الدعوة التي اطلقتها الجماعة الاسلامية في مصر والتي طلبت فيها من تنظيم «القاعدة» وقف عملياته ضد الولايات المتحدة والدول الغربية والعالم يجب ألا تمر مرور الكرام من دون التوقف عندها. فالجماعة طلبت من التنظيم المتشدد اعلان هدنة طوال الاشهر الاربعة المقبلة انتظارا لـ «المواقف العملية العادلة من الرئيس الاميركي الجديد باراك أوباما».
جاءت الدعوة نتيجة لمخاوف الجماعة من قيام تنظيم «القاعدة» بتنفيذ عمليات وشن هجمات بالفعل خلال الفترة المقبلة من شأنها أن تحول الرئيس أوباما لـ «جورج بوش آخر»، في اشارة الى اختلاف لغة الرئيس الاميركي الجديد فيما يتعلق بنوايا الانسحاب من العراق وافغانستان، واغلاق معتقل غوانتنامو على عكس سلفه بوش، الذي احتل افغانستان والعراق واعتقلت بلاده اسلاميين في غوانتنامو عقب هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
جاءت هذه المبادرة من الجماعة الاسلامية في مصر في اعقاب تسجيل للقيادي البارز في تنظيم «القاعدة» ابويحيى الليبي دعا فيه الى شن هجمات في الدول الغربية، خصوصا الولايات المتحدة وبريطانيا ردا على العدوان الاسرائيلي الاخير على غزة، وايضا جاءت المناشدة عقب رسالة صوتية بثت في 14 يناير/ كانون الثاني الماضي وهي الاولى منذ ثمانية أشهر لزعيم تنظيم «القاعدة» اسامة بن لادن هدد فيها اوباما بفتح جبهات جديدة في الجهاد ضد المصالح الغربية.
ولا أعلم إن كانت الجماعة الاسلامية المصرية قد اوصلت مناشدتها تلك الى قادة تنظيم «القاعدة» أم لا؟ ولكن من الواضح أن التنظيم سواء وصلته الدعوة أم لم تصله، لم يكترث لها كثيرا، والدليل التسجيل الجديد الاسبوع الجاري للرجل الثاني في «القاعدة» أيمن الظواهري، الذي سخر فيه من تصريحات سابقة لأوباما عبر فيها الاخير عن قلقه من الخسائر المدنية خلال العدوان الاسرائيلي على غزة. دعا الظواهري مجددا المسلمين الى الجهاد لوقف عدوان العدو. لم يكن هذا التسجيل الاول للظواهري بشأن احداث غزة فقد سبقه شريط في 6 يناير طالب فيه بضرب أهداف اسرائيلية وغربية ردا على الهجوم الصهيوني على الفلسطينيين في غزة، واتهم حينها اوباما بالتواطؤ رغم انه لم ينصب بعد.
لقد اصبح تنظيم «القاعدة» وفي ظل اختفاء قادته البارزين في جبال وأدغال باكستان وافغانستان يتخبط يمنة ويسرة كالحية التي قطع رأسها للتو ما يجعل عناصره تبدو وكأنها تعيش في كوكب آخر غير كوكبنا. فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم التنزيل «وإن جنحوا للسلم فاجنح لها»، ومن الواضح أن أميركا جنحت الى السلم الان. واعتقد أن انتخاب الشعب الاميركي لاوباما كان استفتاء قويا على رفض السياسة الحربية التي كان يتبعها جورج بوش. ثم إن أوباما (ولا بد هنا من أن نستشعر انه غير مسلم وأن الذين ساعدوه في الوصول الى البيت الابيض من ذوي الاصول اليهودية) نبذ استخدام عبارة «الحرب على الارهاب»، وقال الاسبوع الجاري بالحرف الواحد إن «الجماعات الارهابية لا تمثل العرب والمسلمين»، وانه قلل من استخدام عبارة «الحرب على الارهاب» لكسب القلوب والعقول كما ذكر. هذا بالاضافة الى تعليقه المحاكمات في غوانتنامو. واعترفت ادارته اخيرا بزعيم الاسلاميين في الصومال شيخ شريف شيخ أحمد رئيسا للبلاد بعد أن صنفته ادارة بوش ضمن الارهابيين ورفضت التعامل مع المحاكم الاسلامية التي كان يتزعمها سابقا بل وحركت اثيوبيا للتدخل عسكريا في الصومال مما زعزع الاوضاع الامنية أكثر.
باراك اوباما عين مبعوثين للسلام أحدهما لمنطقة الشرق الاوسط وهو جورج متشل (ذو الاصول اللبنانية) والاخر ريتشارد هولبروك لباكستان وافغانستان. واعتقد أن الاخير ربما يوصي باجراء محادثات جادة وبناءة مع «بنت عم القاعدة» حركة «طالبان» سواء «طالبان» الباكستانية أو الافغانية لاستيعابهما سياسيا، ولا نستبعد أن يوصي بمحادثات سرية قد تفضي الى هدنة طويلة الامد مع التنظيم الذي نحن بصدده.
لذلك يجب على «القاعدة» ألا يتوقع أكثر مما أعلن حتى الان من ادارة اوباما قبل أن يبدي هو ايضا تنازلات... فمهاجمة قوافل الاغاثة وقتل الاميركيين العاملين فيها في افغانستان وباكستان (كما حدث الاسبوع الماضي) لايساعد في هذا الوقت في مصلحة المسلمين. كما أن عودة بعض اعضاء التنظيم الذين اطلق سراحهم في وقت سابق من سجن غوانتنامو (في اليمن والسعودية على سبيل المثال)، الى قيادة العمليات الارهابية مرة أخرى يفسد النوايا الطيبة التي ابدتها الادارة الاميركية، وبالتالي يعرقل كثيرا الحلول تجاه «اخوانهم» الذين مازالوا معتقلين لدى واشنطن.
ولماذا يطلب تنظيم «القاعدة» من اوباما أن يناصر الفلسطينيين في غزة أكثر من العرب انفسهم الذين مازالوا لا يقفون على مسافة واحدة بين حركتي حماس المسيطرة على القطاع وحركة فتح الحاكمة في الضفة الغربية. هذا مع العلم أن الكونغرس الاميركي طالب وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون بتقديم المساعدات الانسانية للمنكوبين في غزة، أما في السياسة فيجب أن يصلح العرب والفلسطينيون بيتهم الداخلي أولا.
اذن ماذا يضير لو تغيرت لهجة خطابات «القاعدة» على الاقل تجاه ادارة اوباما وليس «اسرائيل»، وذلك بالتوافق مع تغير المواقف الاميركية والاوروبية، إذ إن هناك توجها اوروبيا خفيا للتفاوض مع حركة حماس. ماذا يضير لو قال قادة التنظيم لأوباما «نحن نمد ايدينا بالسلام على اساس المصالح المشتركة وبما يحقق خير البشرية... سلام يحقق آمال شعوبنا الاسلامية في ان تعيش تحت حكم ديمقراطي اسلامي يتوافق مع عقيدتنا وينطلق من أحكام شريعتنا التي نعتز بها، سلام يوقف حرية التعبير التي تسيء الى نبينا محمد(ص) بالرسوم الكاريكاتورية. عندئذ نتوقع دخول كثير من الغربيين المترددين في الدين الاسلامي جماعات ووحدانا.
إقرأ أيضا لـ "عزوز مقدم"العدد 2346 - الجمعة 06 فبراير 2009م الموافق 10 صفر 1430هـ