العدد 2704 - السبت 30 يناير 2010م الموافق 15 صفر 1431هـ

معركة الحقوق ومزرعة الحيوانات

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لقد حان الوقت لوضع النقاط على الحروف، بعد هذه الحملة الممنهجة لمحاربة الناشطين الحقوقيين المستقلين، والمؤسسات الحقوقية التي تمثل المجتمع المدني بأمانةٍ وصدق.

المراقب للوضع في السنوات الأخيرة، يدرك أساليب التعاطي الرسمي مع العمل الحقوقي المستقل، من محاولات إسكات وتضييق الخناق، وخلق مؤسساتٍ صوريةٍ هزيلة (غونغو)، واستمالة أشخاص كانوا يوماً بالمعارضة، وأخيراً الحملة الشرسة في بعض الصحف المعادية بطبيعتها لحقوق الإنسان؛ من أجل التشكيك في نزاهة العاملين ومحاولة ربطهم بالخارج كالعادة... على قاعدة «كل من لم يطبّل فهو عميل للخارج !»

الحركة الحقوقية البحرينية لم تكن وليدة اليوم ليتم محاصرتها بكتاباتٍ سطحية من بعض الممسوسين والمتطفلين على الحقوق، وإنما كانت من أنجح الحركات على المستوى العربي، واستخدمت مبكراً الآليات الحقوقية للدفاع عن ضحايا الثمانينيات والتسعينيات.

أحد أكثر النقاط المستخدمة في محاصرة الحركة الحقوقية البحرينية، اتهامها بعدم الحرفية والخلط بين السياسي والحقوقي، مع أن ما تقوم به على درجة كبيرة من الكفاءة والقدرة، كما في التقارير السنوية ومتابعة القضايا وعمليات الرصد المضني للانتهاكات وحالات التعذيب التي عادت بوتيرة متصاعدة في السنوات الأخيرة.

في تشخيصه للوضع، يرى هيثم منّاع أن الثقافة الاستبدادية نجحت في بث هذه اللوثة، مع الترويج لفكرة أن مسألة الحقوق غربية وليست عالمية، وحاول بعضهم يائساً إثبات وجود تعارضٍ بين العهد الدولي للحقوق والإسلام. وحركة حقوق الإنسان ليست دينية أو علمانية، وإنما حركة مدنية إنسانية تشمل البشر جميعاً.

بروز مثل هذه الإشكالية له سببٌ تاريخيٌ موضوعيٌ يرويه منّاع باعتباره من أكبر صنّاع الحركة الحقوقية العربية، على ضوء ما تعرضت له الحركات السياسية من قمعٍ ومطارداتٍ ومنافٍ وسجون. وعندما خرج النشطاء السياسيون من السجن، تاركين خلفهم زملاءهم وراء القضبان، وجدوا أنفسهم أمام مسئولية أخلاقية للدفاع عن المعتقلين السياسيين. وهذا التفسير ينطبق تماماً على الحالة البحرينية، ولعلنا نتذكر أن أحد المطالب الشعبية في التسعينيات كان الإفراج عن المعتقلين، وظل ذلك لصيقاً بالحراك السياسي وحركة الشارع حتى الآن.

الحقوقيون لم يأتوا غزاةً من المريخ، وإنما كانوا كوادر وطنية وإسلامية ناشطة، والجيل الذي غادر المعتقلات لم يكن قادراً على العمل في بحر السياسة الهائج والخطير، لكن الدفاع عن ضحايا أنظمة القمع يوفّر راحة للضمير المعذّب، باعتباره قضية إنسانية واضحة الشفافية والنقاء. كما يوفر فرصةً للمشاركة في الشأن العام دون التعرض ثانية للسجون والتعذيب وسياط الجلاوزة.

هكذا كانت الولادة إذاً... فكل من التحق بحركة الدفاع عن المعتقلين يحمل على ظهره إرثاً سياسياً لا يمكن الانقطاع عنه بمقالٍ يثبت سطحية كاتبه. ومن يعطي دروساً في الحرفية لم يدخل سجناً، ولم يقضِ ليلةً في أفران التعذيب، وإنّما يكتب تحت نفثات مكيفات الهواء، أو تحت دخان الشيشة في المقاهي، أو أثناء تعلّمه صيد السمك على ظهر يختٍ فاخر بعد أن ريّش وطالت سوالفه!

