العدد 2346 - الجمعة 06 فبراير 2009م الموافق 10 صفر 1430هـ

إيران ودول الخليج: عناصر الخلاف ومقومات الوئام (2 – 2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كما أشرنا سيجد من يتناول صحيفة العلاقات الخليجية الإيرانية أنها مليئة بالمتناقضات. لذلك فعلى من يرغب في بناء علاقات استراتيجية مستقبلية حميمة بين الطرفين أن يسعى لتعزيز الإيجابيات وتقليص السلبيات. هذا التوجه يجب أن يكون متوافرا لدى طرفي العلاقة، دونما استثناء.

وعلينا أن نبدأ أولا بالإطار الاستراتيجي الأوسع، قبل أن ننتقل منه إلى العلاقات العملياتية اليومية، فعلى المستوى العقيدي، سنجد أن الفضاء الإسلامي الرحب، يجمع بين الكتلتين، وتقود إحداهما العالم الإسلامي، عقيديا وسياسيا والتي هي المملكة العربية السعودية، والتي هي أيضا، ذات الثقل الأكبر في الكتلة العربية الخليجية.

هذا الفضاء يمكن أن يشكل غطاء استراتيجيا عالميا تنفذ تحت ردائه الكثير من المشروعات والبرامج المشتركة. ذلك لا ينبغي أن يعمينا عن عقبة صغيرة، هي المسألة المذهبية، التي لا تزال تعرقل السير في تلك الجادة الواسعة.

ننتقل من العمق الاستراتيجي، كي نصل إلى القضايا السياسية، وتقف في القلب منها قضية القدس الشريف، أو بالأحرى فلسطين، التي لا ينفي أحد في الكتلتين التزامه بتحريرها، وكحد أدنى، تقديم الدعم لها.

مرة أخرى سنجد الخلافات تدب حول «إطار ذلك الدعم وطرق تقديمه»، وهي قضايا صغيرة عندما تقارن بما يمكن أن يعمل للقدس على المستوى الاستراتيجي، الذي ينبغي تغليبه على أي خلافات صغيرة، قد تبدو كبيرة في مراحل معينة، وقد تكون هناك بعض القوى، داخلية وخارجية، وفي صفوف الطرفين، والتي لها مصالح مباشرة في تغذية الصراعات بينهما حول تلك القضايا الصغيرة.

ومن السياسة ننتقل إلى الاقتصاد، فالنفط والغاز، كمصادر عالمية للطاقة، تشكل عماد اقتصاديات الكتلتين، وإيران والسعودية من الدول الأعضاء النافذين في منظمة «أوبك»، وبالتالي فأي اتفاق أو خلاف بين الكتلتين، ينعكس إيجابا أو سلبا على التوالي، على قرارات الأوبك، وبشكل تلقائي على الأسواق النفطية وحركة الأسعار فيها.

وعلى المستوى الجغرافي، تفتح الأراضي الإيرانية الأبواب على مصراعيها أمام الدول الخليجية لدخول أراض ومن ثم أسواق دول آسيا الوسطى، ومنها إلى روسيا ومن خلالها إلى الأسواق الأوروبية.

بالقدر ذاته تفتح الأراضي الخليجية المجال أمام الاقتصاد الإيراني كي ينفذ عن طريق الأراضي السعودية، ومنها إلى البحر الأحمر، كي ينطلق منها نحو القارة الإفريقية.

مما لا شك فيه أن الأسواق الإفريقية تدغدغ أحلام الاقتصاد الإيراني الباحث عن أسواق جديدة، تكسر من حول أعناقه أغلال «الحصار الغربي» الذي تقوده واشنطن.

وتنقلنا الجغرافيا الطبيعية، نحو الجغرافيا البشرية، كي نحط الرحال عند التركيبة السكانية، فهناك تداخل سكاني عرقي يجعل كل منهما تحتضن جاليات أقلية من الضفة الأخرى.

ففي الخليج العربي، هناك جاليات فارسية تنتشر في كل دوله، وعلى الشاطئ الفارسي، هناك قبائل عربية دأبت على الانتقال بين الضفتين.

بقدر ما يمكن أن يشكل هذا التنوع السكاني ظاهرة تعايشية حضارية متقدمة، نجدها في أحيان كثيرة تستخدم كعناصر منغصة لكدر العلاقات بين الكتلتين.

نخلص من كل ما تقدم أن هناك قائمة من عناصر الخلافات، يكتنفها الكثير من مقومات الوئام، على الطرفين أن يعملا على إدراج الأولى في أسفل سلم العلاقات من خلال تقليص حيز وجودها، وبالقدر ذاته رفع الثانية إلى أعلى سلم الأولويات من أجل تعزيزها وبناء صرح العلاقات على أساسها.

بقيت مسألة في غاية الأهمية، وتلك هي أن السلوك الإيراني، وحتى خلال حقبة حكم الشاه بهلوي، دأب على تبني استراتيجية لها معالم محددة، تتمحور أساسا حول تمسكها بأن تكون قوة إقليمية كبرى لها حضورها الفعلي المباشر، الذي ينبغي على من يريد أن يتعامل مع منطقة الشرق الأوسط أن يأخذ، هذا الحضور في الحسبان. الأمر لم يختلف، وإن اختلفت السياسات والتوجهات، بعد انتصار الثورة الإيرانية، التي هي الأخرى حافظت على أن يكون لها سياسات محددة تخدم أهدافا محددة، ترتكز أساسا على تأكيد الحضور الإيراني الذي ينبغي أن يراعى، ويؤخذ حسابه عند الحديث عن أية استراتيجية بشأن الشرق الأوسط.

طهران، تنطلق أساسا، وفي كل خطوة تخطوها من مصالحها الذاتية، وتضع إنطلاقا منها سياساتها الإقليمية والدولية، وتنسج بموجبها العلاقات العالمية التي تخدم تلك الأهداف وتلبي احتياجات تلك السياسات.

بالمقابل، تصدمنا الهلامية والضبابية عند الوقوف عند الكتلة الخليجية، التي لا يزال من الصعوبة بمكان القول بوجود استراتيجية محددة لها، تنطلق من مصالحها الوطنية الداخلية، وترسم في إطار تلك المصالح استراتيجيتها الإقليمية والعالمية، وتقيم على أساساتها تلك العلاقات. ويكفي التوقف عند الموقف الأخير من «أحداث غزة»، كي تتكشف لنا مده هشاشة تلك الاستراتيجية، وتأرجحها، استجابة لمتغيرات السياسة العالمية، ومصالح القوى التي ترسمها، بدلا من الإصرار على العكس، والتمسك بالمواقف التي تخدم المصالح الوطنية.

ليس القصد من وراء هذا القول القبول بالاستراتيجية الإيرانية، أو حتى الترويج لها، فهذا يعني ارتكاب خطأ فادح، لكن المطلوب هنا الاعتراف بمسألتين: الأولى أن لدى إيران استراتيجية في المنطقة علينا قراءتها بشكل صحيح، والبحث عن نقاط اللقاء معها لتعزيزها، ومناطق الخلاف بينها لتقليصها، والمسألة الثانية، أن الكتلة الخليجية ليست لها استراتيجية، ومن ثم فالمطلوب منها أن تضع لنفسها واحدة، إن هي أرادت أن يؤخذ حسابها عند وضع السياسات الشرق أوسطية.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2346 - الجمعة 06 فبراير 2009م الموافق 10 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً