العدد 2346 - الجمعة 06 فبراير 2009م الموافق 10 صفر 1430هـ

الغريفي: الحاجة ملحة إلى فتح أبواب الحوار والقرارات لا تعالج القضايا الخطيرة

الوسط - محرر الشئون المحلية 

06 فبراير 2009

قال إمام مسجد الصادق بالقفول السيد عبدالله الغريفي في كلمته أمس الأول (الخميس) بعد صلاة العشاء إلى فتح أبواب الحوار لمعالجة الأمور، بدلا من التفرّد باتخاذ القرارات.

وتعليقا على قرار وزير العدل والشئون الإسلاميّة، قرار رقم (2) لسنة 2009،بشأن ضوابط الخطاب الدّيني قال الغريفي إنه إذا كانت الضوابط هنا ضوابط وآداب شرعيّة طبعا فلا إشكال أنّها تستقى من الكتاب والسنّة، ولا إشكال أنّ الفقهاء هم الذين يستنبطونها وليس الوزارات ومؤسسات الدّولة.

وأوضح الغريفي أنّ للخطاب الدّيني ضوابط وآدابا حدّدتها الشريعة الإسلاميّة، وذكرها أعلام الأمة في كتبهم ومؤلفاتهم، ولا ننكر ضرورة أن يلتزم الخطاب الدّيني بهذه الضّوابط والآداب،

ولكنّ السؤال المطروح هنا تعقيبا على القرار الصّادر: هل إنّ وزارة العدل هي المرجعيّة لتحديد هذه الضّوابط؟

وأشار إلى أنه إذا كان الحديث عن «إجراءات رسميّة» تحرّكت بدوافع «تنظيميّة» أو بدوافع «سياسيّة» فالكلام يأخذ مسارا آخر، فالخطاب الدّيني ليس خاضعا إداريّا لأجهزة الدّولة فأصحاب الخطاب الدّيني ليسوا موظّفين لدى الدّولة إذا استثنينا المنتمين إلى «كادر الأئمة» حتى تصدر لهم الأوامر من مؤسسات الدّولة.

وذكر أن الدوافع السّياسيّة للسّلطة لا يمكن أن تُفرَض على الخطاب الدّيني، وإنّه لتناقضٌ واضحٌ أن يطالب هذا القرار بعدم تسييس المنابر الدّينيّة، وفي الوقت ذاته يحاول هذا القرار - المحكوم لدوافع سياسيّة - أن يتدخّل في شأن الخطاب الدّينيّ.

وبين أنه قد يقال إنّ هذا التدخّل الرسميّ من أجل حماية المنابر الدّينيّة حتى لا تنحرف عن أهدافها التي رسمها الدّين، نقول: ليس القرار الرسميّ هو الذي يحمي المنابر الدّينيّة لكي لا تنحرف عن أهدافها الشرعيّة، فكثيرا مّا تكون الهيمنة الرسميّة هي التي تنحرف بالخطابات الدينيّة عن أهدافها كما حدّدها الله سبحانه، مضيفا أن التاريخ حافلٌ، والحاضر شاهدٌ على حجم «استغلال الخطاب الدّينيّ» في خدمة أهداف الأنظمة الحاكمة، ولسنا في حاجة إلى طرح أمثلة وشواهد، إذا التدخّل الرسميّ هو الذي ينحرف – غالبا – بالخطابات الدينيّة عن مساراتها الأصيلة، وعن أهدافها المرسومة من قبل الدّين.

وتطرق السيد عبدالله الغريفي إلى ما يحمي الخطاب الدّينيّ من الانحراف عن مساراته وأهدافه الحقيقيّة، فقال: إن الذي يحمي الخطاب الدّينيّ من أن ينحرف عن مساراته وأهدافه الحقيقيّة، هو:

الوعي الذي يحمله أصحاب الخطاب الدّينيّ، فمن خلال هذا الوعي تتحدّد حركة الخطاب، ومضامين الخطاب، واستقامة الخطاب، وحينما يغيب الوعي الأصيل ينحرف المسار، وترتبك المفاهيم، وتتيه الرؤى.

وذكر من أسباب حماية الخطاب الديني من الانحراف هو التقوى والورع والخوف من الله سبحانه وتعالى، وهذا الشرط هو الضّمانة الأساس في تحصين الخطاب الدّينيّ من أن ينزلق في المتاهات المنحرفة، والمسارات الزّائفة، وهذا الشرط هو الذي يحمي الخطاب الدّينيّ في مواجهة كلّ حالات السقوط، وفي مواجهة كلّ أشكال المساومة على حساب المبادئ والأهداف... حينما يضعف في داخل الإنسان عنصر التقوى والورع والخشية من الله، فمن السّهل جدا على هذا الإنسان أن يصبح أداة طيّعة في قبضة الأهواء والشّهوات، وفي قبضة المساومات والإغراءات والضغوطات، أكان عالم دين، أو خطيب منبر، أو رجل صحافة، أو صاحب قلم، أو في أيّ موقع.

وقال الغريفي إن وعي الأمة والتزامها وصلابتها من أسباب حماية الخطاب الديني، فحينما يكون لدى النّاس هذه المكوّنات الإيمانيّة فلن تسمح لخطاب المنبر الدّينيّ أن ينحرف، أن يعبث بأهداف الدّين، أن يتاجر بقيم الرّسالة، أن يستسلم لرغبات الحكّام والسّلاطين... فكم من أئمة مساجد، وخطباء منابر أرادوا أن يوظّفوا خطاب الدّين توظيفا منحرفا، فتصدى لهم النّاس الواعون المخلصون وأجبروهم على أن يستقيموا أو أن يتخلّوا عن هذه المواقع الدّينيّة وإلا فمصيرهم النّبذ والمقاطعة والهجران.

وذكر الغريفي إذا حاولت السّلطة أن تبرّر هذا التدخّل وفرض الضّوابط على الخطاب الدّينيّ بكون ذلك حماية لأمن البلد واستقراره، فغياب هذه الرقابة شجّع البعض على أن يتمادى في خلق أجواء من التوتّر والاضطراب، وخاصّة أنّ الخطب الدّينيّة لها تأثيراتها الكبيرة على مشاعر النّاس وأحاسيسهم... فكم من خطابٍ دينيّ أجّج صراعات وفتنا طائفيّة، وتحشيداتٍ مذهبيّة، وكم من خطابٍ دينيّ خلق أوضاعا أمنيّة قلقة، وأثار أجواء متوتّرة، ألا يشكّل هذا ضرورة لتدخّل السّلطة لكي تفرض ضوابط على المنابر الدينيّة، وخطب المساجد حتى لا يسيء البعض استخدام هذه المواقع فيما فيه إضرار بأمن البلد، واستقراره ووحدة أبنائه.

مبينا الغريفي أن هذا الكلام يبدو وجيها جدّا، فلا أحد يسمح بالإساءة إلى أمن البلد واستقراره ولا أحد يسمح بالإساءة إلى وحدة الشعب وتلاحم أبنائه، فالخطاب المحرّض على الفوضى والعبث بأمن الوطن خطابٌ مرفوض، والخطاب المحشّد الذي يزرع الفتن الطائفيّة خطابٌ مقيت، ولكن ما الأسلوب الأسلم لإيقاف هذا النّمط من الخطابات؟، هل إنّ إصدار قرارات رسميّة تفرض مزيدا من الهيمنة والضغط على المساجد والمراكز الدينيّة هو الأسلوب الأسلم والأقدر على تحقيق هذا الهدف؟

مجيبا: لا نعتقد ذلك، بل إنّ إجراءات من هذا النوع تخلق ردود فعلٍ تزيد الأمور تعقيدا، ملفتا إلى أن الأسلوب الأسلم هو العمل الجاد على إلغاء كلّ أسباب التوتّر الأمنيّ، وإلغاء كلّ العوامل التي تحرّك الأجواء الطائفيّة.