حركة الدفاع عن حقوق الإنسان، تقوم اليوم على أكتاف متطوّعين، يبذلون جهدهم ومالهم، ويضحون بوقتهم وراحة عوائلهم. والهدف تثبيت مفاهيم وثقافة حقوق الإنسان؛ لئلا يبقى المواطن العربي عبداً في مزرعة الحيوانات التي وصفها جورج أورويل في روايته الشهيرة قبل ستين عاماً... بينما هناك صحفٌ وكتاب و »حقوقيون » مزيفون وجمعيات «غونغو » ماتزال تعادي حقوق الإنسان وتروّج لثقافة الحظائر والقطعان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2704 - السبت 30 يناير 2010م الموافق 15 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:29 ص

      السلام على معلم الإنسانية سيد الأحرار ...

      سيستمر هؤلاء الأدعياء في قول ما يريدون .. وفي ترويج ما يحلو لهم .. لا لشئ .. فقط لأن هناك من ينتظر منهم ذلك .. ولأنهم لا يستطيعون تحمل العيش إلا من الحرام .. وسنبقى أحراراً حتى ولو كنا ومازلنا نعوم ضد التيار .. فلم تبق لنا الصراحة من صديق ... ليرحل كل الأصدقاء الجبناء .. ونبقى أحرارا نأكل الحلال .. وننام قريري العين .. هذا أبسط ما تمنحه الحرية للإنسان ... شكرا يا سيد قاسم ...

    • زائر 7 | 6:02 ص

      جحا العربي

      السؤال الاول الذي نحتاج الى اجابة عليه هو هل ما تسميها حركة حقوق ، هل هي سياسية الطابع ام حقوقية .. انا لا اعتقد ان حركة حقوق تسمي الذين حصلوا على الجنسية البحرينية بالمجنسين .. وحين تفعل ذلك فغنها تقصر كلامها على الذين تجنسوا من السنة اما الذين تجنسوا من الشيعة فلا تطلق عليهم هذا الاسم ..! ولتذكر يا استاذ انه عندما قامت احدى المنظمات الامريكية بالمطالبة باعادة المهاجرين المكسيكيين ، قامت في وجهها معظم حركات الحقوق هناك ، وطالبت لهؤلاء بالجنسية الامريكية ان هم استكملوا الشروط ..

    • زائر 6 | 5:17 ص

      لا للتميز0

      اضم صوتى الى صوت زائر 1 انه لا ولن يكون هناك اى فرق بين السنى والشيعى كلنا اخوان الشيعى تحت السنى والسنى فوق الشيعى كلنا اخوان واحبة ولدينا ولاء واحد لا غير0

    • زائر 4 | 2:19 ص

      شكرا سيدنا للانتباه ولكن بعد ويش؟؟؟

      كتبت لك ردي عن الفوتوكوبي لذات المقال لم تكتب تعليقى ولكنك نزعت مقال السوداني عزوز ويش السالفة وبعد ويش ممكن شرح لنا هذا واين مدير تحرير صفحة الاعمدة الم يراقب جيدا والا الصارامة علي تعليقاتنا فقط وهل هذه حرية تعبير تتمتعون بها ولماذا تنسف كل التعليقات من مجازها وإما عن حقوق الانسان فالبعض اخذه تملقا لوصوله لمأربه(البعض الذين لاصلة لهم البته بموضوع الحقوق لامهنيا ولاممارسة) ولكنني اشيد بالسيد نبيل رجب الموقر ومركزه الحقوقي فى اداءه وحرفيته المهنية الشفافة علي مستوي عالمي

    • زائر 3 | 2:17 ص

      بورك قلمك ياسيد

      لقد اختلط الحابل بالنابل ياسيد في هذا البلد فكل من هو وضبع وحقير يريد كل الناس تصير مثله فهم يكرهون كل ماهو شريف وكل من هو شريف في هذا البلد فيبثون حقدهم وكراهيتهم ضد كل المناضلبن والشرفاء ووصلت بهم الحقارة والدناءه انهم يتهمونا نحن البحارنه (الاصل) بان اصولنا من ايران(المحمره) ارايت خسه وحقارة اكبر من هذه
      والاحقر من ذلك انهم يستوردون شعب اخر ويجنسوه كي يلغوا الشعب الاصلي لهذا البلد
      تحياتي لك سيدنا

اقرأ ايضاً