ليس استخفافا ولا تهكما ولكن الموقف هكذا مثير للاستغراب... مثير للدهشة.
فإحدى المعلمات الله يستر عليها وكما هو معروف أنها مربية للأجيال ومعلمة لهم، عليها مسئولية كبيرة تجاه من تعلمهم.
والميدان التربوي لعله يضج بالمعلمات القديرات المخلصات الواعيات، ولكن نحن نعيش القرن العشرين، أطفالنا الصغار يستطيعون أن يخزنوا في ذاكرتهم العديد من المعلومات ونحن أيضا نطلب منهم ذلك، والمعلمون أيضا يطالبون الأطفال بحفظ وتخزين المعلومات والمزيد منها وكلما حفظ أكثر كانت درجاته أفضل وكان بالتالي أداؤه أحسن بكثير من غيره، فأساليب التقويم المستخدمة في المدارس بشكل عام لاتزال تعتمد بدرجة أساسية على الحفظ والاستظهار.
عندما نقول إن باب النجار مخلوع، أحيانا بغرض التهكم، وأيضا لأغراض أخرى قد تكون أيضا لها مقاصد وأهداف تربوية، فالمعلمة عندما تطلب من التلميذ أن يحفظ عواصم الدول وأسماء المحيطات وقارات العالم وغيرها من مواضيع، قد يضحك عليها التلميذ عندما يعرف عنها بأنها لا تحفظ رقم هاتفها الجوال فذاكرتها لا تستوعب ذلك وهو يتكون من أرقام محدودة جدا، ويضحك أكثر عندما يكتشف بالصدفة أنها هي الأخرى لا تحفظ عنوان منزلها الذي عاشت فيه سنوات طويلة.
ونحن نطالبهم بمزيد من الحفظ، بل إن الأطفال اليوم يحفظون أرقام هواتفهم وأرقام هواتف أقاربهم وأصدقائهم أيضا.
المعلمة التي أذكرها هنا وليس من باب المبالغة طلبت منها تزويدي برقم هاتفها فقالت إنها لا تعرف الرقم فهي لا تحفظه، وللحصول على رقمها عملت كما يعمل أغلب الناس استخدمت هاتفها لأتصل على رقم هاتفي حتى اتعرف على الرقم.
ضحكت ضحكة باردة متعجبة من كونها لا تعرف رقمها، وقلت في نفسي لعلها اليوم تحفظه فقد تعرضت لإحراج كبير اليوم لسبب لا يستحق، تفاجأت عندما التقيت بها مرة أخرى ولست أمتحنها أبدا ولكن حتى أتأكد من أن رقمها خزنته في ذاكرة هاتفي أم لا، طلبت منها تزويدي به فتفاجأت حينها بأنها لا تزال لا تحفظه وهذه المرة كانت منحرجة تماما فقلت لها توقعت أن تكوني قد أخذتي من المرة الفائتة درسا لك، ولكنك عرضت نفسك مجددا للإحراج.
المرة الثالثة كنت أحاول الاتصال بها في أمر غاية في الأهمية ولكنها لم تكن ترد على اتصالي، وعند الإلحاح ردت على المكالمة وعندما تحدثت إلى المكالمة سمعت صوتا لا يشبه صوتها وعرفت منها أنها والدتها وأنها ردت على المكالمة لكون ابنتها نسيت أن تحمل هاتفها معها.
عرفت حينها أن الطفل قد يكون محقا عندما ينسى أن يحل واجباته المدرسية، وأنه معذور إذا لم يرتب أولوياته، أو إذا فضل اللعب على الدراسة، وفضل مشاهدة التلفاز على حل الواجبات، وقدرت أيضا هواياته والتي تجعله يحفظ أسماء غريبة عجيبة على أسماء حيوانات المنطقة الثلجية الباردة.
فمعلماتنا -ليس جميعهن طبعا ولكن هناك عدد لا بأس به- لا يزلن كذلك، فكيف لنا أن نشعر بالأمان ونحن نرى أمورا من السهولة بمكان أن تتحقق وأن تتوافر ولكنها ليس كذلك ونصر على المطالبة بالمزيد المزيد من البذل والعطاء.
أطفالنا يحتاجون إلى قدوات حسنة، محرج جدا اليوم أن تظل المعلمة تجهل استخدام الحاسب الآلي، أو التعامل مع الأجهزة الإلكترونية، أو لا تستطيع التعامل مع الهاتف النقال، ولا تعرف كيف كتابة رسالة نصية بهاتفها الجوال وتعتمد فقط على إدارة المكالمة والرد عليها، مخجل جدا أن تظل المعلمات مكانك سر في محاولة الاستفادة من شبكة الإنترنت وهي التي أصبحت تغزو كل بيت.
الوضع الراهن بات يضغط علينا بثقله ويطالبنا بالمزيد من التطور والارتقاء بهدف مواكبة التغيرات والتطورات المختلفة، من المعيب بالفعل أن نظل فقط نبحلق بعيوننا الكبيرة في الأشياء الجميلة والمتطورة من حولنا من دون أن يكون لنا دور مهم في ذلك، أن نكون متلقين لا بأس بذلك ولكن أن نكون سلبيين في التعاطي ويكون التجاهل ديدننا فهذا مؤسف حقا.
مهنة التدريس مهنة جدا حساسة لأنها تتفاعل مع كل المتغيرات المحيطة بالبيئة ودور المعلم غاية في الأهمية لأنه يخلق الدوافع والتوجهات، فالتلميذ اليوم كما الأمس يصرخ في وجه أقاربه ويقول لهم ليس كذلك فالمعلمة لم تقل ذلك، لا يزال ينظر إليها النظرة الملكوتية المقدسة وكل ما تنطق به هو عين الصواب وكل ما تعلمه لهم فهو الصحيح وعدا ذلك فهو مشكك فيه.
لذلك ومن هذا الموقف أؤكد ضرورة الالتفات إلى ذلك وإن كان الموضوع تافه في نظر البعض ولكنه إذا أهمل فإن له تداعيات ونتائج مترتبة عليه غير إيجابية، فلا يحق لنا أن نستصغر الأمور بعدها نضج من النتائج، وعلينا أن نتحسسها من قرب ونعمل على معالجتها قبل تفاقمها.
أنا وغيري من عامة الناس عندما نلتقي بمعلمات واعيات ومثقفات نشعر بالفخر والاعتزاز وعندما نلتقي معلمات يفتقدن إلى أبسط الأمور نشعر بالفقر ونقول في قرارة أنفسنا إنه غير مناسب ووضع غير صحي.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 2346 - الجمعة 06 فبراير 2009م الموافق 10 صفر 1430هـ