العدد 2703 - الجمعة 29 يناير 2010م الموافق 14 صفر 1431هـ

الشّتيمة السياسية لدى الخصوم جائزة؟

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

دأبَ التلفزيون الإيراني مؤخرا على بثّ مناظرات حيّة بين شخصيات محافظة وأخرى إصلاحية تتناول قضايا مختلفة. فقد استضاف في إحداها رئيس تحرير صحيفة كيهان المحافظة حسين شريعتمداري والنائب الإصلاحي في البرلمان مصطفي كواكبيان.

واستضاف كذلك العضو الإصلاحي جواد إيتات. وتاليا النائب المحافظ علي مطهري (نجل الشيخ مرتضى مطهري). حيث كانت خلالها المناقشات حامية، ذكّرت بالمناظرات التي سبقَت الانتخابات والتي جرت بين المترشّحين الأربعة (نجاد، موسوي، رضائي وكرّوبي).

الإصلاحيون اعتبروها خطوة جيدة، بما فيهم المرشّح الخاسر في الانتخابات الرئاسية العاشرة مير حسين موسوي الذي سمّاها بـ «المفيدة»، وكذلك أثنى عليها رئيس مجلسي الخبراء والتشخيص الشيخ هاشمي رفسنجاني، ورئيس البرلمان علي لاريجاني.

بطبيعة الحال فإن هذه المروحة الإعلامية شكّلت دَفعَة معنوية أخرى للقوى الإصلاحية، بعد إصدار لجنة تقصّي الحقائق التي شكّلها البرلمان الإيراني (المُهَيمَن عليه من قِبل المحافظين) تقريرا جرّم فيه المدّعي العام السابق لطهران سعيد مرتضوي وحمّله مسؤولية «معتقل كهريزك» الذي أمر المرشد الأعلى بإغلاقه.

في موضوع الإعلام والصحافة فإن الأمر محلّ نظر وجدال. فهذا الموضوع المُثَار في كلّ جولات الفريقين (المحافظ/ الإصلاحي) بات في قوس الأزمة الداخلية لأنه (كان وأصبح وأمسى) أحد روافدها الأساسيين. وعندما يقع الأمر في سياقه الخاص يتّضح بأن الخلط فيه مريع.

الغريب أن الإصلاحيين كانوا يشْكُون بذات المقدار عندما كانوا مُمسكين بالسلطة طيلة ثمانية أعوام خلت (1997 – 2005). لا أحد يعترض على حريّة التعبير بالتأكيد، ولكن الاعتراض على السياق الذي يطرحون فيه القضية، والتي بات الأمر فيها مُسيّسا بامتياز.

هنا حاولت أن أُقارِب بين نصّيْن صحفيّين أحدهما إصلاحي وآخر محافظ. الغاية فهم الخطاب السياسي للطرفين ومدياته وشكله ومفرداته. فالملاحظ أن القضية باتت أقرب إلى الابتذال في أحيان كثيرة منها إلى الموضوعية، مع التأكيد أن أحدا لم يعترض على حدّ وحدود ذلك الابتذال وخطورته مهما كان أصحابه ومتبنّوه.

في النّص الصحافي الإصلاحي كَتَبَ إبراهيم نبوي في جريدة روز (اليوم) الإصلاحية بتاريخ 01 أغسطس/ آب المنصرف كلاما عنيفا ضد عضو مجلس صيانة الدستور وعضو الهيئة الرئاسية لمجلس خبراء القيادة وجماعة المدرّسين، ورئيس السلطة القضائية الأسبق آية الله الشيخ محمد يزدي.

قال نبوي «لا أحد يُصدّق أن الحكومة تسرق أصوات الشعب بمساندة أعضاء مجلس صيانة الدستور الستة غير المحترمين، أما إذا قرّرتَ (والكلام مُوجّه ليزدي) أن تعطِه حقّه بعد شهرين، فعليك أن تأتي بفردة سروالك اليُمنى من جزيرة أبو موسى واليسرى من منطقة فريمان، واعلم أن الشعب الذي نراه سيُخرج هذا الحقّ من حلقومك وحلقوم المرشد ومن ذلك الدكتور الرجعي (نجاد)».

وزاد نبوي بالقول مخاطبا آية الله يزدي «أنت عضو عديم القيمة في مجمع تشخيص مصلحة النظام، فعقلك لا يُعينك حتى تعرف مصلحتك. واعلم أن هذا الشعب سيهدم بيتك فوق رأسك. لماذا تهتم بالأمور التافهة ما دمت تعرف أن تلك الميم ستأخذها تلك اللام».

وأضاف نبوي «إذا ما تصرفتَ بشكل لائق من الممكن أن تعود إلى منزل تقضي فيه بقيّة حياتك، وإلاّ فإنك لن تستطيع حتى سرقة مالٍ بشركة (دنا لإنتاج الكاوتشوك)، فأنت لم تعرف عملك ولم تفعل شيئا غير تخريب السلطة القضائية، ولا عالمك نظيف أصلا ولا أحد يعترف بأهليتك السياسية، فلماذا تتدخّل في شأن الكبار، هل مع هذه اللحية تريد أن تسلك طريق الوقاحة؟».

في النّص الصحافي المحافظ كَتَبَ إلياس نادران في جريدة جوان (الشباب) اليمينية المحافظة بتاريخ 11 يوليو/ تموز 2009 مقالا انتقد فيه رئيس مجلسي خبراء القيادة ومجمع تشخيص مصلحة النظام آية الله الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني.

وقال نادران «إذا كان هاشمي (رفسنجاني) وأصدقاؤه ومرافقوه يقبلون بمبدأ سيادة القانون والشرعية فلماذا لم يهتموا بتصريحات (سماحة) المرشد الأعلى بعد الانتخابات؟ هل إذا قام بعض منتسبي الجامعة الإسلامية (التي يتنفّذ فيها رأي رفسنجاني) بإنفاق مبالغ ضخمة من مخصّصات الجامعة في الحملة الانتخابية لمرشّح بعينه لا يجب محاكمتهم؟».

وزاد نادران «خلال الاجتماع الثاني الذي جمَع كاتب هذه السطور (أي نادران) ضمن اللجنة البرلمانية المُختارة مع رفسنجاني أثيرت مسألة تصريحات ابنته فائزة المناهضة للنظام خلال المسيرة التي جرت في شارع أزادي بطهران بعد الانتخابات، وقد طالَبَ سيادته أن يرى القرص المُدمج الذي سُجِّلَت عليه تصريحات ابنته، وتمّ إرسال القرص لسيادته كدليل إثبات إلاّ أنه إلى الآن لم يصدر عنه أي تعليق حيال ذلك».

وأضاف نادران لقد أشار رفسنجاني في خطبة الجمعة إلى أن الإمام علي (ع) تغاضى عن حقّه في سبيل تحقيق الوحدة، فهو يُوصي نفسه أو أصدقائه بهذه الحكمة التاريخية؟ أم يوجّهها لمنافسيه السياسيين فقط؟ أم أنه يطرحها لشخصيات ومناصب أخرى في النظام؟

هذان النّصّان يُعبّران عن حالة من التباين في الرؤى. لكنهما أيضا يرسمان خطّا بيانيا يوضّح طبيعة الخطاب السياسي لكلا الجناحَين. وربما يُترك للقارئ في أن يحكم بينهما. فالقارئ في النهاية حصيف، وصاحب دراية، وأيضا له ذوق في حين يرتشف الكَلِم.

ما يعنيني من كلّ ذلك هو حالة الانفلات التي يتورّط فيها الخطاب الإصلاحي في جنبّته الإعلامية. وربما هو يُعيد نفسه مرة أخرى بعد حقبة التسعينيات، وبالتحديد بعد فوز خاتمي، خصوصا ما نشرته صحيفة «موج» الطلابية، وكذلك الكاريكاتورات التي طاولت شخصيات دينية مرموقة (كاريكاتور التّنين مثالا).

إن مستوى التطاول في الإعلام الإصلاحي وصل إلى مستوى خطير. وهو يمر من دون استنكار من قِبَل قيادات هذا التيار. وهو باعتقادي استفزاز، ودفع بالأمور إلى الحائط، لكي يُقال بأن هناك تقييدا في حرية التعبير. وهو المستوى الذي أعتقد بأن الإصلاحيين يهدفون للوصول إليه بغرض الاستخدام السياسي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2703 - الجمعة 29 يناير 2010م الموافق 14 صفر 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 11:07 ص

      الحرية الإصلاحية

      أشكرك على هذا المقال في النهج الذي ينتهجه كلا الفريقين (أو الجناحين) في مسألة حرية التعبير وما شابه.
      شاهدت مناظرة كواكبيان وشريعتمداري ومناظرة زاكاني واطاعت أيضا. بغض النظر عن مطارحاتهم فإن الأسلوب المتبع لدى المحافظين أرقى بكثير وبدا هذا واضحا أكثر في مناظرة شريعتمداري وكواكبيان كما اشرتم.
      والاتهامات العامة التي وجهها اطاعت هي من المشاكل الاخرى التي يواجهها الجناح الاصلاحي في ايران او ما اسميه بـ"اتهامات بالجملة"...
      اشكركم على مقلاتكم الرائعة ووفقكم الخالق.

    • زائر 4 | 8:48 ص

      مقال في الصميم

      مقال جدا أكثر من رائع توضح مدى تخبط الذين يدعون أنهم أصلاحيين من خلال التلفظ بألفاظ ليست في صالحهم أنما يستفيد منها الأعداء .

    • زائر 3 | 4:34 ص

      ولد البلد

      حرية غير محترمة . الشتم من شيم الضعفاء

    • زائر 2 | 3:38 ص

      الخطاب (...)

      هل من المعقول ان الاصلاحيين يصلون الى هذا المستوى من التخبط ؟ غريب ان يقولو اليوم للعالم بانهم لا زالوا من النظام

    • زائر 1 | 11:07 م

      مقال اكثر

      مقال اكثر من رائع يا استاذ محمد

اقرأ ايضاً