وقال الغريفي إن السّلطة لو أصدرت ألف قرارٍ وقرار ووضعت ألف ضابطٍ وضابطٍ لإيقاف الخطاب الناقم والمتشدّد، فإنّ ذلك لن يجدي ما دامت عوامل التأزّم الأمنيّ تتحرّك على الأرض بقوّة، مبينا؛ لنفرض أنّ السّلطة حاصرت الخطاب في المساجد والحسينيّات والمنتديات ووسائل الإعلام، ولنفرض أن السّلطة أغلقت المواقع الإلكترونيّة، فهناك الوسائل الكثيرة والمتعدّدة للتعبير عن الرّأي والتي لا تملك الأنظمة السّياسيّة أيّ قدرةٍ على إيقافها أو محاصرتها.

وأردف الغريفي لو أصدرت السّلطة ألف قرارٍ وقرار في مواجهة الخطاب الطّائفي، فإنّ ذلك لن يجدي ما دامت أسباب التأزيم الطّائفي تتحرّك على الأرض بقوّة، ملفتا إلى أن السّلطة لكي توفّر على نفسها مؤنة القرارات فالمطلوبُ منها أن تعالج الأسباب والعوامل وعندها لن تسمع خطابا متشنّجا سياسيّا أو أمنيّا أو طائفيّا.

هذا كلّه إذا صحّ تصنيف هذا الخطاب أو ذاك ضمن الخطابات الطائفيّة أو الخطابات المسيئة لأمن البلد واستقراره.

أمّا إذا تحفّظنا على المعايير المعتمدة لدى السّلطة في هذا التصنيف، فهنا نواجه إشكاليّة أخرى، فما يسمى عند السّلطة خطابا مضرّا بالأمن هو بحسب الواقع ليس كذلك، وما يسمى عند السّلطة خطابا طائفيّا هو بحسب الواقع ليس كذلك.

فمن الذي يحدّد معايير التصنيف؟ وحينما تتباين المعايير، كيف تعالج الأمور؟، مبينا أن الأمور لا تعالج بالقرارات في قضايا خطيرة وحسّاسة على هذا المستوى، هنا تكون الحاجة ملحة إلى فتح أبواب الحوار لمعالجة الأمور، بدلا من التفرّد باتخاذ القرارات، فقبل مدةٍ صدر عن وزير العدل قرار بشأن المساجد والحسينيّات، وولّد ردود فعلٍ غاضبة، ومازالت ردود الفعل الرافضة مستمرّة ومازال الوضع مرشّحا لتداعياتٍ خطيرة.

لماذا كلّ هذا؟ إنّه نتيجة التفرّد باتخاذ قرارات في قضايا لها حساسّيتها المذهبيّة. مشيرا إلى أنه كان من المقرّر أن يتمّ لقاء مع كبار العلماء وحدّد موعد اللقاء، وفي اللحظة الأخيرة يأتي الاعتذار من الوزير؟، مردفا أبهذه الطريقة تعالج الأزمات؟، لماذا هذا الإصرار على رفض اللقاء والتحاور؟، ونفاجأ في هذه الأيام بقرار آخر يصدر عن وزير العدل والشئون الإسلاميّة بشأن ضوابط الخطاب الدّينيّ. وهكذا تزدحم السّاحة بقرارات، وتزدحم السّاحة بردود فعلٍ غاضبة وبتداعياتٍ صعبة... في وقت أصبحت أوضاع البلد مرهقة بأزمات وتوترات واحتقانات أمنيّة وسياسيّة.

وقال الغريفي أما آن الوقت إلى تصحيح هذا المسار؟، أما آن الوقت إلى أن تستجيب السّلطة لنداءات الحوار؟، مضيفا أنّ المعالجات الأمنيّة المتشدّدة لن تحسم الأمور، ولن تصلح الأوضاع، ولن تخفّف الأزمات. وذكر الغريفي، ليست مخلصة لهذا الوطن تلك الأصوات التي تحرّض السّلطة على الاستمرار في هذا النّهج، مردفا، من المؤسف جدا أن تصرّ بعض الخطابات على إنتاج الحقد الرّسمي ضدّ طائفةٍ كبيرةٍ من أبناء هذا الوطن بذرائع واهمة ومختلقة.

وأضاف من المؤسف أن تصغي السّلطة إلى تلك الخطابات المسكونة بالحقد والطائفيّة، والتي ما فتئت تمارس السّب والقذف والإساءة من دون أيّ رادع، فهل تبقى صدقية لما يسمّونه بضوابط تستهدف طائفة معيّنة، وتستهدف خطابها فقط، لا ننطلق من ظنٍّ سيئ وإنّما هو الواقع يشهد بذلك.

وذكر أن هذه واحدة من الإشكالات التي تجعلنا نشكّك في دوافع هذه المشروعات وفي أهدافها، وحتى لو سلّمنا بسلامة بعض المشروعات، فإنّ تطبيقاتها المحكومة للمزاجات الطائفيّة تجعلنا نعيش الرّيبة والشّك تجاه هذه المشروعات.

وقال الغريفي: لسنا أعداء لمشروعات السّلطة، غير أنّ الأمور تتحرك بطريقة مقلقة جدّا، ونكرّر أنّ الأوضاع في حاجةٍ إلى لقاءاتٍ وحواراتٍ جادة وصادقة، وأخشى ما نخشاه أن يتشكّل اليأس في داخل النفوس ويموت الأمل، وكم هو خطير أن يصل الأمر إلى هذا المستوى، وما دامت بقايا الأمل لاتزال موجودة، فيجب أن تستجيب السّلطة إلى دعوات الحوار وإلى مبادرات الخيّرين قبل فوات الأوان.

وختم الغريفي كلمته بقوله: إنّ ما جاء في المذكّرة المرفقة بقرار الخطاب الدّينيّ من تعداد مجموعة من الضّوابط والآداب، في حاجة إلى مناقشة ودراسة، ولست هنا في صدد ذلك حيث ناقشنا أساس القرار، أمّا هذه الضّوابط والآداب المنصوص عليها، فلنا حول بعضها ملاحظات وإشكالات، أترك ذكرها إلى وقت آخر... وحينما أقول «بعضها» فهذا يعني أنّ البعض الآخر لا غبار عليه من حيث المبدأ، إلا أنّنا نرفض هذا النّمط من الآليات في التعاطي مع خطاب المنابر الدّينيّة، وإذا لم تصحّح هذه الآليات فسوف تكون النتيجة مزيدا من التأزّم والتوتّر، ومزيدا من التداعيات المضرّة بأوضاع البلد..

إننا نؤكد وبكلّ إخلاصٍ ضرورة أن يحافظ الخطاب الدّينيّ على أهدافه الحقيقيّة، وعلى لغته النظيفة، وعلى أدواته المشروعة، كما نرفض وبشدّة أن يتحوّل هذا الخطاب مصدر إضرارٍ بأمن البلد واستقراره ومصدر تأجيجٍ طائفيّ وفتن وصراعات.

مفيدا أنّ حماية هذا الخطاب ليس باعتماد هذا النّمط من الآليّات والقرارات الرامية إلى فرض الهيمنة والسّيطرة، ومصادرة الحريّات، داعيا إلى التحاور حول «آلياتٍ» أكثر قدرة على تحصين الخطاب الدّينيّ، وحماية المنابر الدّينيّة ليمارس هذا الخطاب مسئوليّاته كما أرادها الله سبحانه. وبما يحقّق كلّ الخير والعطاء للوطن والمواطنين.

العدد 2346 - الجمعة 06 فبراير 2009م الموافق 10 صفر 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً