مارست لجنة التحقيق البرلمانية بشأن مزاعم الافلاس للهيئتين - الهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية والهيئة العامة لصندوق التقاعد - مارست عملا مهنيا متقنا في سبيل الوصول الى الحقيقة. منذ لحظة تشكيلها في 15 ابريل/ نيسان 2003م استنادا الى المادة (69) من الدستور والمادتين (160 و161) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب بذلت جهودا متواصلة بحثا عن حقائق دامغة وبراهين واضحة ومعطيات جلية تبين للناس حقيقة الوضع الحالي وآفاق المستقبل لهاتين الهيئتين اللتين ارتبطت بهما وبتطورهما مصائر الاجيال.
وعلى رغم حداثة التجربة البرلمانية في البحرين وبالتالي حداثة التعامل مع مثل هذه الادوات البرلمانية للرقابة والمساءلة فقد تم التعاطي مع عمل اللجنة بكثير من الاحتراف والجدية وبشيء من الحماس، اذ اجتمعت اللجنة على اثر تشكيلها واختيار رئيس ونائب رئيس لها وباشرت عملها من خلال توزيع العمل على لجان فرعية تخصصية تتشكل من أعضاء اللجنة الأم (الاصلية)، وهذه اللجان هي التي ساهمت في البحث عن خيوط موصلة الى الحقيقة والى معلومات مفيدة يمكن من خلالها الوصول إلى حقائق دامغة. وهذه اللجان الفرعية هي: لجنة الاستثمار ولجنة التدقيق واللجنة الإدارية واللجنة القانونية. وقد انيطت بهذه اللجان الفرعية مسئولية جمع المعلومات وتقصي الحقائق ولقاء المسئولين في الهيئتين فرادى ومجموعات. كما انيطت بها مسئولية ما يمكن تحليله من بيانات ومعلومات وتقديم تقرير عن عملها أولا بأول الى اللجنة الأم واخذ التوجيهات منها، اذ استند عمل اللجنة الأم واللجان الفرعية الى المواد (1162 و163 و164) من اللائحة الداخلية لمجلس النواب.
نظام عمل اللجنة واختصاصها
عملت اللجنة ضمن ما انيط بها من مهمة اساسية تتعلق بالنظر في المزاعم التي اثيرت بشأن افلاس الهيئتين (التأمينات والتقاعد) وكان لزاما عليها ان تنظر في الجوانب (الاكتوارية) الفنية وغير الفنية لمزاعم الافلاس بما في ذلك النظر في كل ما من شأنه ان يؤثر بشكل أو بآخر على أوضاع الهيئتين من النواحي المالية/ الاستثمارية والتنظيمية/ الإدارية التي قد تتسبب أو تساهم في هدر مزيد من المال والجهد وضياع الحقوق ما قد يسرع في تحقيق الافلاس لدى الهيئتين.
وفي سبيل تحقيق ذلك قامت اللجنة الأم واللجان الفرعية بعقد لقاءات مع المسئولين في الهيئتين سواء في مقرهما أو في مقر المجلس. كما استمعت الى رأي الخبراء الاكتواريين بالنسبة الى الهيئتين كل على حدة، وتم استدعاء الكثير من المسئولين في الهيئتين الى جانب الوزيرين المعنيين الى مجلس النواب والتحقيق معهم في مجالات عملهم. ولم يتوقف عمل اللجنة الأم واللجان الفرعية على عقد اللقاءات مع المسئولين في الهيئتين بل تخطى ذلك الى اللقاء مع أشخاص وشخصيات كانت لهم علاقة بشكل أو بآخر بالهيئتين. وفي عملها الدؤوب استعانت اللجنة بفرق عمل من المختصين لمساعدتها في تجميع وتبويب وتحليل البيانات والمعلومات، كما استعانت بأحد بيوت الخبرة لمساعدتها في اعداد التقرير النهائي ووضعه في صيغة وقالب مناسبين.
منهجية عمل اللجنة واللجان الفرعية
(أ) من الناحية القانونية/ الاجرائية:
1- اتخذت اللجنة جميع الاجراءات اللازمة للحصول على البيانات والمعلومات والأوراق والوثائق المتعلقة بموضوع التحقيق بناء على المادة (162) من اللائحة الداخلية للمجلس.
2- أجرت ما يقتضيه استجلاء الحقيقة من استطلاع ومواجهة وتحقيقات وزيارات ميدانية وغيرها.
3 - ميزت اللجنة في عملها بين التحقيق البرلماني كونه تحقيقا سياسيا وبين التحقيق القضائي وغيرها من التحقيقات.
(ب) من الناحية الفنية:
1- جمعت ما يمكن من المعلومات والبيانات والحقائق بكل الوسائل الرسمية وغير الرسمية.
2- استعانت بالخبراء والمستشارين من داخل المجلس وخارجه ضمن ضوابط قانونية محددة.
