العدد 495 - الثلثاء 13 يناير 2004م الموافق 20 ذي القعدة 1424هـ

فرنسا والحجاب (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى الآن لاتزال قضية الحجاب في فرنسا تتداعى. فالحكومة مصرة على موقفها، ويرجح ان البرلمان سيوافق على قرارها بمنع ارتداء الحجاب أو ابراز الرموز الدينية في المدارس الرسمية.

قضية الحجاب في فرنسا ليست جديدة، فهي مسألة متواصلة منذ ثمانينات القرن الماضي وتفجرت مرارا في حوادث جزئية في اكثر من مكان ومدينة وتدخلت بشأنها هيئات وجمعيات غير متفقة اساسا على الموضوع.

الجديد في المسألة هو عودة الحكومة الفرنسية إلى اعادة طرح الموضوع بهذه الحدة في وقت كان بالامكان تأجيل حل المشكلة إلى فترة مناسبة تكون فيها الاطراف المعنية مستعدة للبحث في قضية تطاول المعتقدات وتمس هوية الجماعات الدينية التي يتألف منها المجتمع.

هناك اكثر من تفسير الا ان الشائع حاليا هو تكرار القول ان فرنسا دولة جمهورية علمانية لا تقبل بعادات وشعارات تخالف منطلقاتها المبدئية التي نهضت عليها الجمهورية العلمانية. هذا القول ليس جديدا. الجديد في التوقيت هو تلك التفسيرات التي اعطيت لمبادرة الحكومة وتشجيعها على صدور قانون عن البرلمان بهذا الشأن.

أهم تلك التفسيرات ذاك الكلام الذي تحدث عن ان صدور القانون يستهدف حماية المسلمين وتشجيعهم على الاندماج ومنع حصول حوادث فردية قد تتحول في المستقبل إلى فتن واضطرابات.

هذا الكلام يذكر إلى حد كبير بالضربات الاستباقية السياسية التي تتبعها الإدارة الأميركية بذريعة منع حصول مكروه معين فتلجأ «البنتاغون» إلى خوض حرب من دون وجود اسباب شرعية وعادلة تبرر المعركة ولكنها ترى فيها ضرورة لمنع احتمال حصول شجار مفترض أو يحتمل ان يحصل. فالقرار اذن هو اشبه بضربة استباقية ثقافية تبرر حصولها قبل موعد حصولها المتوقع أو المفترض بذريعة منع حوادث ربما تقع في المستقبل.

هذه الضربة الاستباقية الثقافية يفسرها بعض المدافعين عنها انها تريد حماية المسلمين من المجتمع وتشجيع الاقليات على الاندماج والتكيف مع عاداته وتقاليده. فهي ضربة ضد عنصرية محتملة أو محاولة احتواء مشكلة يفترض المشرّع الفرنسي انها قد تحصل في المستقبل إذا استمر الوضع على ما هو عليه.

والسؤال هل صحيح هذا الكلام - التفسير للقرار الحكومي؟ يمكن اعادة النظر في الاجوبة في حال اعدنا قراءة التفسير باسلوب مقلوب أو معاكس.

مثلا لماذا لا يقال ان الضربة الاستباقية الثقافية تهدف إلى حماية دولة الجمهورية العلمانية من جماعات دينية غير علمانية. ولماذا لا يقال ان القانون يريد ان يمنع اندماج الجماعات الدينية أو يعطل حماسها للاندماج. ولماذا ايضا لا يقال ان قرار الحكومة لا يشجع الاقليات الدينية على التكيف مع عادات وتقاليد تعتبر جديدة على موروثاتها ونهج حياتها اليومي وسلوكها الاجتماعي.

هذه القراءة المقلوبة تعيد ترتيب قرار الحكومة واقتراحها بتحويله إلى قانون يصدر عن البرلمان وفق الاحتمالات المضادة الآتية: أولا، القرار يريد حماية العلمانية لا المسلمين. ثانيا، انه يريد حرق المراحل والدفع نحو الاندماج قسرا وبقوة القانون. وثالثا، انه يريد كسب عطف الشارع الفرنسي الذي يسيطر اليمين العنصري على نسبة لا تقل عن 14 في المئة من اصوات الناخبين.

واخيرا، وهذا هو الأهم، فإن مثل هذه القرارات تساعد على تغذية التطرف في الجانب الآخر وتسهم عن غير قصد في تبرير تطرفه باسم الدفاع عن الهوية الدينية.

القراءة السياسية لقرار الحكومة الفرنسية تساعد كثيرا على فهم الكثير من الخلفيات الايديولوجية التي لا تقال عادة في مثل هذه المناسبات

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 495 - الثلثاء 13 يناير 2004م الموافق 20 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً