لا يمكن للكاتب المسئول أن يكون كالضفدع عيونه كبيرة تشاهد كل شيء وليس له دور الا النقيق كما يفعل بعض كتابنا الأفاضل، فمنذ اندلاع الشرارة التي أطلقها المدير العام للتأمينات عن الإفلاس وهم نائمون... أين ذهبت كتاباتهم؟ أين ذهبت نخوتهم الوطنية؟ بعضهم يجلس على التل كالبطريق يشخر نوما ليس له دور غير الأكل والنوم، والغريب أن هذه النخوة التي تقطر دسومة وطنية لا تبدأ بالكتابة الا لتجَّير تصريحا هنا أو هناك تستغله من أجل «الضرب تحت الحزام» حتى لو كان التصريح طرح في سياق خاص. أمثال هؤلاء الصحافيين كُثر، خصوصا اذا كانوا يعانون من ترهل فكري قد ينعكس على الجسد فيصبح شحوما منهدلة ينظف من خلالها طريق «الوطنية الخاصة والمزعومة».
كل يوم يخرج علينا صحافي من خلف لحاف النوم ليعلن عبر صفارة الإنذار على طريقة الفنان الكوميدي «اسماعيل ياسين في الجيش» ليقول: هناك متآمرون وهناك نواب يريدون النيل من الوطن، وهناك وهناك... أعتقد أن نغمة التسعينات قد ولّت بلا رجعة... بالأمس كان بإمكان كل صحافي ان يستفرغ يوميا على الناس ويزايد على وطنيتهم إذ لا معلومات ولا أرقام ولا فضائح، اما اليوم فالقضية تغيرت وها هي المنطقة بأسرها في تغير... «ففريد غازي يريد الفتنة» كما هي الإشارات التي تبتعث هنا وهناك، وعبدالهادي مرهون يريد أن يكسر أعمدة التغيير، ومحمد خالد... «يلقي الاتهامات جزافا» وهكذا دواليك كل يوم ضحية.
الديمقراطية تستمر بإعطاء مزيد من الديمقراطية لا أن يلجم النواب بالمطارق كأننا في محاكم للتفتيش.
والغريب في الأمر انهم لا يريدونك أن تناقش أزمة فضائحية خسّرت البلاد والعباد الملايين من الدنانير... هذه حقوقنا، هذه أموالنا، إن تكلمنا أصبحنا «متآمرين» وإن سكتنا صرنا «محبين للوطن»... ما هذه الثقافة العوجاء يا مثقفين ويا كتّاب؟
قلتم تريدوننا أن نعمل بالأسلوب الحضاري والسلمي بعيدا عن تجييش الشارع، وهاهم النواب قالوها في البرلمان، والصحافيون والكتاب كتبوها في الصحافة وليس في المنشورات السرية كما في السابق، اذا لماذا هذه الفزعة والخوف من كشف المستور؟ ومن الذي يمتلك حق وضع الناس في خانة الوطنية أو التخوين؟
ملف افلاس الهيئتين جاء بالأرقام وإلى الآن لم يرد ولا مسئول واحد على أيّ رقم طرح! نقول لهم: خسائر بالملايين حدثت، يقولون: صحيح، لكن وضع الهيئة جيد الآن بل فوق الممتاز على حد تعبير مجيد العلوي. وهذا التبرير يأتي على طريقة جحا عندما أصبح تاجرا وكان يمتلك عشرة ملايين دينار خسر منها 7 ملايين... الناس تأثرت لجحا فقالت له: جحا لقد خسرت 7 ملايين... فأجاب ضاحكا بقلب مطمئن: لا عليكم أنا الآن وضعي فوق الممتاز هل تعلمون أن لدي الآن 3 ملايين دينار؟!».
ولذلك كلامنا ليس فيما بقي وإنما في الذي ذهب كيف ذهب؟ وكيف يعوض؟ وكيف يسترجع؟ لقد أقر الوزير مجيد العلوي وتحت قبة البرلمان ان الخسارة الكبرى حدثت عندما تم تخفيض الاشتراكات - بسبب تدخل الحكومة - في الثمانينات! ورد عليه عبدالنبي سلمان: كذلك سنغافورة خسرت لكنها رفعت الاشتراكات بعد ذلك بمدة، فلماذا لم ترفع هنا؟ إذا من المسئول عن الملايين التي ذهبت؟ يقول الوزير: الحل الآن في رفع الاشتراكات بمعنى ان الناس هي التي ستدفع الضريبة، ضريبة الاهمال والتسيب والتجاوزات والتبرعات! بالأمس الوزراء الأفاضل يتبرعون من أموال الهيئتين بآلاف الدنانير واليوم الناس تطالَب بالرفع من اشتراكاتها؟... لماذا لا يدفع الوزراء أنفسهم من أموالهم الخاصة؟ لأنهم قاموا بالتبرعات من غير أي مستند قانوني؟ الناس أمنوكم على أموالهم لماذا تقومون بالتبرع بها مرة الى مستشفى السلمانية، ومرة الى الجمعية العلانية، ومرة... الخ؟
اما في التقاعد فالحزن يطول... فقد تم صرف مبلغ كبير على الطابق الثاني عشر وما أدراك ما الطابق الثاني عشر؟! مكتب المدير وما أدراك ما مكتب المدير؟! مكتب فخم مبالغ في الفخامة والأثاث والأناقة... ألوف الدنانير، والسؤال: بأموال من تم تفخيم هذا المكتب وتجديده على رغم انه كان جديدا فلا يحتاج الى تجديد اضافي مبالغ فيه؟ هل باستطاعة وزير الاقتصاد سيف أن يخبرنا عن سعر مناقصة ترييش هذا المكتب وبأموال من تم انجاز هذا الصرح الحضاري؟ حتى لا يتهمنا أحد بالمبالغة نتمنى من الوزير أن يطرح أسعار كلفة هذا المكتب ومن أموال من صرفت؟ ونريد معرفة أسعار بعض الخرائط التي قدمت الى أحد المكاتب الهندسية؟ هل لكم أن تجيبونا؟
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