مراحل التحقيق
1- تقصي الحقائق: وبعد ان وضعت اللجنة خطة عملها وتوزيعها على اللجان الفرعية بدأ كل فريق العمل في سبيل تجميع أكبر قدر من المعلومات المكتوبة (الرسمية وغير الرسمية) وبدأت اللقاءات مع أشخاص من خارج الهيئتين كانت ترتبط في السابق بعلاقات مع الهيئتين بشكل أو بآخر وذلك إما بطلب منهم أو بدعوة من اللجنة، وبدأت تتجمع لدى اللجنة بعض الخيوط المفيدة من خلال المعلومات التي قدمها هؤلاء. كما استفادت اللجنة هنا من تقارير الخبير الاكتواري ومن العرض الذي قدمه الخبيران الاكتواريان عن الوضع الاكتواري للهيئتين.
2 - اجراء التحقيق مع المسئولين في الهيئتين عن الوضع الاكتواري للهيئتين من مختلف المستويات الإدارية: وفي هذه المرحلة كان التحقيق يجري مع هؤلاء من دون توجيه أي تهام لهم أو تحميل مسئولية عليهم، بل كان يقتصر التحقيق على التحقق من بعض المعلومات. وكانت المعلومات تزداد كثافة ودقة، وتنجلي مع مرور الوقت الضبابية التي كانت تحيط ببعض الحقائق.
3 - استدعاء الوزيرين المختصين والمسئولين الكبار في الهيئتين لمواجهتهم بالحقائق التي تجمعت لدى اللجنة وامكان تحميلهم المسئولية. وقد جرى فعلا مواجهة حقيقية بين اللجنة وبين الوزير المختص للتقاعد بصفته رئيس مجلس إدارة التقاعد وكذلك الفريق المرافق وهم كبار المديرين في هذه الهيئة. وكذلك الحال بالنسبة الى الوزير المختص الآخر الذي يرأس التأمينات مع فريق مرافق من كبار المديرين في هيئة التأمينات، وهكذا فقد كانت معركة سياسية/ قانونية/ مالية حاول كل فريق ان يثبت مواقعه ويخلخل مواقع الطرف الآخر. وعلى ما اعتقد فإن اللجنة تمكنت من مواجهة الوزيرين ومسئولي الهيئتين بما لديها من حقائق دامغة وبراهين لا يمكن نكرانها ودحضها.
النتائج التي ستترتب على التحقيق
1 - تحديد الخروقات والتجاوزات المالية/ الاستثمارية والقانونية والتنظيمية/ الإدارية: ان التقرير المرفوع للمجلس يتضمن تحديدا واضحا للخروقات والتجاوزات الكثيرة في مجالات عمل الهيئتين وبعض المؤشرات لوجود شبهة جنائية للتلاعب بالمال.
2 - تحديد المسئوليات: فيما يتعلق بالمسئوليات فإن الوزراء المعنيين يتحملون المسئولية المباشرة لما آلت اليه أوضاع الهيئتين سواء الوزراء الحاليين أو الوزراء الذين تعاقبوا على رئاسة مجالس ادارة الهيئتين. وهذه المسئولية سواء كانت مادية أو أدبية فإن نص المادة (45) من قانون مجلسي الشورى والنواب لا يعفيهم من المسئولية المدنية وكذلك المسئولية الجنائية (إن وجدت). كذلك الحال بالنسبة الى كبار المديرين الا ان الفارق بين المديرين الكبار والوزراء فيما يتعلق بالمسئولية يتمثل في ان الوزراء هم وحدهم الذين يتحملون المسئولية السياسية والمدنية والجنائية، بينما المديرون تقع عليهم المسئولية المدنية والجنائية. وفيما يتعلق بالحكومة فإنها مسئولة عن املاءاتها وتدخلها المباشر في أمور الهيئتين وبشكل خاص في امور التأمينات وبالتالي فإن الاخذ بتوصيات اللجنة ربما يخفف عليها من وطأة هذه المسئولية.
3 - التوصيات: في حال اقرار مجلس النواب لتقرير اللجنة والتوصيات الكثيرة التي تقدمت بها اللجنة والتي تقترح حلولا عقلانية جيدة لاوضاع الهيئتين من النواحي كافة فإن ذلك سيضع الحكومة في وضع صعب لانه سيصبح لزاما عليها الاخذ بأكثرية التوصيات ان لم يكن كلها.
4 - استجواب الوزير المعني: ومن ضمن النتائج التي قد تترتب على مناقشة تقرير اللجنة وتوصياتها طرح مسألة استجواب الوزير المعني سواء في الجلسة ذاتها أو في جلسات لاحقة، وهذا حق للنواب يمارسونه ويمارسون من خلال احدى الوسائل البرلمانية حقهم في الدفاع عن المال العام وفي محاربة الفساد والمفسدين.
5 - إحالة ملفات الفساد الى الادعاء العام: قد يتمخض عن المناقشات بشأن التقرير والتوصيات المرفوعة اقتناع بوجود شبهة جنائية في بعض الحالات، ما يستدعي احالة هذا الملف مباشرة الى النيابة العامة للقيام بدورها استنادا الى المواد الكثيرة في قانون العقوبات بشأن اهدار المال العام.
نائب بحريني
إقرأ أيضا لـ "يوسف زين العابدين زينل"العدد 487 - الإثنين 05 يناير 2004م الموافق 12 ذي القعدة 1424هـ