لقد تميز عباس بوصفوان بالمقابلات الوطنية المؤثرة والمورطة ايضا كان آخرها مقابلاته مع فريد غازي وآخر الاخير مع الشعلة. قرأت باهتمام مقابلة الوزير عبدالنبي الشعلة في رده على فضيحة «تقاعد جيت» أو «تأمينات جيت» لكني وللاسف الشديد لم اتلمس فيها أية دسومة علمية، فهي لم تقطر دهنا معرفيا... والقارئ لا يجد فيها الا هروبا واضحا. هذه هي قراءتي بكل انصاف لانها لم تستطع ان تخلخل رقما واحدا من أرقام التقرير، وكانت الاجابات كثيرا ما تهرب من السؤال. ولي هنا بعض التعليق. الوزير طالب - وبكل ثقة ولو ظاهرية - بجلسة علنية وهذه نقطة مهمة لكنا لا نريدها علنية فقط بل ومباشرة ايضا وبلا تقطيع وهذا ما لم يذكره الوزير.
الوزير قال: 1- مجلس إدارة التأمينات الذي كان يرأسه سبع سنوات «رفض عدة مشروعات حكومية» كلام جميل لكنه لم يخبرنا عن عدد المشروعات التي قبلها المجلس من الحكومة وفي اي مشروع استطاع المجلس ان يقول للحكومة «لا»؟ وكم عدد المشروعات واللاءات؟
2- قال الشعلة وأقر بأن «ممثلي العمال وممثلي اصحاب الاعمال في مجلس الإدارة تحفظوا على توصيات كانت تستهدف تمتين الوضع المالي للهيئة وكأني به يلقي الكرة على الممثلين لكنه وللاسف جعل العبارة غائمة فلم يعرف القارئ رأسه من كرياسه.
3- اقر الوزير «بعدم وجود جهاز للرقابة الداخلية»... وهنا نسأل الشعلة: هل من المنطق ان تدار اموال بالملايين لمواطنين فقراء من دون وجود جهاز للرقابة الداخلية؟ وأين غاب مشرع القانون؟ فهل المؤسسات الشخصية للوزراء او المسئولين تفتقد أايضا جهازا للرقابة الداخلية؟ ألا يعد ذلك تسيبا؟ فهل من المنطق ان تبقى عشرات الملايين تحت رحمة إدارة تدير مؤسسة بلا جهاز رقابي؟ الغريب ان الشعلة اعتبر ان احتياطات الهيئة ارتفعت في فترة رئاسته بنسبة 77 في المئة، لكنه لم يوضح لنا حجم الاخفاقات التي حدثت في السنين ذاتها!! اما عن الأرض التي استملكتها الحكومة لبناء جسر الشيخ عيسى بن سلمان فقد نفى تهمة عدم التعويض وقال: اعطيت أرضا لكن إلى الآن لم تسلم وثيقة الملكية.
والجواب: وما الفائدة إذا؟ لقد مضت فترة طويلة وإلى الآن لم تسلم الوثيقة لماذا التأخير اذا ما دام هناك نية للتعويض؟ وهل يبرر ذلك لعدم تخطيط المنطقة، حقيقة اجابات الشعلة هذه المرة لم تكن بالمستوى المطلوب. اجابات ضعيفة تحتاج إلى جرعات رقمية، وهرمونات معرفية. وبعيدا عن لغة الحزن نقول: الاجابات لا تغني ولا تسمن من جوع فكل هذه الأرقام المطروحة والمعروضة لا تعيد دينارا واحدا ذهب. سنقول كثيرا، ولكن كل ذلك لا يشبع بطن متقاعد جائع، ولا يسد رمق شيخ متهالك فالمقابلة لم تشبع صابرا ولم ترفعه عن بساط الفقر.
الشعلة فرح كثيرا «مبديا سروره» من التقرير في نقطة جوهرية لاشك انها ستبقى في اهتمام الوزراء الثلاثة فقد «عبر عن سروره كون التقرير لا يشير إلى مسئولية او حتى شبهة جنائية، أو اتهام لاحد باستغلال منصبه لتحقيق مكاسب شخصية»... لكن الشعلة تناسى ان التهمة ليست من اختصاص التقرير فهو ليس نيابة عامة. وهذا لا يعفي النواب عن مساءلة إلى وزير بكل شفافية بعيدا عن المجاملات. قال الشعلة: من حق المواطن الحصول على كل المعلومات، لكنه تناسى ان المواطن طيلة هذه الاعوام لا تصله الا معلومات مقتضبة - هذا اذا وصلت - عما يجري على امواله. فطيلة الاعوام الماضية كانت المعلومات منتقاة وقائمة على قاعدة ان كل شيء صح، والمنتقد حاقد متآمر. يقول الشعلة: من حق المواطن الحصول على كل المعلومات وهو بعد مرور ما يربو على 23 عاما للتو المواطن فهم القصة وعلم بان الهيئتين في حالة افلاس اذا أين هي المعلومات التي تكلم عنها الوزير وان المساهمين كانوا يزودون بالمعلومات؟ و... يا جماعة خلوها مستورة فهي قارورة قد انكسرت واندلق ما بداخلها، كنا نحسبه عسلا واذا به خل. اضحكني الشعلة بقوله: ان المعلومات في الماضي مؤرشفة في الصحف المحلية يقول الشعلة: الحكومة موجودة في داخل الهيئة - وهو يبرر تدخلها - بشكل قانوني وكأن هدف المشرع من ادخال اشخاص من جهات حكومية لأجل توفير كل التسهيلات والخدمات و... وانا اختلف مع الشعلة في ذلك. فدخول اشخاص من جهة الحكومية زاد الطينة بلة والا أين هي هذه التسهيلات؟ نحن لم نر الا تجاوزات علنية فاضحة كما ذكر التقرير ذلك. فالتسهيلات تؤدي إلى جلب استثمارات ناجحة وليست بائسة، التسهيلات تدر ارباحا والحاصل انها احرقت ملايين للناس في لحظات! التسهيلات لا تلغي فوائد للقروض الممنوحة. التسهيلات لا تقوم بشطب ملايين الدنانير عن مصرف هنا او عن مؤسسة هناك بحجة الكرم وغيره، فالكريم لا يكون كريما بمال الغير! ويبقى السؤال: لو ان الوزراء اقرضوا مؤسسة من مالهم الخاص فهل يسمح كرمهم الشخصي بشطب دينار واحد من هذا القرض؟ هذه اموال الناس لا يحق لاي انسان ان يقوم باهدارها، ولذلك كل وزير تورط في شطب القروض او الغاء الفوائد وغير ذلك من التجاوزات التي ذكرها التقرير يجب ان يعوض الهيئتين من ماله الخاص. وسيبقى مثل هؤلاء مطالبين من الناس ولاشك انهم سيقرأون كل تساؤل عن كل مال ذهب... سيقرأون ذلك في أعين الناس وهي تدمع على اموالهم. ضرب الشعلة بعض الامثلة بسنغافورة. وهنا نسأل الشعلة سؤالا دقيقا: هل الوزير السنغافوري يتعاطى مع اموال هيئة التأمينات على الطريقة ذاتها التي يتعاطى بها الوزير البحريني؟ فاذا كانت الاجابة نعم يأتي السؤال: لماذا نجحت التأمينات الاجتماعية في سنغافورة وافلست في البحرين؟ من السبب؟
يتبع
إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"العدد 487 - الإثنين 05 يناير 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1424هـ