العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ

حق التمتع بالطبيعة: من الاقطاع الى الديمقراطية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

واحد من الحقوق البديهية لمواطن أية دولة هو حقه في التمتع بطبيعة بلده، ومن العار على أية حكومة تعيش في العصر الحديث ان تمنع أو تحجب أو تصعب أو لا تسهل على مواطنيها التمتع بطبيعة البلاد التي تحكمها.

العهد الاقطاعي الذي سيطر على معظم بلدان العالم قبل عدة قرون كان يحرم الناس الذين يعيشون في بلد ما - ويطلق عليهم آنذاك أتباع الملك، أو أتباع صاحب الأرض - من التمتع بالطبيعة التي وهبها الله لتلك البلاد. ذلك لأن الفهم الاقطاعي للحياة يعتمد على حرمان الاتباع من متعة الحياة الدنيا إلا إذا كان ذلك برخصة مباشرة من سيد الأرض (الاقطاعي) ومقابل خدمات شخصية يسديها التابع للسيد.

ولذلك فإن البلدان التي تنقلب فيها الأوضاع نتيجة ثورة «الأتباع» على «الأسياد» تشهد في العادة مصادرة الأراضي والأملاك واطلاقها بصورة عامة الى الناس، أو تأميمها أو تحويلها الى وقف تابع للوطن، بحسب جدية الطرح الثوري الذي آمن به «الأتباع» قبل قلب الأوضاع على «الأسياد».

بلدان أخرى (مثل بريطانيا) استحدثت قوانين وأعراف طوعية ساهمت بشكل كبير في منع الثورات على الاقطاع وسهلت (مع الزمن) تحول الأوضاع من العصر الاقطاعي الى العصر الصناعي ولاحقا إلى العصر «ما بعد الصناعي». ومن القوانين التي اعتمدتها بريطانيا هي الاعتراف بحق المواطن في المرور عبر الأراضي الشاسعة التي يملكها الاقطاعيون، وهو ما يعرف بـ Right of passage بمعنى أن على أي صاحب أرض زراعية أو تلة أو جبل أو مساحة مفتوحة أن يفسح المجال للمواطن (الذي لم يعد تابعا للاقطاعيين) أن يمر في الأراضي التي يمتلكها ضمن مخطط وطني عام يرسم خطوط المشاة وراكبي الخيول... الخ. ولذلك فإن البريطاني يمكنه أن يتجول تقريبا في كل مكان على رغم أن كل بقعة تقريبا مملوكة لأحد «اللوردات» أو الأثرياء.

أعراف بريطانية أخرى ساهمت في تحويل البلد من الاقطاع الى الديمقراطية، وهي تدور حول «كرم» بعض الأثرياء. وهذا الكرم حقيقي، ولذلك فإنه من المعتاد جدا أن تسمع أن «هذه الحديقة ملك لفلان وقد وهبها وقفا عاما لعامة الناس للاستمتاع بها...» أو أن «هذا المنزل الكبير الذي يحتوي على أفضل التحف يملكه فلان وقد أوقفه كمتحف يزوره الناس... الخ». وهناك الآلاف من القصور والمنازل والحدائق والمتاحف التي يوقفها الأثرياء لعامة الناس ويخلدون بذلك ذكراهم. وحتى منزل عطلة الأسبوع (The Cheguers) الذي يستخدمه رئيس الوزراء البريطاني انما هو هدية من أحد الأثرياء لرئيس الحكومة التي ينتخبها الشعب، وهو هدية ليست لرئيس الوزراء وإنما للشعب أساسا يستخدمها مؤقتا رئيس الوزراء أثناء فترة انتخابه...

في بلادنا لا توجد قوانين تعطي الحق للمواطن بالاستمتاع بطبيعة البحرين، ولا يوجد لحد الآن كرم من أحد الأثرياء. فلم نسمع أن الأثرياء فتحوا سواحلهم أو قصورهم أو ما لديهم من تحف فنية أو رسومات الى الشعب. فالكرم الذي يتميز به ابن البحرين يبدو أنه مرتبط بالمستوى الاقتصادي، إذ ان الكرم يزداد كلما ازداد فقر الشخص. وهذا ما يفسر ان التبرعات أثناء الأزمات التي تمر على العالم العربي والاسلامي تأتي غالبيتها من الفقراء الذين لا يظهرون أسماءهم ولكنهم يقتطعون نسبة كبيرة من معاشاتهم من أجل الخير

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 494 - الإثنين 12 يناير 2004م الموافق 19 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً