من غير المرجح فيما يبدو أن تقنع خطط المغرب لنقل بعض السلطات لمناطق النشطاء المدافعين عن استقلال الصحراء الغربية بقبول سيادة المملكة على هذه الأراضي.
ويذكي نزاع يمتد لعقود على مستقبل الصحراء الغربية التوتر بين المغرب والجزائر المجاورة الذي أفسد محاولات إنشاء اتحاد سياسي واقتصادي على غرار الاتحاد الأوروبي لإخراج أجزاء كبيرة من شمال إفريقيا من الفقر.
وتخشى أوروبا والولايات المتحدة أن تكون هذه المشكلة هي التي تحول دون تعاون المغرب والجزائر لاحتواء المتشددين المرتبطين بتنظيم «القاعدة» الذين يسعون إلى حكم إسلامي في شمال إفريقيا.
وعرض المغرب حكما ذاتيا محدودا للصحراء الغربية، لكن جبهة البوليساريو التي تسعى للاستقلال وتدعمها الجزائر تصر على إجراء استفتاء يكون الاستقلال أحد الخيارات المطروحة من خلاله. ولم تسفر محادثات لثلاثة أعوام بدعم الأمم المتحدة عن أي نتائج.
ويقول محللون إن خطة المغرب من أجل مزيد من الحكم الإقليمي تهدف إلى التعامل مع الآمال المحبطة في مزيد من الديمقراطية بالمملكة وإظهار جديته في اقتسام السلطة لسكان الصحراء الغربية الذين تساورهم شكوك عميقة في السلطات بالرباط.
وقال رئيس تحرير صحيفة «أخبار المغرب» اليومية، توفيق بوعشرين، «الحكم الذاتي والجهوية (نقل بعض السلطات للمناطق) الشيء نفسه. الجهوية ستكون حكما ذاتيا للصحراء الغربية وشيئا مختلفا للمناطق الأخرى».
وأضاف «إذا نجحت الخطة فإنني أعتقد أن سكان الصحراء الغربية سيقبلون بها لكنني أعتقد أن الجهوية ستكون مجرد إعادة تنظيم لنظام احتكار الثروة والسلطة نفسه الموجود لدينا في الرباط».
وضخ المغرب المال والبشر في الصحراء الغربية وهي مساحة شاسعة من الأرض الصحراوية توازي مساحتها مساحة بريطانيا وبها احتياطيات مربحة من الفوسفات ويحتمل وجود نفط قبالة ساحلها.
ولا تعترف أي دولة رسميا بزعم الرباط أحقيتها في الأراضي، لكن حلفاءها مثل فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة أعطوا دفعة لاقتراح الحكم الذاتي الذي طرحته بوصفه نقطة بداية واعدة.
ونفى مسئولون مغاربة أن تكون خطة نقل بعض السلطات للمناطق جزءا من مسعى دبلوماسي يتعلق بالصحراء الغربية، لكن خبراء يرون أن هناك صلة واضحة.
وقال الوزير السابق والدبلوماسي المخضرم، محمد المساري «الواقع أن الأمر يتعلق الرسالة نفسها ولكن يتم بثها كما يقال بلغة تقنية البث الإذاعي على موجتين».
ويقول مسئولون بالرباط إن الصحراء الغربية ستكون أول «معمل تطوير» لنقل متقدم للسلطات إلى المناطق.
وفي كلمة ألقاها هذا الشهر معلنا إنشاء الهيئة الاستشارية للجهوية قال عاهل المغرب الملك محمد السادس «المغرب لا يمكن أن يبقى مكتوف اليدين أمام عرقلة خصوم وحدتنا الترابية للمسار الأممي لإيجاد حل سياسي وتوافقي للنزاع المفتعل حولها على أساس مبادرتنا للحكم الذاتي الخاصة بالصحراء المغربية» في إشارة إلى جبهة البوليساريو والجزائر.
ويشك النشطاء المؤيدون للاستقلال في أن يدفع هذا الإصلاح المزيد من سكان الصحراء الغربية إلى تأييد المغرب.
ويقولون إن المغرب الذي يعاني من انتشار الأمية على نطاق واسع فضلا عن التفاوت الكبير في توزيع الثروة يحتاج إلى معالجة المشاكل الاجتماعية المتأصلة ونقص الديمقراطية قبل أن يصبح بديلا له صدقية بالنسبة لأنصار البوليساريو.
وقال الناشط من الصحراء الغربية، محمد المتوكل «اقترح المغرب الحكم الذاتي قبل اليوم ويضيف هذا النقل المتقدم لبعض السلطات للمناطق، لكن الصحراويين ما زالوا غير مقتنعين جوهريا بالحكومة المغربية التي يعتبرون أنها ليس لها حق في تحديد مستقبلهم».
وسيطر المغرب على معظم الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا من مستعمرتها العام 1975 ما أدى إلى نشوب حرب مع مقاتلين من الصحراء الغربية من أجل الاستقلال بدعم من الجزائر.
وانتهت الحرب العام 1991 حين توسطت الأمم المتحدة في وقف لإطلاق النار على وعد بإجراء استفتاء لتحديد مستقبل المنطقة. وعرقل المغرب الاستفتاء قائلا إنه سيستحيل تنظيمه بنزاهة.
ويقول محللون سياسيون مغاربة إن نقل بعض السلطات للمناطق سيسفر عن إنشاء هيئات تشريعية وتنفيذية منتخبة للإشراف على التنمية الاجتماعية بتدخل أقل من الرباط.
وأشار وزير المالية، صلاح الدين مزوار، إلى أن من الممكن تطبيق نقل بعض السلطات للمناطق (الجهوية) في أوائل العام المقبل.
وقال في مقابلة مع صحيفة «الجريدة الأولى»، «ابتداء من العام 2011 سنركز أكثر على المقاربة الجهوية. كل جهة قامت ببلورة توجه متكامل ستجد ترجمته في إطار قانون المالية (الموازنة) الذي سيوجه الإمكانات».
لكن النشطاء من الصحراء الغربية المدافعين عن الاستقلال ينددون بالجهوية بوصفها ستارا جديدا يسمح للمغرب بإحكام قبضته على الصحراء الغربية.
وقال الناشط المتوكل «العرض الجديد... سيعطي لدبلوماسية المغرب فرصة لالتقاط الأنفاس مع فتح باب في الإقليم لجهازه الأمني»
العدد 2704 - السبت 30 يناير 2010م الموافق 15 صفر 1431هـ