرد منهم على تأشيرة دخول إلى بلد الإمكانات اللامحدودة والحريات التي أصبحت محدودة من دون الاستسلام لأسئلة موظف القنصلية الذي يبحث في أدق التفاصيل المالية والعائلية. بالنسبة إلى الأميركيين جميع الأشخاص الذين يريدون دخول بلادهم، يخططون للبقاء فيها للأبد. وهكذا اختلط الحابل بالنابل فلم تعد هناك تفرقة بين طالب يطلب العالم أو رجل أعمال أو سائح فالقانون فوق الجميع ومن يريد نيل التأشيرة عليه أن يملك أعصابا باردة.
منذ بحر الأسبوع الماضي يقف حملة التأشيرات في طوابير ليس أمام القنصليات العامة هذه المرة وإنما قبالة موظفي دائرة الهجرة والجوازات في مطارات الولايات المتحدة وينظرون بحسرة إلى البريطانيين والألمان وهم يعبرون الحدود من دون عائق. ومن يحتج على الإجراءات الجديدة التي بدأت الولايات المتحدة العمل بها مثل بصمات الإبهام والتقاط صور الوافدين، تنتظره غرف الإبعاد وينتظر أول طائرة عائدة إلى بلده كي يحتل أحد مقاعدها. لم يطق قاضي كويبيا تصرف القوة العظمى ووجد أن هذه المعاملة تشابه معاملة النازيين لليهود قبل الحرب العالمية الثانية حين أجبر اليهود على وضع نجمة داوود على صدورهم علامة انتمائهم الديني. ولهذا قرر القاضي جوليير سيباستياو دا سيلفا أن يجري العمل بالمثل مع المواطنين الأميركيين الذين يزورون البرازيل وقال مداعبا: يتعين علينا أخذ بصمات أصابعهم وصورا لهم كما نشترط أن يعزفوا مقطوعة على آلة البيانو. كل ما تذرع به القاضي البرازيلي الشجاع أنه استند في قراره على القانون الدولي الذي ينص على المعاملة بالمثل بين الدول.
دا سيلفا ضد بوش...
عند وصول المواطنين الأميركيين هذه الأيام إلى المطارات والموانئ البرازيلية يحتاجون إلى ثماني ساعات قبل الخروج من أرض المطار وهذا عائد إلى أن التقنية التي يستخدمها موظفو الهجرة والجوازات البرازيليون ليست في مستوى التقنية التي يستخدمها نظراؤهم في مطارات وموانئ الولايات المتحدة. بينما يبصم البرازيلي بإبهامه في الولايات المتحدة يبصم الأميركيون بالعشر في البرازيل. الأمر الذي دفع المواطن الأميركي سكوت هال إلى التصريح: إنهم يعاملوننا كمجرمين. ولا يجد البرازيليون صعوبة في الإجابة على احتجاجات الأميركيين وتكفي الإشارة إلى القوانين الجديدة في الولايات المتحدة وحق الدول في التعامل مع بعضها بالمثل أي العين بالعين والسن بالسن. وذكرت وكالات الأنباء أن ستمئة سائح أميركي كانوا على متن السفينة «أمسترادام» توقفت بعض الوقت في ريو دي جانيرو، رفضوا النزول منها لقضاء بعض الوقت في مدينة السامبا بسبب الإجراءات التي تطبقها السلطات البرازيلية على المواطنين الأميركيين. وتمكن زوجان من كندا من مغادرة السفينة لأن القوانين المحرجة لا تنطبق على مواطني كندا. وصاح أحد السياح الأميركيين: ليتني كنت كنديا.
إن المشاهد التي يتم تسجيلها في مطارات وموانئ المدن البرازيلية هي بمثابة بلسم على جرح كبير تشكو منه دول أميركا اللاتينية من الأخ الأكبر. من المكسيك إلى فنزويلا، صفق الكثيرون لشجاعة القاضي المحلي في كويبيا، جوليير سيباستياو دا سيلفا ودعت وسائل الإعلام في دول أميركا الجنوبية إلى تطبيق الإجراءات التي تعمل بها سلطات البرازيل بحق مواطني الولايات المتحدة. الملفت للنظر أن واشنطن تجد صعوبة في فهم سبب الخطوة الجريئة للقاضي البرازيلي وطلبت وزارة الخارجية الأميركية من الحكومة البرازيلية العمل من أجل التوقف عما وصفته بعرقلة أمور مواطني الولايات المتحدة... عجيب أن ترى واشنطن المجريات في العالم دائما بعين واحدة
العدد 495 - الثلثاء 13 يناير 2004م الموافق 20 ذي القعدة 1424هـ