العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ

شهر على اعتقال صدام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حتى اليوم مضى شهر على اعتقال الرئيس العراقي السابق صدام حسين. والسؤال ماذا حققت إدارة الاحتلال من مكاسب في هذه الفترة؟ فالإدارة كانت تقول الكثير من الأشياء عن دوره في المقاومة، فماذا تغير منذ اعتقاله؟

سابقا كانت إدارة الاحتلال تنسب معظم العمليات إلى حزبه وترى أن المقاومة أساسها التمويل. فالمقاومون يقاتلون، كما يرى الاحتلال، من أجل كسب الأموال لا للدفاع عن استقلال العراق وسيادته. وبسبب ذاك الربط الآلي بين صدام والمال والمقاومة مال الاحتلال إلى تحليل فرضية تقوم على معلومات ساذجة وهي: اعتقال صدام يحرم المقاومة المال وبالتالي فإن حجز الأموال يعني وقف عمليات المقاومة.

هذه الفرضية ليست الكذبة الوحيدة التي اعتمدها الاحتلال فهناك سلسلة لا تنتهي من الاختراعات بدأت إدارة الحزب الجمهوري بتداولها قبل ضربة 11 سبتمبر/ أيلول وانتظرت اللحظة المناسبة لإطلاقها دفعة واحدة تنفيذا لمشروع استراتيجي كبير يمتد من أفغانستان إلى فلسطين.

سلسلة الأكاذيب كانت أساسا تهدف إلى اختراع أزمات تبرر تدخل الإدارة الأميركية بذريعة حلها أو تطويقها أو استيعابها تحت سقف مكافحة الإرهاب. اخترعت الإدارة الجمهورية سلسلة أزمات لاختبار موازين القوى الدولية ومدى قدرتها منفردة على قيادة استراتيجية ترى في الولايات المتحدة القوة الوحيدة القادرة على إحداث تحولات لمصلحتها عن طريق القوة التي أطلقت عليها تسميات مختلفة مثل الحروب الدائمة والضربات الاستباقية.

الأكاذيب (اختراع الأزمات) وصلت الآن إلى مداها السياسي فهي دوليا لم تكسب ثقة الرأي العام العالمي ولم تربح الدول الكبرى إلى جانبها. وأميركيا بدأت تتكشف يوما بعد يوم الكثير من المعلومات (الاختراعات) التي اعتمدتها الإدارة لشن حروبها المجنونة التي دمرت الكثير ولم تنجح حتى في إعادة ما دمرته.

أفغانستان مثلا لاتزال تعاني من مشكلات لا تقل خطورة عن تلك الفترة التي حكمت «طالبان» خلالها دولة معقدة في تركيبها القبلي واللغوي والجغرافي. والعراق الذي وعدت إدارة الاحتلال بتحويله إلى «نموذج» يحتذى في «الشرق الأوسط» في أقل من سنة بات في وضع أسوأ بكثير على مستوى الخدمات العامة مما كان عليه قبل الحرب والاحتلال. فالمياه ملوثة والأمراض تتفشى والكهرباء مقطوعة والأمن مفقود والغلاء فاحش ونسبة العاطلين عن العمل إلى ارتفاع. هذا على مستوى الأمن والخدمات العامة، بينما الوضع السياسي أسوأ من السابق. فالدولة غائبة وما تبقى منها مجرد أشلاء مبعثرة على مراكز قوى لا تملك الإرادة ولا الصلاحيات. والقوى الفاعلة في المجتمع (المرجعيات الدينية) مغيّبة ومستبعدة. والمشروع البديل والواضح عن تلك الوعود عن «العراق الجديد» لايزال طي الكتمان، فكل فئة سياسية (قومية، مذهبية، جغرافية) تراهن على أن «الجديد» سيكون لصالحها، في وقت يخطط الاحتلال إلى ما هو أسوأ من القديم.

ففي وقت تتباهى الإدارة بنتائج الاحتلال تبدو الأمور سائرة نحو المزيد من الاضطراب الأهلي بسبب تفاقم الأزمة الاجتماعية واندفاع القوى السياسية نحو تسجيل المزيد من النقاط، الأمر الذي يفترض احتمال حصول اصطدامات محلية بين مختلف أطياف المجتمع وهذا ما يريده الاحتلال حتى يبرر وجوده ودوره في دولة كان هو السبب في تمزيقها إلى جغرافيات ومناطق ومذاهب وطوائف.

حتى حرية الصحافة والإعلام التي تباهى بها الاحتلال أخذت تعاني من قيود وملاحقات وشروط تذكّر ببدايات ظهور النظام القمعي في بغداد. حتى تلك المعتقلات التي تباهى الاحتلال بغلقها أعاد فتحها مجددا لتستوعب 18 ألف معتقل وُجهت إليهم اتهامات سياسية من دون إجراء تحقيقات عادلة ومحاكمات نزيهة.

إلى ذلك، هناك الكثير من القتل المجاني والملاحقات العشوائية والمداهمات الليلية والصباحية وغيرها من أساليب بطش تذكر بالتكتيكات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة التي تُدار يوميا من قبل سلطات الاحتلال بذرائع شتى أقلها توجيه ضربات استباقية إلى خلايا الإرهاب (المقاومة).

ليس المهم ما يقول الاحتلال عن نفسه. المهم مراقبة الأوضاع ميدانيا لمعرفة الأهداف الحقيقية التي جاء من أجلها الحزب الجمهوري إلى أفغانستان والعراق. وأيضا ليس المهم ما كان يقوله الاحتلال عن صدام قبل اعتقاله وعن المقاومة بعد اعتقاله. المهم متابعة الحوادث التي كشفت أن الاعتقال أعطى نتائج معكوسة، فهو أراح قطاعات واسعة من الشعب العراقي وأعطى استقلالية سياسية - نفسية للمقاومة وأسقط تلك المقولة التي اعتمدت نظرية «إن انتصار المقاومة يعني آليا انتصار صدام وعودته إلى السلطة». هذه المقولة سُحبت بعد شهر من الاعتقال من سوق تداول الأكاذيب (اختراع الأزمات)، فالمقاومة استمرت من دون صدام وأمواله. والاحتلال مثله مثل أي احتلال في العالم لايزال يبحث عن ذرائع (اختراع أكاذيب) لتبرير وجوده

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً