قبل أشهر من الآن كتب عادل رؤوف مؤلفه الشهير «عراق بلا قيادة»، وهو كتاب - كما يعرفه صاحبه - «يحاول إعطاء تصورات عن أزمة القيادة في العراق بمفهومها العام في نقطة جغرافية محددة، وفي زمن محدد، بما يستدعي كل تلك الاتجاهات كحقول تحركت عليها، انطلاقا من الأداء القيادي الميداني كركيزة في القراءة التي حكمت إلى منهج مرن ومتحرك والتي كانت راصدة بالضرورة لملابسات الصيرورة التاريخية لخط مهيمن من خطوطها حكم إلى علاقات خاصة مع الأمة والسلطة وخطوط المؤسسة الأخرى».
هكذا يشخص عادل رؤوف مشكلة القيادة في العراق، لكن توصيفه يبقى قاصرا، فأزمة القيادة في العراق أخالها أزمةٌ أبدية - فطرية أكثر منها مؤقتة أو طارئة، والتاريخ السياسي الحديث للعراق يثبت ذلك، فلم يستقر عود أي سلطة سياسية في العراق إلا بالبطش أو على الجماجم، لذا فإن الجنين السياسي الجديد من الصعوبة بمكان فصله عن سياقاته التاريخية مهما تغيرت الظروف والشخوص وعوامل التلاقي والافتراق.
شهرٌ واحد ليس إلا، يفصلنا عن لحظة إزاحة الستار عن اللوحة السياسية المقبلة، ولاعبوها الأساسيين والاحتياطيين وكذلك الخارجون من اللعبة بما قد يشكل مفاجأة في الواقع العراقي، ومن شأن أية مفاجئة من هذا القبيل أن تضفي على الجو في العراق مشهدا من الاستقرار النسبي وانقشاع الغيوم أو أن تسير الأمور في الاتجاه المعاكس تماما.
الرياح القادمة من جهة العراق قبل وأثناء العملية الانتخابية المقبلة ستحدد مجرى الكثير من الأمور ذات الصلة بالمشهد الإقليمي، وخصوصا مدى تقبل المحيط العربي لحكومة بغداد المقبلة، وستترك تلك الرياح أثراَ متعاظما على الاستحقاقات الداخلية في جميع الدول المجاورة لبلاد ما بين النهرين.
ومن دواعي الأسى أن الاستقطابات الطائفية لا تزال تشكل قطب الرحى في الصورة السياسية العراقية، رغم بروز تكتلات سياسية كبرى تجمع بين دفتيها مكونات الشعب العراقي العرقية والمذهبية المختلفة، ولكن هذه الكتل لم تغادر العود الطائفي في معزوفاتها، بل وجد كلٌ منها حضنا خارجيا دافئا سياسيا وإعلاميا، وهو سببٌ يدفع للاعتقاد أن ثمة خطرا حقيقيا قد يقوض فرص الاستقرار والتنمية في بغداد إذا لم يتم تداركه قبل أن يبلغ مرحلة الاستفحال.
مخطئ من يعتقد أن دول الجوار فضلا عن الدول الكبرى المتوغلة في الشأن العراقي ستترك العراق لوحده على أية حال، فهي سعت وستواصل مساعيها للتأثير المباشر وغير المباشر ليس على الحراك السياسي الداخلي وإنما ستتنافس بشدة على حسم معركة الانتخابات، ولهذا السبب بدأت الطبول الإعلامية تدق الأجراس الطائفية طمعا في مولودٍ سياسي مشوه وغير قادر على الحراك!
لذلك كله من الصعب منح صك البراءة لمحيط العراق في تحمل مسئولية العمليات الإرهابية النوعية، فتلك القوى تريد أن يظل العراق وحتى أجل غير معلوم ساحة للتنافس الإقليمي والدولي ولتصفية الحساب بين الفرقاء، وربما هدفها أبعد من مجرد إخلال أمني مؤقت بل ضرب العقيدة الأمنية والسياسية وثقة العراقيين بمؤسساتهم الجديدة. وإلا فبخلاف التفجيرات الكبرى في العاصمة العراقية ونظيرتها المتقطعة في بعض المدن، فإن الأمن في العراق ليس هشا إلى هذه الدرجة، ورغم اختراق بعض الأجهزة الأمنية، فإنه ليس من الصحيح المبالغة في تقليل أو تهويل حجم ذلك الاختراق.
ليس غريبا القول إن هذه المنطقة - ستكون شاءت أم أبت - على أعتاب محطة جديدة بعد الانتخابات العراقية، فالعراق القوي المستقر قد لا يبعث على ارتياح الكثيرين، رغم ما رأوه بأم عينهم من خراب البصرة نتيجة غياب فعلي للدولة العراقية وخصوصا في السنوات الأولى التي أعقبت سقوط النظام السابق.
ورغم المصالح الآنية صغرت أم كبرت لجيران العراق، فإنه ليس من مصلحة أحد استمرار نزيف الدم العراقي إلى أجل غير مسمى، وحكومات المنطقة يجب أن تلعب دورا أكثر رشدا ومسئولية تجاه العراق الجديد.حان الوقت لأن تترك دول المنطقة التعامل مع العراق كلقمة سائغة تتنافس على التهامها متى ما سنحت الفرصة، لأن كرة اللهب تتدحرج سريعا.
على انه مهما قيل عن ضبابية المشهد الراهن في بلاد الرافدين، فإن مؤشرات الاستقرار في العراق كثيرة، وأهمها التحسن التدريجي في الملف الأمني (اللهم العمليات التي تريد أن تسبح عكس التيار)، والمؤشر الآخر هو التعافي الاقتصادي المضطرد والتوجه إلى خيار إعادة الإعمار رغم كل الدمار والتحديات، فالعراق أبرم في نهاية العام الماضي ومطلع العام الجاري عددا كبيرا من الاتفاقيات النفطية البالغة الأهمية مع كبرى شركات التنقيب العالمية التي يسيل لعابها من اجل الاستثمار في حقول النفط الغنية، وتلك الصفقات قد لا تروق بالضرورة لمنافسي العراق.
ثمة تحديات حقيقية تواجه النظام العراقي المقبل، وهو القدرة على بسط الأمن بشكل كامل، وإعادة ثقة العراقيين بالمشروع السياسي الذي بنوه في الانتخابات الأولى متحدين أزيز التفجيرات، كما ينتظر من الحكومة المقبلة رسم التحالفات مع دول الجوار والعالم على أسس تكفل المصلحة العراقية لا مصالح أي من القوى الأخرى.
كما أن الإلغاء التدريجي لخيار المحاصصة الطائفية والعرقية مطلب مهم واستراتيجي وهو إحدى أكبر الاستحقاقات المهمة بالنسبة للعراق في المرحلة المقبلة، فإذا كان مقبولا أو مبررا في الحد الأدنى القسمة السياسية التي كانت تفرضها تجاذبات الواقع فان استمرار ذلك الخيار سيكون مدمرا على المدى المتوسط والبعيد. فليس من المعقول أن يجد التكنوقراط أنفسهم خارج سكة القطار بسبب لعبة الهويات الطائفية على حساب عنصري الكفاءة والقدرة، ولكن ذلك لا يعني في الوقت ذاته تهميش أي مكون من مكونات العراق تحت أي غطاء.
ومن ثم فإن مكافحة الفساد السياسي والمالي والإداري المستشري في عدد ليس بقليل من المؤسسات العراقية يجب أن يكون أولوية في طريق شق الطريق أمام تحقيق الشفافية في أداء النظام السياسي، ورغم أن حراك ماكنة مؤسسات النزاهة تسير في منحى تصاعدي، ولكن هذه الماكنة لا تزال بعيدة كل البعد عن اجتثاث منابع الفساد، وآخر فضيحة في هذا المنوال هي صفقة أجهزة الكشف المبكر عن المتفجرات، فسرعان ما أفاق العراقيون على خبر غير سعيد، وهو أن هذه الأجهزة غير صالحة للاستخدام!
وعودا على بدء، طالما أن الأزمة في العراق قد تتلخص في شقها الأكبر في مكون القيادة، فانه لعل النصيحة الوحيدة الجيدة التي قالها صدام حسين في حياته والتي من الحري الأخذ بها كانت في محاكمته حينما قال: «إن العراق بحاجة إلى حاكم قوي وعادل»... نعم، على العراقيين أن يحققوا سلطة قائمة على ثنائية القوة والعدل حتى ينتصر الأمل على الألم.
أكثر ما نخشاه اليوم هو ليس «عراقٌ بلا قيادة»...وإنما قياداتٌ بلا عراق!
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 2703 - الجمعة 29 يناير 2010م الموافق 14 صفر 1431هـ
فاقد الشيء لا يعطي،، يا حيدر.
عزيزي حيدر لم يكن صدام حسين يوما ما حكيما في تصرفاته ولم يكن في مستوى الإنسانية بل لم يكن إنساناً حتى يفقد الإنسانية والسطور هنا لاتكفي لبيان تاريخه الأسود الملطخ بجرائم يندى لها الجبين. فمن غير الحكمة أن تستشهد بمن فقد لمعايير الإنسانية والحمدلله أن حبل المشنقة دقت عنقه قبل يوم الحساب وشفى الله بذلك قلوب الثكالى واليتامة والمؤمنين اللهم عجل ببقية المجرمين إلى حبل المشنقة قبل يوم الحساب وعجل لوليك الفرج،،،،،، نبيل حبيب العابد
بغداد ت العراق
نحن ابناء العراق ليس بحاجة الى ان نقتدي بقول رجل فاسد مارق (غبي) مثل صدام اللعين وكيف تسمح لنفسك استاذي الفاضل ان تستشهد بقول لهذ المسخ(صدام) فاذا كان هذا اللعين حكيم فلماذا وصلنا الى مانحن عليه ، لقد كان مقالك جيد لولا استشهادك بقول لشيء نكرة اسمه صدام وتقبل تحياتي قاسم التميمي / صحفي