العدد 492 - السبت 10 يناير 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1424هـ

العمل البلدي بين مطرقة الوزير وسندان المجالس البلدية

العد التنازلي لكلمة القضاء بدأ...

محمد العثمان Mohd.Alothman [at] alwasatnews.com

يثور الجدل مرة أخرى بشأن علاقة كل من وزير البلديات والزراعة والمجالس البلدية بالجهاز التنفيذي، ويبقى السؤال معلقا، لمن تكون التبعية؟

ويبدو أن المجالس البلدية قد حزمت أمرها ولملمت أوراقها، استعدادا للذهاب إلى القضاء للفصل في هذا المشكل والالتباس الإداري. وعلى افتراض حسن الظن في الوزير، فإنه وبحسب معطياته وردوده، يجهل أو يتجاهل الأسس اللامركزية والفلسفة الأساسية من تقسيم البلاد إلى خمس مناطق بلدية لكل منها شخصية اعتبارية واستقلال مالي وإداري، وأنه وفي سياق الجدل الدائر بين الوزير والمجالس البلدية نستعرض مثالا يوضح ويبسط الفهم للإشكالية، ونستعرض بعض الخطابات السياسية والمواد الدستورية والقانونية التي نرتكز عليها في فهمنا للفلسفة الحقيقية من وجود البلديات.

البلدية كيان سياسي

بمعنى ان الإرادة التي أصدرته هي إرادة سياسية صادرة من رأس القيادة السياسية في البلاد، وهو جلالة الملك. فإبان تولي جلالته مقاليد الحكم أكد جلالته «إحياء نظام الانتخابات البلدية التي كانت البحرين سباقة إليها في المنطقة منذ مطلع القرن العشرين» و«ستتمتع مجالسنا البلدية الجديدة بكامل الصلاحيات المتعارف عليها في العمل البلدي، باعتبارها البداية الصحيحة للتمثيل الشعبي على مستوى القاعدة».

إذا هي عملية (إحياء) للتجربة التاريخية القديمة بمعطيات جديدة متعارف عليها في العمل البلدي، في الممالك الدستورية، وتجربة البحرين القديمة قريبة من الحكم المحلي، أما الذي نشهده الآن في الواقع، والمتمثل في ممارسات الوزارة ممثلة بقرارات وتصريحات الوزير، فلا هو حكم محلي ولا إدارة محلية ولا هي لامركزية إدارية... فما هي إذن؟ وهل تؤدي البلديات الحالية للتطور ناحية الإدارة المحلية أو الحكم المحلي أو تقترب من اللامركزية كما جاء في الدستور وقانون البلديات نفسه؟!

البلدية كيان دستوري

لقد أكد المشرع البحريني في المادة (50) من دستور 2002م أن: (أ) ينظم القانون «المؤسسات العامة وهيئات الإدارة البلدية بما يكفل لها الاستقلال في ظل توجيه الدولة ورقابتها، وبما يكفل لهيئات الإدارة البلدية إدارة المرافق ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاقها والرقابة عليها». وكمثال توضيحي للاستقلالية في الإدارة واتخاذ القرار المالي والإداري، قضية هيئتي التقاعد والتأمينات، المعروضة على البرلمان، الهيئتان تقولان لم يتم التدخل الحكومي في عملهما، في حين يكرر الأعضاء ويتمسك بعضهم، بالتأكيد على التدخل الحكومي، فالهيئتان منشأهما دستوري وقانوني ويرأس مجلسهما وزير في الحكومة، ومع ذلك فلهما الشخصية الاعتبارية والاستقلال الإداري، وهذا ما يدافع عنه الوزراء، فكيف بالبلديات التي لها الصفة الدستورية نفسها في حين أن أعضاء مجالسها منتخبون بالكامل ولا تمثل فيها السلطة التنفيذية (الحكومة) لا بوزير ولا بخفير.

البلدية كيان قانوني

صدر مرسوم بقانون رقم (35) لسنة 2001م ينظم فيه كيفية إدارة الكيان البلدي، ومن يصدر وينفذ ويراقب ويرعى مصالح البلدية. مثال ذلك: نعتبر أن البلدية إنسان يتيم أو قاصر وهي سلطة معنوية، ولها شخصية اعتبارية، وبما أن هذا (القاصر) له حقوق منصوص عليها، فمن يقوم برعايتها؟ والبلدية شخص معنوي يتمتع بسلطات واسعة فمن الطبيعي أن يكون هناك أشخاص يمارسون هذه السلطات والصلاحيات، والقانون حدد من يصدر القرارات والأوامر، ومن ينفذها، ومن يراقب عملية التنفيذ والإشراف، ويدير أموال وأملاك هذا القاصر (البلدية).

بهذه الصورة المبسطة نفهم سلطات البلدية وكيف تدار مصالح البلديات ومصدر القرارات واللوائح وتنفيذها والرقابة عليها. فماذا يقول القانون؟ هذا ما سنستعرضه في أساس النشأة القانونية للبلديات الخمس.

قراءة في القانون

جاءت المادة الأولى من قانون البلديات رقم (35) لسنة 2001م بتقسيم البلاد إلى خمس مناطق بلدية، وفي هذا التقسيم بيان واضح على أن المشرع يحاول إضفاء اللامركزية من خلال العمل البلدي، وإلا ماذا يعني تقسيم البلاد إلى خمس مناطق بلدية؟ ولذلك فقد تعامل المشرع مع هذا الأمر بأنه لكل بلدية شخصية اعتبارية مختلفة عن الأخرى ومصالحها متمايزة عن البلدية الأخرى ولها خصوصية مختلفة.

وجاءت المادة الثانية من القانون لتؤكد الشخصية الاعتبارية لكل بلدية، واستقلالها المالي والإداري - موارد مالية وقرارات إدارية - ونصت المادة الثالثة من القانون على ان «تتولى البلديات إدارة المرافق العامة ذات الطابع المحلي التي تدخل في نطاق اختصاصها، وذلك على الوجه المبين في هذا القانون ولائحته التنفيذية». وكلمة (البلديات) لا تعني المجالس البلدية لوحدها ولا الجهاز التنفيذي لوحده بل تعني الاثنين معا، وسنوضح ذلك في قراءتنا للمادة الآتية:

في المادة (4) التي هي مفصل القضية كما يقولون، وهي بيت القصيد، واللغط كله يدور حول فهمها، ماذا تقول لإدارة المرافق العامة وأموال هذا اليتيم القاصر الذي يحتاج إلى أشخاص طبيعيين ليمارسوا السلطات التي أعطاها المشرع له للحفاظ على أملاكه وأمواله وجميع مصالحه. فماذا تقول المادة (4)؟

يتولى السلطات في كل بلدية:

1- المجلس البلدي ويمارس سلطة إصدار القرارات واللوائح والأوامر ومراقبة كل ذلك في حدود اختصاصات المجلس البلدي.

2- الجهاز التنفيذي ويمارس سلطة التنفيذ.

هل تحتاج المادة السالفة الذكر وفقرتاها إلى وضوح أكثر، فهل هذا كلام عربي أو مكتوب بلغة (الزولو)؟! بماذا نفسر موقف الوزير، وهو الضليع في العربية ومفرداتها، ما هو موقفه من هذه الكلمات الواضحات البينات غير الغامضات، والتي لا تحتاج إلى تفسير وإلا سنكون مثل الذي فسر الماء بعد الجهد بالماء!

وقد حرصت على قراءة القانون واللائحة الداخلية (للمرة الألف) ولم أجد ألا أنها تصب في ذات الاتجاه الذي يعطي البلدية شخصية اعتبارية وتكون تبعية الجهاز التنفيذي للمجالس البلدية، فلا أعلم أي (مغرض) هذا الذي يفسر القانون للوزير!

وحتى يستفيد المراقبون والمهتمون بالشأن البلدي، من هذا النزاع البلدي القائم، ألفت النظر إلى عدة مواد قانونية -واضحة لا لبس فيها - تفند مزاعم الوزير والذي يحاول أن «يطين عين الشمس» كما تقول العرب، ومديري الأجهزة التنفيذية من جهة، وتفيد وتدعم وجهة نظر المجالس البلدية، وتؤكد ارتباط الأجهزة التنفيذية بالبلدية من جهة أخرى، وأيضا تحدد من هو المنوط به الحفاظ على المصالح البلدية وإدارتها وإصدار القرارات والأوامر لذلك وتنفيذ القرارات والرقابة عليها. والمواد من قانون البلديات (35) لسنة 2001م هي: المادة (4) والمادة (19) والمادة (20) والمادة (21) والمادة (22) والمادة (23) والمادة (27) والمادة (28) والمادة (29) والمادة (30) والمادة (31) والمادة (32) والمادة (34) والمادة (38) والمادة (40).

ومواد اللائحة التنفيذية هي: المادة (3) والمادة (11) والمادة (12) والمادة (13) والمادة (14) والمادة (16) والمادة (17) والمادة (18) والمادة (20) والمـادة (22) والمادة (23) والمادة (24) والمادة (25) والمادة (26) والمادة (27) والمادة (28) والمادة (29). المواد الآتية: المادة (31) والمادة (32) والمادة (33) والمادة (34) والمادة (35) والمادة (37) والمادة (39) والمادة (42) والمادة (45) والمادة (57) والمادة (61) والمادة (62) والمادة (70) والمادة (76). علما ان تلك المواد نصت وبتصريح بين وواضح وإلا فهناك الكثير من النصوص التي تضمنت ما ذهبنا إليه في تفسيرنا للبلدية ذات الشخصية الاعتبارية ومن يرعى مصالحها ومن يصدر القرارات ومن ينفذها ومن يراقبها. وقد نصت المادة (36) ما نصه: «يتولى الوزير المختص بشئون البلديات إبلاغ المجالس البلدية بمضمون السياسة العامة والخطوط الرئيسية لخطة التنمية العامة للدولة».

فهل قام الوزير بإبلاغ المجالس البلدية بخطة الدولة العامة في التنمية وخطوطها الرئيسية؟ الجواب لم يقدم الوزير أية خطة أو خطوط رئيسية (أو فرعية) للمجالس البلدية. ولكن قد يكون هناك جواب آخر لدى المديرين العامين في الأجهزة التنفيذية عن تلك السياسة والخطوط، وذلك من خلال حضورهم المجلس الأسبوعي الديمقراطي للوزير!

المصدر المسئول بين المعلوم والمجهول

ختاما، فاجأنا المصدر المسئول بوزارة البلديات والزراعة بتفسير غريب ينم عن جهل هذا المصدر المجهول أصلا! وكان مما قاله إن الوزير ارتكز على المادة (20) من قانون البلديات والتي تنص على: «يرفع كل مجلس بلدي قراراته وتوصياته إلى الوزير المختص بشئون البلديات. وفي حالة ما إذا رأى الوزير أن هذه القرارات أو التوصيات أو بعضها يخرج عن اختصاص المجلس البلدي أو يتضمن مخالفة للقانون أو خروجا على السياسة العامة للدولة، كان له الاعتراض إليها خلال خمسة عشر يوما من تاريخ رفع القرار أو التوصية إليه، وإعادتها إلى المجلس البلدي لإعادة النظر فيها»، فالوزير له حق الاعتراض خلال المدة المقررة في النص القانوني وليس له حق الرفض لأن ذلك تنظمه جهة أعلى من الوزير وهي مجلس الوزراء كما جاء في المادة نفسها... «فإذا أصر المجلس البلدي على قراره أو توصيته أو ضمنها مخالفة جديدة، عرض الأمر على مجلس الوزراء، لاتخاذ ما يراه بشأنها».

والسؤال الذي يطرح نفسه: ما الأمر الذي خرج عن اختصاص المجلس، أو تضمن مخالفات؟ هذا ما لم يوضحه المصدر المجهول (المسئول)؟! وبما أنه لا توجد مخالفة أو خروج على الاختصاص من جهة المجالس، ودليل ذلك أنه لا الوزير أعترض على قرارات أو توصيات المجالس أو خروجها عن اختصاصاته ولم ترفض المجالس الاعتراض لعدم وجوده أصلا! ولو كان لذلك موجب فلماذا لم يعرض الوزير الأمر على مجلس الوزراء لاتخاذ ما يراه بشأنها كما يتذرع المصدر بتطبيق الوزير لهذه المادة بحذافيرها!

وفيما يخص المادة (30) والتي تنص على «يرأس إدارة البلدية، مدير عام، يصدر بتعيينه مرسوم وهو الذي يمثلها أمام القضاء وفي مواجهة الغير»... حقيقة لا نعلم هل المصدر المسئول في الوزارة هو جاهل بالتنظيم الإداري في الدول ولا يعلم المراسيم الاشتراعية ومهماتها والكنه والغاية من إصدارها، وبذلك استنتج هذا المصدر (المعلوم) أن المدير العام يتبع السلطة التي عينته بمرسوم، وبما أن السلطة المعينة هي جلالة الملك فإن الملك يمارس سلطاته بواسطة وزرائه ومن ثم فوزير البلديات هو السلطة العليا على المدير العام.

وإذا ما كان هذا الكلام صحيحا فستحدث (قفزة) تشريعية في الدول والسبب هو «مصدر مسئول»! وبالتالي فالكلام ينطبق على أمين عام مجلس الشورى وأمين عام مجلس النواب إذ ان الجهة التي أصدرت المرسوم هي ذاتها التي أصدرت مرسوم تعيينات مديري البلديات، ونحن إذن في أزمة نيابية أيضا وليست بلدية فقط والسبب هذا المصدر المسئول! فأمين عام مجلس الشورى وأمين عام مجلس النواب لا يتبعان ولا يتلقيان الأوامر ولا ينفذانها ولا التوصيات التي تصدر من مجلسي الشورى والنواب، بل يتبعان الجهة التي عينتهما بمرسوم! نتمنى على الوزراء كل فيما يخصه تنفيذ هذا البيان الموقع من السيد مصدر مسئول..

الإشكالية لا تكمن في الوزير الستري والذي نكن له كل الاحترام والتقدير، الإشكالية في الذهنية الماضوية المركزية السلطوية التي مازلنا لا نريد مغادرتها، فكل مسئول يريد أن يضع اسمه وختمه على أية ورقة (وخلاص)... هذه المركزية يجب العمل على إيجاد وعي جديد لمغادرتها

إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"

العدد 492 - السبت 10 يناير 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً