أولت الصحف العبرية اهتماما بخطاب رئيس الحكومة الإسرائيلي أرييل شارون أمام اللجنة المركزية لتكتل «ليكود» الحاكم، والذي هدد فيه من جديد الفلسطينيين بـ «إجراءات أحادية الجانب» تأكيدا لكونه لا يريد السلام. واتفق أقطاب اليمين واليسار في «إسرائيل» على أن الخطاب لم يحمل أي جديد.
وقد قوبلت تصريحات شارون بصيحات الاستهجان في حين تقدم أعضاء اللجنة المركزية لـ «ليكود» بقائمة طويلة من المواضيع من بينها مقترحات بنفي أي نائب من الليكود يصوت لصالح قيام دولة فلسطينية وأخرى لنقل الفلسطينيين إلى دولة تقام في شمال الأردن. وفي الوقت نفسه لاحت نذر تمرد داخل حكومة شارون أيضا إذ دعا وزير العدل الإسرائيلي طومي ليبيد إلى إعادة النظر في مسار الجدار العازل بالضفة الغربية المثير للجدل خشية أن يتسبب في فرض عقوبات لأنه يتوغل في عمق الأراضي المحتلة.
وشكّك في الخطاب أيضا المعلقون الإسرائيليون، الذين أجمعوا على ان حديث شارون عن «تنازلات مؤلمة» ليس سوى «كلام فارغ» داعين رئيس حكومتهم إلى الانتقال من الأقوال إلى الأفعال. في حين كشفت «يديعوت أحرونوت» عن مخطط استيطاني جديد يبتلع مساحات كبيرة من أراضي غور الأردن والضفة الغربية ويرعى المشروع الجديد الوزير الإسرائيلي إسرائيل كاتس، الذي كان كشف في وقت سابق عن مخطط لتوسع استيطاني في مرتفعات الجولان السورية المحتلة.
من جهة أخرى ذكرت معاريف، ان الجيش الإسرائيلي وضع سرا لائحة بـ 28 نقطة استيطانية عشوائية يسكنها قرابة 400 مستوطن يعتزم إزالتها في يناير/ كانون الثاني الجاري. هذا وعلى رغم تصريحات شارون أمام أعضاء تكتل «ليكود» الذي يتزعمه بأنه ينوي تفكيك بعض المستوطنات اليهودية فإن المعلقين حذروا من ان خطاب شارون قد لا يكون أكثر من كلمات قد لا تتحول إلى أفعال.
ورأى ناحوم برنياع في «يديعوت أحرونوت»، ان هذه الصيحات تفيد شارون ليتذرع في واشنطن وفي الرأي العام الإسرائيلي بحراجة موقفه الداخلي وصعوبة تقديم تنازلات. والملاحظ ان جدعون ساميت في «هآرتس»، لم يكتف باتهام شارون بالكذب بل اعتبر ان هذا الفن منتشر في أوساط جميع المسئولين الإسرائيليين من أعلى الهرم حتى أسفله.
كذبٌ مستأصل
وقد لاحظ ساميت ان رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، واصل ممارسة الكذب في مؤتمر تكتل «ليكود». وأضاف انه منذ أن لاحظ بن غوريون في مذكراته ان الضابط الشاب أرييل شارون، لديه ميل كبير لعدم قول الحقيقة. تطوّر شارون، كثيرا في ممارسة فن الكذب هذا. وأوضح ان رئيس الوزراء الإسرائيلي تعهد بتحقيق السلام على رغم ان كل ما ينوي القيام به هو تفكيك بعض المستوطنات العشوائية. ولفت ساميت، ان الكذب ليس من مميزات شارون وحده بل ان هذا الفن منتشر في أوساط جميع المسئولين الإسرائيليين من أعلى الهرم حتى أسفله. وختم ساميت، بالقول ان الأهم اليوم هو ليس المسار الذي تسلكه الطبقة السياسية والعسكرية في «إسرائيل»، بل تنامى عدد الذين بدأوا يشعرون بالقرف من هذا المسار.
