لم تكن الصورة التي توقعها الحضور هي الصورة التي ظهرت بها محاضرة عبدالمالك سالمان في الملتقى الثقافي الأهلي، فلم تعدو أن تكون خطابا علميا عن العلم ومشروع النهضة، فقد بدا المحاضر وهو يتحدث عن هذا الموضوع وكأنه أحد الدكاترة الذين تستضيفهم القنوات الفضائية، من دون أن يضعوا حلولا واقعية أقرب لهذه المشكلة الكبيرة، ومن دون أن يشخص المحاضر المرض ويعطي المريض ولو مسكِّنا لتخفيف ألمه، على حد تعبير أحد المتابعين. ولكن مع ذلك كانت المحاضرة أشبه بالفتيل الذي أيقظ هموما ومخاوف كبيرة تفاعل معها المتلقي بصورة إيجابية.
بدأ المحاضر بسؤال عن وضعنا العربي وموقعه من النهضة العلمية الكبيرة التي يشهدها الغرب، قائلا: «انها لحظة تاريخية تتسم بنوع من المفارقة، أن نتكلم عن دور العلم في حين ان أمتنا العربية تعيش نكبة من أكبر النكبات، تتمثل في التراخي الكبير الذي شلها وشغلها عن الاهتمام الجدي بالجانب العلمي نتيجة أسباب عدة شملت الوضع العربي ككل، مثل غياب الديمقراطية في البلاد العربية، واضطراب الخيارات الفكرية، وغياب السياسات العلمية القادرة على احتضان العلم والعلماء واستثماره فيما يعود عليها بالمصلحة.
وأضاف «ان العلم لوحده لا يكفي لكي نحقق ما نرجو منه، طالما لم تتوافر ارادة العلم والنهضة، لدى الحاكم والمحكومين، اذ من دون توافرها لن يكون هناك مجال لبروز الأجواء والشروط الموضوعية المهمة لنجاح السياسات العلمية، كما أن الانجازات العلمية التي يمكن أن تتحقق لن يكون لها مفعولها وأهميتها طالما أنها لن تساهم في التغيير.
ثم أشار الى تلك الحكاية التي تروى في أيام محمد علي، حين نصبت مدفعية نابليون بونابرت المدافع استعدادا لإطلاقها على المدينة العريقة، وكيف برز فارس عربي من أهل المدينة راكبا حصانه ومشتملا سيفه صارخا في الفرنسيين هل من مبارز، وكيف رد نابليون على هذا النداء بأن أوعز الى ضابط من ضباط المدفعية باطلاق القذائف وكيف أن هذه القذائف أيقظت المصريين من سباتهم على واقع تأخرهم العلمي وافتقارهم الى ما في حوزة نابليون من سلاح متطور وقتها، فلم يملكوا أمام هذه الأسلحة الا ترديد الدعاء «يا خفي الألطاف نجنا مما نحذر منه ونخاف».
ليعود بعد ذلك فيقول: ان ادراك هذه الحقيقة جاء متأخرا جدا، الأمر الذي جعل من هذه المسافة الزمنية مراحل تخطتها الدول الغربية وعلى رأسها «اسرائيل»، والتي أدركت منذ وقت مبكر أهمية العلم، لذلك سارعت بانشاء المعاهد العلمية، على عكس العرب الذين لا يزالون حتى يومنا هذا يراوحون أماكنهم ولا يهتمون اهتماما جديا بمشروعات التنمية، في حين أن «اسرائيل» لا تزال في استغلال أكبر لكل ما يطرأ من جديد في حقل العلم والمعرفة، فنحن نستيقظ اليوم على دعوة من قبل الولايات المتحدة الأميركية إلى التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل، في حين ان «اسرائيل» تمكنت من صنع القنبلة الذرية قبل فترة طويلة، وواكب ذلك بالنسبة إليها تقدم في جميع المشروعات التنموية الأخرى.
ولكي يدلل المحاضر على ذلك، قال: ان لغة الأرقام تجعلنا ندرك مستوى الانفاق الذي تبذله «اسرائيل» والدول الغربية على البحوث والدراسات العلمية، فهي تأتي على رأس هذه الدول مع حليفتها الولايات المتحدة الأميركية في حين ان البلدان العربية تأتي في آخر القائمة، ولكنها أي الدول العربية تأتي في مقدمة الدول التي تنفق على التسلح.
ثم أشار مرة ثانية الى دراسة جديدة لأحد مراكز البحوث العربية، ذكر فيها أن 45 في المئة من الجالية العربية التي تدرس في الخارج لا تريد العودة إلى بلادها العربية، وأن أكثر هؤلاء يوجدون في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وكندا، ما يعني أن هذه الدول الرأسمالية هي أكبر الدول المستفيدة من هذه العقول العربية.
ذكر بعد ذلك الاجتهادات والحلول المقترحة التي يمكنها المساهمة في سد الفجوة الكبيرة التي تعاني منها البلاد العربية بشأن العلم مقارنة بالدول الغربية، ومنها :
خلق القاعدة البشرية القادرة على استهلاك العلم والانتفاع به، خلق البنية العلمية للباحثين، تشجيع المنتجات الصناعية العربية على الانفتاح، ايجاد الحوافز للنابغين، ارجاع حصص التدريب العملي بشكل أكثر جدية، وضع سياسات تعلي من قيمة العلم والعلماء، توفير الحياة الكريمة للباحثين، ايجاد ثورة في مجال الترجمة كما يحدث مع الصين مثلا والتي تعاقدت مع دور النشر الغربية على طبع وترجمة أي كتاب يصدر في الغرب وقت اصداره.
ثم ختم عبدالمالك سالمان محاضرته بقوله: «إن الصعوبات العلمية التي تواجهها الطلاب العرب، وخصوصا في العلوم التطبيقية والنووية وغيرها، ازدادت حدتها بفعل حوادث 11 سبتمبر/ أيلول، ولا بد لنا من رفع مستوى البحث العلمي الى مرتبة الجهاد، كما يشير الى ذلك د. زويل عالم الذرة العربي الحاصل على جائزة نوبل، حتى يتسنى لنا اللحاق بركب الحضارة الغربية
العدد 493 - الأحد 11 يناير 2004م الموافق 18 ذي القعدة 1424هـ