العدد 2704 - السبت 30 يناير 2010م الموافق 15 صفر 1431هـ

مفاجآت بل غيتس في دافوس

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في الأسبوع الأخير من كل عام، وفي منتجع دافوس بسويسرا يتحلق قادة العالم واقتصاديوه ومستثمروه حول طاولات نقاشات ساخنة وأحيانا كثيرة حادة، البعض منها عام مفتوح والآخر خاص مغلق. يضعون أسواق العالم على تلك الطاولات، يشرحون جثث الاقتصادات المريضة كي يتحاشوا انتقال أمراضها لبلدانهم، ويمعنون النظر في تلك الناجحة علها تعينهم على الوصول إلى فرص أخرى جديدة مجزية. المال، وتنميته، هو العامل المشترك بينهم جميعا. وفي كل واحد من هذه اللقاءات الدورية، يختار أولئك القادة سوقا معينة يضعونها تحت المجهر، او قضية معينة تستحوذ على اهتماماتهم دون سواها.

هذا العام، ورغم حضور الأزمة الاقتصادية العالمية في الكثير من جلسات دافوس 2010، لكن نصيب الأسد ذهب إلى قارة إفريقيا السمراء، التي بدأت أنوف عتاولة المال والاستثمار الحساسة تشتم من بعيد عبق أدخنة انتقالها من «قارة ترزح تحت وطأة عجز مالي كبير يجري تمويله بدرجة كبيرة من أموال المساعدات، إلى قارة تتمتع بفائض مالي، يجري البحث عن إطار عمل لإدارة ثروات البلاد من مواردها الطبيعية».

فكما تتحدث بيانات البنك الإفريقي للتنمية، «تحسن ميزان المعاملات الجارية في إفريقيا في السنوات القليلة الماضية بحيث بلغ الفائض الإجمالي 3.3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة بـ 1.3 في المائة في 2004. وتحول العجز المالي إلى فائض بلغ 2.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي من عجز بنسبة 0.1 في المائة في عام 2000». كما بدأت بعض الاقتصادات الإفريقية تشهد فوائض مالية يسيل لها لعاب الصناديق الاستثمارية.

فمن المتوقع أن «تصل احتياطيات نيجيريا، والتي تعتبر ثاني أكبر اقتصاد في منطقة جنوب الصحراء، بالعملة الأجنبية نحو 41.6 مليار دولار. وبلغت إيرادات انغولا من النفط 16.6 مليار دولار».

في وسط هذه الأجواء التي تزكم روائح البحث عن فرص استثمارية هنا، أو ربح هناك، الأنوف، أطل بل غيتس وزوجته ميليندا أن المؤسسة التي تحمل اسمه «ستخصص عشرة مليارات دولار خلال العقد المقبل لاغراض البحث وتوفير اللقاحات للدول الفقيرة، مضيفا «علينا ان نجعل هذا العقد عقد اللقاحات ... فاللقاحات تنقذ وتحسن حياة الملايين في الدول النامية، وأن ابتكارا سيجعل من الممكن انقاذ حياة عدد من الأطفال يفوق عدد من تم إنقاذهم في اي وقت مضى».

من الطبيعي ان ترصد شخصية مثل بل غيتس مثل هذه المبالغ للإنفاق على تطوير تقنيات المعلومات في دول العالم النامي، لكن من يعرف بل غيتس أو قرأ سيرة حياته يدرك بسرعة أن الصدفة وحدها ليست هي التي دفعته كي يقدم على هذه الخطوة، فيختار ميدان اللقاحات مجالا يخصص له مثل هذه المبالغ الطائلة. بل غيتس أو وليام هنري غيتس الثالث ( الاسم الحقيقي لبل جيتس)، هو الشخص الذي تمرد على قرار عائلته الارستقراطية التي أرسلته إلى جامعة هارفرد الأميركية كي يتلقى دروسه في القانون، ويسير بعد ذلك على خطى والده، لكنه عوضا عن ذلك يترك مقاعد الدراسة في هارفرد الواعدة ويتجه نحو تطوير برمجيات للحاسب تتحول من شركة يعمل بها 3 موظفين ولا تتجاوز أرباحها عشرين ألف دولار، إلى نحو 40 ألف موظف، وأرباح تربو على 23 مليار دولار في العام 2000، ثم يصل عدد موظفيها إلى نحو 60 ألف موظف، يحققون أرباحا تقترب من 37 بليون دولار بحلول العام 2004.

لم يضحِ بل غيتس بمستقبله الأكاديمي عبثا، بل توجه نحو صلب صناعة الحاسبات، واقتحم أسوار قلعتها عندما شرع في تطوير نظام التشغيل المعروف باسم «دوس»، والذي بدأت بتطويره في البداية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي شركة بريطانية.

واستطاع من خلال تطوير ذلك البرنامج الارتقاء به من إم إس دوس (MSDos) إلى ويندوز. ونظام الدوس هو المسئول عمليا عن القيام بالمهام الأساسية من مستوى «إدارة وتخصيص مصادر الحاسوب مثل الذاكرة، القرص الصلب، الوصول للأجهزة الطرفية الملحقة وغير ذلك من الوظائف، مثل ترتيب أولوية التعامل مع الأوامر، التحكم فى أجهزة الإدخال والإخراج، تسهيل الشبكات، وإدارة الملفات «. ونجح من خلال ذلك البرنامج أن يقيم على أركان ذلك إمبراطورية شركة مايكروسوفت المالية والتقنية الي تجاوزت الكثير من الشركات التي سبقتها في الميدان ذاته.

بل غيتس يدرك أكثر من غيره دور اللقاحات ولذلك نراه يصر على مضاعفة التزاماته التي أنفق منها نحو 4.5 مليارات دولار، وأنه مقتنع أن «الأموال التي قدمها منحا على مر السنين لخدمة القضايا الصحية في إفريقيا وآسيا كانت تساوي ذلك». وتعزز هذا الإصرار زوجته ميليندا حين تقول «نعتقد حقا أن اللقاحات معجزة عظيمة في حياتنا».

ربما تكون مبادرة بل غيتس أشبه ما تكون بالمفاجأة، لكنها كانت مفاجأة سارة بالمستوى الإنساني. بل لعلها نجحت في نقل أروقة دافوس من سحب الستثمارت وقضايا المال التي لبدت سحبها أجواء ذلك المنتجع، إلى سماوات العمل الإنساني التي يبحث غيتس عن العمل تحت ظروف أهدافها النبيلة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2704 - السبت 30 يناير 2010م الموافق 15 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 4:17 ص

      هل نتعلم من بيل غيتس؟

      ما قام به ويقوم به بيل غيتس وزوجته عمل نبيل وانساني يشرف كل انسان على وجه الارض واتمنى ان يتبعه الاخرين وبالاخص المتنفذين الذين يحصلون على اموال طائلة بدون اي جهد ... جزاك الله خيرا يا بيل غيتس وكثر الله من امثالك

    • زائر 1 | 9:46 م

      نحن مع بيل غيتس ولكن ضد مبدأ "الطرارة" على أصولها

      شكرا استاذ عبيدلي والواقع يشهد بأن النفعيين بشراهة أخذوا أكثر مما عطوا وذلك لتعلمهم فن الطرارة وإستنفاذ اموال لم يتعبوا فيها والدليل على ذلك خرجي كوبونات الجامعة الخاصة والذين يمتازون بالكسل حتى النخاع وأن "الطرارة" علمتهم بعدم الجد والتعب مع تحيات (إبراهيم بوعم الصنقيحي)

اقرأ ايضاً