فيما شن يوئيل ماركوس في «هآرتس» حملة شعواء على الفلسطينيين الذين حملهم مسئولية كل المآسي التي تقع عليهم ولم يستبعد العرب أيضا من المسئولية لأن «إسرائيل» هي التي أنقذت الفلسطينيين من الاحتلال العربي العام 1967!! فقد انطلق ماركوس، اليساري الاتجاه، من قرار الجنرال الإسرائيلي المتقاعد إيتان رونيل، الذي سلّم جميع الأوسمة التي حاز عليها خلال حياته المهنية، تعبيرا عن رفضه لما يجري من قتل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ليشن انتقادا لاذعا على الفلسطينيين الذين لا يحركون ساكنا ولا يعبرون عن أسفهم ورفضهم للعمليات «الانتحارية» التي ينفذها الانتحاريون الفلسطينيون. ولفت إلى ان في «إسرائيل» أصواتا كثيرة تندد بأعمال القوات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. كما ان ثمة لجانا متعددة للبحث في أسباب قتل النساء والأطفال الفلسطينيين. إلى جانب وجود محكمة عليا يمكن لأي فلسطيني أن يلجأ إليها، ليقدم شكواه، أسف لأن ما من أحد في الجانب الفلسطيني يود أو يرغب في الإعراب عن امتعاضه ورفضه لسياسة الكراهية وإراقة الدماء التي تتبعها السلطة الفلسطينية. مشيرا إلى انه ما أن يقتل أحد المدنيين الفلسطينيين مصادفة خلال إحدى العمليات العسكرية الإسرائيلية، حتى تتعالى الأصوات المطالبة بتحقيقات فيما لا يلقى «الانتحاري» الذي ينسف باصا بكامله أي تنديد أو رفض لما يقوم به. وشدد ماركوس، على ان الفلسطينيين لا يعترفون بأن من سرقت حقوقهم هي الدول العربية، بموجب خطة التقسيم التي رعتها الأمم المتحدة العام 1948. كما انهم لا يعترفون بأن من حررهم من الاحتلال العربي العام 1967 هي «إسرائيل» بحد ذاتها!
وأكد ماركوس، ان الفلسطينيين تخطوا الخطوط الحمر فجعلوا من الإسرائيليين المسالمين أشبه بأصوليين يتدافعون للتعبير عن جام غضبهم بسبب كل ما يدور من حولهم. ورأى انه فيما يتعذب الإسرائيليون ويلومون أنفسهم، لا يبدي الفلسطينيون أي ندم على أي اعتداء ينفذونه. وختم ماركوس، مقاله، ليؤكد ان الجدار الفاصل لن يحسّن أحوال الإسرائيليين والفلسطينيين وإنما تدمير جدار الكراهية الذي بناه الفلسطينيون بين الشعبين هو الحل الأمثل.
ورأى موشيه أرينز (وزير الدفاع الإسرائيلي السابق) في «هآرتس» ان وزراء تكتل ليكود، الذين قدموا صيغا متعددة للانسحاب الأحادي الإسرائيلي، إلى جانب مطالبتهم باتخاذ خطوات فصل أحادية محقون في أمر واحد وهو ان فرص التوصل إلى تسوية مع السلطة الفلسطينية شبه معدومة بغض النظر عن هوية رئيس الوزراء الفلسطيني الذي يختاره الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات.
لكنه اعتبر ان توصل هؤلاء الوزراء إلى خلاصة مفادها انه على «إسرائيل» أن تنسحب من يهودا والسامرة، وأن تنتزع المستوطنات في هذه المنطقة، هي خلاصة لا بل انها رؤيا خاطئة لا تصلح لأن تطبق. ورأى أرينز، ان مسار السلام، مع الفلسطينيين هو أشبه برهينة بين أيدي «إرهابيي» «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وكتائب شهداء الأقصى وغيرها من المجموعات والتحركات التي تتخذ أسماء مختلفة.
وأكد انه قد ثبت مع مرور الوقت انه لا يمكن إجراء مفاوضات مفيدة بين «إسرائيل» والفلسطينيين طالما ان «الإرهاب» مستمر. وشدد على ان الانسحاب الأحادي الإسرائيلي ليس قرارا صائبا. ذاك ان الانسحاب في الظروف الراهنة، يعني إبعاد القوات الإسرائيلية من الأماكن التي دخلتها خلال عملية الجدار الواقي لمكافحة «الإرهاب» الفلسطيني، وإفساح المجال واسعا أمام «الإرهابيين» ليسيطروا ويعودوا «بالإرهاب» مجددا إلى مدن «إسرائيل».
كما ان أرينز، اعتبر ان ما يقال من ان السياج الفاصل سيحمي الإسرائيليين ولا ضرورة لوجود قوات إسرائيلية هو وهم تام. وشدد على ان الإسرائيليين لا يستطيعون أن يعيشوا بسلام ما دام «الإرهابيون» يعيثون فسادا في المنطقة المحاذية للسياج. وتوصل إلى خلاصة مفادها ان الشريك الذي لا بد من أن يتفاوض مع «إسرائيل» هو الشريك الذي يرغب جديا في القضاء على «الإرهابيين» والشريك القادر على إخضاعهم.
مؤكدا انه في غياب هذا الشريك، مازال على القوات الإسرائيلية والشين بيت، أن يهتموا بالأمور الأمنية. واعتبر انه في المرحلة الراهنة، وإلى أن تتحسن الأوضاع مع الفلسطينيين، على «إسرائيل» أن تمتن علاقتها بالأردنيين في ما يتعلق بمكافحة «الإرهاب» وأن تساهم في تحسين الاقتصاد الأردني.
ورأى ان على الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، أن يتشجعوا وأن يستثمروا أكثر فأكثر في الأردن وذلك لتقوية النظام الأردني الذي يرغب فعلا في القضاء على ظاهرة «الإرهاب». وختم بالقول انه لا بد من التفكير بهذه الطريقة بدل إطلاق الدعوات إلى خطوات أحادية التي تصدر عن وزراء «ليكود».
اقتراحات «نازية»
وفي الشأن الداخلي الإسرائيلي، نقل يوسي فيرتر في «هآرتس»، عن مصدر مقرب من رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون، ان عددا من الاقتراحات التي تقدم بها أعضاء من تكتل ليكود لتغيير البنية التنظيمية والسياسية للحزب تذكر بالطريقة التي اعتمدها النازيون للوصول إلى الحكم في ألمانيا. وشدد المصدر عينه، على ان اقتراحات ممثلي اليمين الأقصى في الحزب، أي الدعوة إلى جعل الحكومة الإسرائيلية والكنيست خاضعين لقرارات اللجنة المركزية لتكتل ليكود. إلى جانب منع نواب ووزراء ليكود من التصويت ضد قرارات اللجنة ومنع وصول الاعتراضات إلى محكمة العدل العليا في «إسرائيل»، هي اقتراحات غير دستورية. وأكد ان ما يجري هو نسخة مكررة عما جرى في عدد من الأنظمة الفاشية في أوروبا.
ولاحظ آرثر هرسبرغ في «هآرتس» وجود شرخ بين الشتات اليهودي والحكومة الإسرائيلية الحالية. وأوضح ان السبب وراء ذلك هو ميل هذه الحكومة إلى عدم قول الحقيقة. لافتا إلى ان الإحصاءات الحكومية تؤكد انه خلال العقد الماضي وبالتحديد منذ اتفاق أوسلو الذي ينص على إنهاء الاستيطان بهدف تحقيق السلام، تضاعف عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وتابع هرسبرغ، ان وزير الشتات اليهودي ناتان شارنسكي، واظب في الفترة الأخيرة على مهاجمة الطلاب والأساتذة اليهود في الولايات المتحدة، بسبب عدم وقوفهم إلى جانب «إسرائيل»، واقترح في سبيل تصحيح ذلك، نشر ثقافة صهيونية أفضل بين الجالية اليهودية في الولايات المتحدة. وتساءل هرسبرغ، ما إذا كان شارنسكي، يقترح نشر ثقافته الصهيونية الخاصة التي بموجبها أعلن عن نيته تمويل 650 مسكنا جديدا في الضفة الغربية على رغم الوعد الذي قطعته «إسرائيل» على الولايات المتحدة بتفكيك المستوطنات في تلك المنطقة؟ معتبرا ان هذا الإعلان دعوة واضحة من الحكومة الإسرائيلية لتعميق الخلاف مع الفلسطينيين.
وخلص إلى ان المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة، مشتت بين حبه لـ «إسرائيل» واشمئزازه من سياسات الدولة العبرية. مضيفا أنه من المستحيل أخلاقيا وسياسيا الاستمرار في الدفاع عن الضغوط التي تمارسها «إسرائيل»، لجعل حياة الفلسطينيين أكثر تعاسة. وختم انه يجب ألاّ يسمح المجتمع اليهودي بأن تتخذ السياسات الإسرائيلية على يد «فصيل» صغير من السياسيين المهتمين بحماية مصالح مناصريهم فحسب
العدد 490 - الخميس 08 يناير 2004م الموافق 15 ذي القعدة 1424هـ