كمثل كل عام ودع عالمنا العربي العام الماضي، وأضيفت إلى جبل مشكلاته مشكلات إضافية أخرى. فإن كنا ودعنا العام 2002 وأراضينا محتلة في كل من فلسطين ومزارع شبعا اللبنانية، وهضبة الجولان السورية، وسبتة ومليلية المغربية، وجزر طنب الصغرى والكبرى وأبوموسى الإماراتية، فإننا ودعنا العام 2003 وقد احتل تتار الألفية الميلادية الثالثة أرض الرافدين وعاصمتها بغداد. وأكثر شيء نخشاه هو أن تنتهي السنة الجديدة 2004 وأراض عربية أخرى انضمت إلى نادي «الأراضي العربية المحتلة» في ظل التهديدات الأميركية والإسرائيلية لربوع الشام بالاجتياح، التي كان آخرها ما ألمح إليه أحد جنرالات تل أبيب من تكرار السيناريو الأميركي الذي نفذ على العراق في سورية، لكن بأيادٍ إسرائيلية، إذ هدد بغزو سورية واحتلال عاصمة بني أمية (دمشق)، والإطاحة بنظام الأسد «البعثي»، بقصد إقامة نظام ديمقراطي فيها، عبر مجلس حكم سوري شبيه بمثيله العراقي.
ودعنا العام 2003 والوضع العربي أكثر ترديا من العام الذي سبقه، ونخشى أن تمر علينا الأشهر الـ 12 المقبلة ليزداد التردي ترديا أكبر، وليستمر الجرح الفلسطيني في النزيف، ويستمر الرئيس ياسر عرفات رهين المحبسين، محبس الحصار العسكري الإسرائيلي، والحصار الدبلوماسي الأميركي، وهو حصار لا يمكن أن يتحمل شارون وبوش أسبابه، بل في الدرجة الأولى يجب أن تتحمله القيادات العربية مجتمعة لتخاذلها.
وليظل ملف الصحراء الغربية عصا تمنع العجلة المغاربية من الدوران، على رغم التمنيات الأوروبية والأوامر الأميركية بضرورة توثيق عرى العلاقات المغاربية البينية!
وليظل الصومال الدولة العربية العضو في جامعة الدول العربية ممزقا بفعل حربه الأهلية المنسية التي لم يكتب وضع حد لها بعد.
وإن كانت مجريات الأمور في السودان شكلت استثناء داخل الساحة العربية العام الماضي، فإن الأمل بإنهاء الحرب الأهلية في أرض «سلة الحبوب العربية» لم يكن بتوقيع أياد عربية، بل بتدخلات مباشرة ووحيدة من شرطي العالم (واشنطن)، وهو ما يلقي بظلال من الشك حول الحل الذي ترتئيه الإدارة الأميركية للسودان وأهله، وخصوصا أن اتفاق مشاكوس ظل فاتحا الباب لفرضية انفصال الجنوب عن باقي الأراضي السودانية، التي انتقلت عدوى الانفصال إلى أراضيها الشرقية، وبالضبط في ولاية دارفور.
وأمام التوجه العالمي نحو التكتل لمواجهة ما تفرضه العولمة وتحديات السوق الحرة، فإنه على رغم انتظام عقد القمم العربية المتوالية، فإن جامعة الدول العربية إحدى أقدم المنظمات الإقليمية في العالم، لم تنجح بعد في وضع مخطط وحدوي اقتصادي وتجاري، بل الأكثر من ذلك تلقت المنظمة العتيدة مجموعة من الضربات خلال السنة الماضية، فبالإضافة إلى احتلال إحدى دولها المؤسسة (العراق)، فإن إحدى دولها وهي ليبيا هددت وعلى امتداد السنة الماضية بالانسحاب منها، ومن المتوقع ما ان تحل السنة المقبلة (2005) حتى تكون طرابلس طلقت العمل العربي المشترك ثلاثا، لتتجه بكل ثقلها إلى رعاية مشروعها الوحدوي في إفريقيا، وإلى خلق شراكة سياسية واقتصادية مع الولايات المتحدة بعد التطورات الأخيرة التي عرفتها «بلاد الفاتح». إلا أن التوقع بانسحاب ليبيا الدولة العربية من الجامعة، سيوازيه إعطاء صفة عضو مراقب لدولتين غير عربيتين، وهما إيران التي تحتل جزر دولة عربية كاملة العضوية وهي دولة الإمارات العربية المتحدة، وتركيا التي تحتل أراضي «لواء اسكندرونة» السورية، وبالتالي فإن إصرار الأمين العام للجامعة عمرو موسى على السير في هذا المضمار، قد ينتهي بنا نهاية هذا العام، أو مطلع العام 2005 وقد انضمت «إسرائيل»، الدولة اللقيطة إلى الجامعة المتهالكة، وخصوصا أنها أحق بذلك جغرافيا لتوسطها الخريطة العربية، وديموغرافيا لأن بها أقلية عربية لا بأس بها تزيد على المليون نسمة وهو عدد يساوي سكان بعض الدول العربية!
من هنا فإنْ كانت شعوب العالم تتمنى أن تنتهي السنة وقد حققت أمانيها وآمالها مرصعة بالتقدم والازدهار والاتحاد، فإننا باعتبارنا شعوبا عربية بتنا نتمنى شيئا واحدا، هو أن تنتهي سنتنا العربية بأقل الخسائر الممكنة، وأن يبقى وضع الأراضي المحتلة على ما هو عليه، وألا تضاف إليه أراضٍ محتلة جديدة، نضيفها إلى قائمة دعواتنا إلى الله في كل صلاة بأن يحررها من الاحتلال
العدد 489 - الأربعاء 07 يناير 2004م الموافق 14 ذي القعدة 1424هـ