ما طبيعة اقتصادنا البحريني حاليا، وما الجوانب التي نود تطويرها؟ سؤال مشروع بينما يدرس «مجلس التنمية الاقتصادية» الخيارات المطروحة للأنموذج الاقتصادي الذي نود اتباعه.
اقتصادنا البحريني حاليا خليط من عدة أنواع، بعضها متطور وبعضها الآخر متخلف. فلدينا «الاقتصاد المعرفي» الذي يحركه «الإنسان المعرفي»، ولكن قيادة الاقتصاد الوطني مازالت ليست لهذا القطاع على رغم ان لدينا الخبراء (المعرفيين) في القطاع المالي والمصرفي والتأمين والاتصالات والاستشارات والعلاج الطبي المتطور (زراعة الكلى مثلا) وبعض جوانب التقنية العالية في ألمنيوم البحرين والبتروكيماويات وغيرهما.
لدينا «الاقتصاد الريعي» الذي يعتمد على توافر كمية لا بأس بها من «ريع» النفط. وهذا المصدر تبتلع أكثرية موارده موازنة الحكومة التي توظف أكثر من ثلاثين ألف شخص بالإضافة إلى الموازنة العسكرية والأمنية (المنفصلة عن الخدمة المدنية).
لدينا «الاقتصاد الاقطاعي» الذي يعتمد على تقاسم الأراضي بين فئة محدودة من الناس يقومون لاحقا بالمتاجرة بها، وهم بذلك يقضون على (أو يشفطون) ما يحصل عليه المواطن من دخل مازال محدودا بالنسبة إلى الأكثرية.
لدينا «الاقتصاد الاستعبادي» الذي يتمثل في استجلاب الأيدي العاملة الرخيصة من شبه القارة الهندية، والأسوأ من ذلك استيراد العمالة السائبة، وهو ما يعرف بـ «الفري - فيزا»، والذين قدرتهم الدراسة التي أعدتها مؤسسة «ماكينزي» بـ 45 ألف شخص. الاقتصاد الاستعبادي ساهم بشكل أساسي في خفض معدل دخل المواطن بنسبة 19 في المئة خلال الاثنتي عشرة سنة الماضية (بحسب دراسة ماكينزي). وهذا الاقتصاد الاستعبادي سهّل على الاقتصاد الإقطاعي أن يلتهم ما يتوافر من ثروة في البلاد لدفنها في تربة الأرض أو تصديرها الى المصارف الخارجية، اذ قدرت هذه الأموال البحرينية خارج البلاد قبل خمس سنوات بـ 17500 مليون دولار (سبعة عشر مليارا ونصف مليار دولار). وهذا رقم ضخم جدا وربما ازداد خلال السنوات القليلة الماضية.
لدينا «الاقتصاد التقليدي» وهو مهدد باستمرار ومضغوط بين الاقتصاد المتطور (المعرفي) والاقتصاد المتخلف (الاقطاعي والاستعبادي). هذا النوع مهم، فالولايات المتحدة، وهي صاحبة أكبر اقتصاد معرفي، تحصل على قرابة 60 في المئة من ناتجها القومي من الاقتصاد المعرفي والباقي من الاقتصاد التقليدي.
الاقتصاد المعرفي (الصغير حاليا) بإمكانه أن يتطور وأن يحول البحرين إلى «جزيرة ذكية» تماما كما تحولت سنغافورة الى جزيرة ذكية، ولكن لكي يتطور الاقتصاد المعرفي ويأخذ دوره القيادي يجب علينا الغاء الاقتصاد الاستعبادي وتحرير الوطن من الاقتصاد الاقطاعي الذي يهدد بشفط أية ثروة (سواء كانت صغيرة أو كبيرة) يجمعها المواطن بعد جهد جهيد في ظل منافسة شرسة من الاقتصاد الاستعبادي (المعتمد على العمالة الأجنبية الرخيصة والعمالة السائبة التي يطلق عليها الفري - فيزا).
لقد نما الناتج المحلي خلال الفترة الماضية وهو مؤهل لأن ينمو أكثر خلال السنوات المقبلة، ولكن هذا النمو لا يوضح مدى وجود أو انعدام العدالة الاجتماعية في الاشتراك في الثروة بين جميع المواطنين. وعليه فإننا مطالبون بمصارحة أنفسنا وتشخيص الداء أولا ... وثم تناول الدواء
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 492 - السبت 10 يناير 2004م الموافق 17 ذي القعدة 1424هـ