بتاريخ الثلاثين من يونيو/ حزيران المقبل سوف تسلم الولايات المتحدة السلطة السياسية في بغداد إلى العراقيين. والطرف العراقي المعني هنا، مجلس الحكم المؤقت الذي شكله الأميركيون. وفي اليوم التالي سيجرى تعليق صدام حسين على المشنقة في واحدة من أكبر ساحات بغداد. هذا ما يرغب فيه أعضاء مجلس الحكم المؤقت وخصوم الرئيس العراقي السابق. من خلال تصريحات أعضاء في مجلس الحكم من عرب وأكراد لم يملك أحدهم الشجاعة كي يتمنى لصدام حسين مصيرا غير الذي يدور في رأس عضو المجلس موفق الرباعي الذي يصارح وسائل الإعلام الغربية بأمنيته أن يرى صدام معلقا على المشنقة. في الوقت نفسه يتحدث موفق الربيعي وغيره من أعضاء المجلس عن عزمهم نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان وغير ذلك في العراق لكن كل هذا معلق حتى يجرى البت في مصير الرئيس السابق الذي هو اليوم بقبضة الأميركيين.
ما يطالب به الربيعي وكثيرون غيره، كان على مر التاريخ العقوبة الطبيعية للزعماء العراقيين بعد كل محاولة انقلابية على الحكم. في العام 1932 حصل العراق على استقلاله، والملفت للنظر أنه ما من رئيس وصل إلى رأس الدولة العراقية إلا وأزيح عن منصبه بالقوة، أما وفاة زعيم الدولة وفاة طبيعية فكان هذا نادرا في التاريخ العراقي الحديث.
بين السحل والقتل
كانت بداية حمام الدم بتصفية الملك الهاشمي فيصل الأول، في العام 1920 طرده الفرنسيون من دمشق وقاده مصيره إلى بلوغ العرش في مملكة العراق التي كانت في ذلك الوقت تحت الوصاية البريطانية. توفي فيصل الأول في السابع من سبتمبر/أيلول 1933 خلال خضوعه لعملية في الأمعاء ولم يفلح حتى وفاته في التحرر من القوة الاستعمارية. كثير من العراقيين المؤيدين للحكم الملكي اضطروا للعيش بعد ذلك مع الشعور أن الملك راح ضحية مؤامرة بريطانية. البريطانيون أنفسهم تعرضوا لاتهام جماعات من العراقيين بأنهم تلاعبوا بفرامل سيارة خليفة الملك فيصل، الملك غازي الذي قتل بتاريخ الرابع من أبريل/نيسان 1939 بعد ارتطام سيارته بعامود كهرباء. ولما كان فيصل الثاني ابن الملك غازي في الرابعة من عمره تسلم مقاليد العرش قريبه عبدالإله حتى يبلغ ولي العهد السن المناسب.
بتاريخ الرابع عشر من يوليو/تموز 1958 اجتاح القوميون القصر الملكي ومثلوا بجثة عبدالإله إذ طافوا بها في الشوارع حتى وصلوا بها مبنى وزارة الدفاع إذ علقوا ما تبقى منها.
استطاع مؤيدو الحكم الملكي نقل فيصل الثاني المصاب برصاصات القوميين إلى المستشفى، لكن الأطباء خافوا من العقاب إذا قدموا العلاج له، الأمر الذي أدى إلى وفاته بعد أن نزف دمه في ردهات المستشفى. وكان الرجل القوي خلال حكم الملك غازي، رئيس الوزراء نوري السعيد قد نجح بالفرار من القصر الملكي من دون أن يصاب بأذى، لكن في أحد الأيام دنت نهايته البشعة بعد أن عثر عليه في حي البطاوين في بغداد وكان متخفيا بعباءة نسائية وتم إطلاق الرصاص عليه في الحال. وفي الليلة نفسها نقل ودفن في مقبرة باب المعظم. لكن جموع الغاضبين هاجمت المقبرة وأخرجت الجثة وسارت بها في شوارع بغداد، إذ كان البعض يتسابق للحصول على قطعة من جسد السياسي المكروه وتم عرض أشلائه للناظرين.
إعدام في التلفزيون
دام حكم الرجل القوي، الجنرال عبدالكريم قاسم خمسة أعوام فقط. ثم وعلى رغم أنه كان أكثر زعيم عراقي شعبية بعد الاستقلال، فقد تعرض لعملية انقلاب وفرّ من محاولة قام بها البعثيون للقضاء عليه ولجأ إلى مبنى وزارة الدفاع إذ راح يطالب بمحاكمته محاكمة منصفة. وبأمر من رئيس مجلس قيادة الثورة في حزب البعث تم إعدام عبدالكريم قاسم وثلاثة من أتباعه داخل استديو في مقر التلفزيون يوم التاسع من فبراير/ شباط 1958 ووجهت إليه تهمة خيانة ثورة الـ 58. وحين لعلع صوت الرصاص سمع وهو يقول: «عاش شعب العراق». بعد عملية الإعدام عرض التلفزيون صور القتلى على الأرض وبينهم جثة عبدالكريم قاسم.
توفي الجنرال عبدالسلام عارف الذي خلف عبد الكريم قاسم بحادث تحطم طائرة بتاريخ الثالث عشر من أبريل 1966 ولم تكشف التحقيقات عن حقيقة تحطم الطائرة، كما لم يعثر على جثته. تسلم شقيقه عبدالرحمن مقاليد الحكم حتى 17 يوليو/تموز 1968 وكان أول زعيم للدولة العراقية لم يلق حتفه على أيدي انقلابيين. في أحد الأيام تم إيقاظه وتناول طعام الإفطار مع ضابط في حزب البعث ثم توجه لزيارة زوجته التي كانت تعالج في لندن، ومن هناك واصل سفره إلى اسطنبول ثم إلى القاهرة حيث عاش في المنفى.
عهد الرئيس أحمد حسن البكر انتهى بصورة بالكاد لفتت انتباه أحد، ففي الفترة الأخيرة لعهده كان صدام حسين الرجل القوي في العراق. اتهم صدام سورية بقطع الطريق عليه للوصول إلى السلطة، وفي العام 1979 زار الرئيس السوري حافظ الأسد بغداد ودار الحديث في احتمال قيام وحدة حزب البعث بين سورية والعراق، وكان هدف دمشق منع صدام من خلافة البكر. وفي الثامن من أغسطس/آب 1979 أمر صدام بإعدام 21 من أعضاء مجلس قيادة الثورة. وقبل ذلك أعلن البكر استقالته من مناصبه السياسية كافة لأسباب صحية!
بعد كل ما فعله صدام لبلده وشعبه فإنه بوسعه أن يكون سعيدا هذه الأيام على الأقل حتى تاريخ الثلاثين من يونيو المقبل، والأفضل له أن يبقى بقبضة الأميركيين حتى لا يتنافس العراقيون على تقاسم أشلائه، أليس كذلك؟
العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